العدد 2949 - السبت 02 أكتوبر 2010م الموافق 23 شوال 1431هـ

معادلة منظمات المجتمع المدني الصعبة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اليوم، وفي خضم الصراعات الدائرة على مسرح العمل السياسي، ليست هناك حاجة للدخول في خلاف حول تحديد مفهوم «منظمات المجتمع المدني»، رغم شعور المرء بأهمية تحديد ذلك المفهوم من أجل وضع حد للتشويهات التي ألحق بها، وعلى وجه الخصوص في دول العالم الثالث، عندما تعزز السلطات الحاكمة فيها نفوذها، وتحكم قبضتها على الأوضاع السياسية من خلال تلك المنظمات، التي تسيطر عليها تلك السلطات سيطرة شبه مطلقة. ولعل أقرب تعريف لتلك المنظمات، في سياق الحالة السياسية التي تمر بها البحرين، هو ذلك الذي جاء في الدراسة التي أصدرها «المركز الفلسطيني للدراسات وحوار الحضارات»، والمعنونة «منظمات المجتمع المدني في تعزيز المشاركة السياسية» من إعداد الباحث ناصر الشيخ علي، والتي قامت بتمويلها مؤسسة «فريدرش ناومان» الالمانية.

ما يهمنا اليوم، هو التوقف عند التغييب الواعي وغير الواعي، الذي تمارسه القوى السياسية، لدور منظمات المجتمع المدني في مرحلة نحن في أمس الحاجة لمثل هذه المنظمات نظرا للأسباب التالية:

1. الدور الحضاري الذي بوسع مثل هذه المؤسسات أن تمارسه. ففي مجتمع تسوده الذهنية القبلية الفردية، تتضاعف أهمية الدعوة لإبراز العمل الجماعي الذي يقوم على روح أعضاء الفريق عوضا عن الفرد. فمن خلال الدور الذي بوسع هذه المنظمات أن تقوم به، تتولد القدرة على صهر قوى المجتمع الفاعلة في بوتقة مؤسساتية واحدة تتراجع في التقسيمات القبلية المتخلفة، لصالح المقاييس المجتمعية المعاصرة. ومن الضرورة بمكان هنا فهم هذا الدور، ليس في إطاره الإداري، وإنما في حيزه الاجتماعي. ولسنا بحاجة إلى التأكيد هنا على التناسب الطردي بين تطور المجتمع نحو «الدستورية»، وزيادة مشاركة منظمات المجتمع المدني في تسيير آليات علاقات قواه المجتمعية، وفي المقدمة منها تلك المنظمات.

2. الدور السياسي، فإلى جانب كون تلك المنظمات السياج الذي يسور القوى السياسية، ويوفر لها الحماية التي تحتاجها للحد من تسلط مؤسسات السلطة التنفيذية وآلاتها، ومحاولاتها لتقليص هوامش الحريات التي تحتاج إليها، تؤمن منظمات المجتمع المدني، قناة الاتصال والتواصل الحقيقية والكفؤة بين تنظيمات المعارضة السياسية، والمواطن العادي، الذي قد تحرمه ظروفه المحيطة به من بناء العلاقة التي يطمح لها مع قواه السياسية التي تمثله.

3. الدور المجتمعي، حيث تضمن تلك المنظمات للقوى السياسية الهادفة لأن يكون لها دور مميز في عملية التحول باتجاه مجتمع مدني ديمقراطي، أدوات صحيحة قادرة على تلمس حاجة كل فئة من فئات المجتمع على حدة، والتمييز بين كل منها على نحو واضح من جهة، ومخاطبة كل فئة من تلك الفئات بالمفردات التي تفهمها، واللغة التي تحسن التحدث بها من جهة ثانية. وليس هناك مثال أفضل من منظمات المجتمع المدني النسائية، التي لا يمكن أن يحل مكانها من يستطيع أن يقوم بهذا الدور في صفوف النساء، وعلى النحو الأفضل، كما تقوم به هي.

أما عن التغييب الواعي وغير الواعي، فيمكننا تلمسه من خلال مسالك كثيرة من أبرزها المظاهر التالية:

1. أدوات وقنوات الحملات الانتخابية التي تمحورت حول لصق صور المنتخبين في لافتات خارجية تنتشر في الشوارع الرئيسية، وبعض الأزقة، تحمل صورة المرشح، والجمعية التي ينتمي لها، في حال انتسابه لجمعية معينة، يزينها رقم الدائرة، متبوعا، أو مسبوقا، باسم المحافظة، مكللة بشعار الحملة الانتخابية. يتزاوج ذلك مع مطبوعات تقليدية كالمطويات أو الكراريس التي تحتوي على برنامج المرشح أو جمعيته، ويتباهى البعض ببنائه قناة إلكترونية مستخدماً بعض الأدوات البدائية التي توصله مع الشبكات الاجتماعية مثل الفيس بوك او تويتير. فحتى الآن لم نجد رجوع أي من المرشحين لأي من منظمات المجتمع المدني، مهنية كانت أم اجتماعية كي تكون جزءاً من حملته الانتخابية، وكأن إشراكها أصبح نوعاً من المحرمات التي لا يجوز له الاقتراب منها.

2. مكان الالتقاء بالجمهور المنتخب، حيث نصبت الخيام، على الطريقة البدوية، وراح كل مرشح يدعو منتخبيه كي يئموا مضاربه، او منزله، او يسمحوا له بزيارتهم في منازلهم، كي يتم الاتصال والتواصل بين الطرفين. لم نجد من بين المرشحين من تمرد على مثل هذه الأساليب البدائية، وقاد حملته الانتخابية من خلال منظمات المجتمع المدني، وحرص أن تكون خطواته متناسقة معها. ما يثير الخوف في قلوبنا هو أنه رويداً رويداً حلت هذه الطرق المتخلفة، وتحولت إلى ما يشبه المسلمات التي يفترض من المرشحين الخضوع لها، والتقيد بقوانينها، إن هم أرادوا الوصول إلى جمهورهم.

قد ينبري من يقول إن القوانين لا تسمح بانحياز منظمة لمرشح دون آخر أو تفضيل كتلة سياسية على أخرى. بل ربما تحظر الدولة، وبوعي وإصرار مسبقين على تلك المنظمات أن تنسج أية علاقات مع الجمعيات السياسية. لكن كل تلك تتحول إلى تبريرات تخفي وراءها ذهنية متحجرة، لا تستطيع أن ترى ذلك الدور المميز والكفوء لمنظمات المجتمع المدني. ونحن، وإن كنا نتفق، مع ضرورة تحاشي «الإمعان في تسييس» منظمات المجتمع المدني، ونقف ضد تحويلها إلى بوق إعلامي للون سياسي دون سواه، لكننا في الوقت ذاته لا نعفي القوى السياسية المعارضة (بكسر الراء) من المساهمة في ذلك التغييب. فكل التبريرات تسقط أمام النضال من أجل ضمان دور سياسي حضاري لمنظمات المجتمع المدني، يقوم على أدائها دور محايد يمد يده لكل من يريد أن يساهم في عملية التحول الديمقراطي التي يمر بها المجتمع البحريني اليوم.

إن محاربة التغييب الذي ندعو إليها تقوم على العمل من أجل انصهار منظمات المجتمع المدني في بوتقة ذلك التحول الديمقراطي، مع الاحتفاظ باستقلاليتها والتقيد بحذافير أنظمتها الداخلية التي ينبغي أن تتحاشى التحول إلى مؤسسة سياسية، دون أن يقود ذلك إلى تجريد نفسها من دورها السياسي. من الطبيعي أن الوصول إلى حل هذه المعادلة ليس بالأمر الهين، لكنها ليست عملية مستحيلة، إذا توافر النضج السياسي لدى المعارضة، والرغبة الصادقة لدى السلطة التنفيذية، سوية مع تبلور الإرادة، غير القابلة للمساومة، لدى منظمات المجتمع المدني

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2949 - السبت 02 أكتوبر 2010م الموافق 23 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 9:09 ص

      تحديد أولويات عملك يعنى التركيز عليها لا مجرد كتابتها على الورق.

      الرؤية المستقبلية للعمل دليل نجاح القيادة في الإحاطة بالمتغيرات وقصور الرؤية دليل القصور...فإن تمام العبودية هو : بتكميل مقام الذل والانقياد ، وأكمل الخلق عبودية : أكملهم ذلاًّ لله ، وانقياداً ، وطاعة ، والعبد ذليل لمولاه الحق بكل وجه من وجوه الذل ، فهو ذليل لعزِّه ، وذليل لقهره ، وذليل لربوبيته فيه وتصرفه ، وذليل لإحسانه إليه ، وإنعامه عليه ؛ فإن مَن أحسن إليك : فقد استعبدك ، وصار قلبُك معبَّداً له ، وذليلاً ، تعبَّدَ له لحاجته إليه على مدى الأنفاس ، في جلب كل ما ينفعه ، ودفع كل ما يضره .

    • زائر 7 | 9:05 ص

      لا تستسلم للتقليد إلا عند العجز عن الابتكار ، إن الابتكار وظيفة من وظائف القائد ينتظرها الآخرون منه.

      . لا تحدد أولويات العمل على أساس رؤية فردية ، كما إن تحديد الأولويات عند بروز مشكلات طارئة من الأخطاء الإدارية الخفية...16. لا تجعل خطة العمل بمنأى عن التطبيق الفعلي ، فإن ذلك هو السبيل إلى الفشل الأكيد ، ولكن اجعل خطة عملك هي أساس لجميع تحركاتك وتصرفاتك وقراراتك.17. إذا أردت الخروج عن خطة العمل فلا تفعل ، ولكن ضع خطة عمل جديدة تراعى فيها المستجدات الجديدة.18مسئول بغير تخطيط يعنى فشل لعمل المؤسسة ، فلا تقبل عملاً قبل أن تضع له خطة ولا تنتظر نجاح عمل غير مخطط.

    • زائر 6 | 9:04 ص

      يخطئ كل مسئول لا يعتمد على فرق العمل في أداء المهام المطلوبة إن الاعتماد على الأفراد وحدهم يسبب القصور مهما كان الأفراد نابغين...!!

      11. لا تكتف بصمت الأعضاء للاستدلال على موافقتهم ، في أحيان كثيرة يعترض البعض بالصمت أكثر من الاعتراض بالكلام.12. احذر أسلوب الإقناع المؤقت ، أو الإحالة على أوقات أخرى لتمرير القرارات...إنها نوع من الدكتاتورية المقنعة.!!!13. لا تصدر أحكاماً مسبقة على أحد مهما كان عندك ادله او وثائق ضده قبل أن تجلس معه وتسمع منه وتعرف وجهة نظره وتتناقش معه !! ولو ان القضاه يصدرون أحكاما على طرف بدون ان يسمعون من الطرف الآخر لساد الظلم بين البشر فكم من شاك قوي في حجته وكم من وثائق ملفقه .

    • زائر 5 | 8:50 ص

      [المسئول في المكتب]: جملة يجب أن ينتهي التعامل بها واستخدامها تماماً في جميع قطاعات العمل

      لا تعامل العاملين معك على أنهم أطفال ، تعطيهم عند الإنجاز وتمنعهم عند الخطأ ، ولكن ابحث في أسباب الخطأ وابحث عن عوامل الإنجاز ، وبعد ذلك لا بأس بالتحفيز أو العقاب.6. ربما يسبب التحفيز بعض الإيجابيات ، لكنه وحده لا ينشئ التقدم.7. طريق تخويف العاملين من العقاب-قد تنتج قليلاً لإنجاز بعض الأعمال ، ولكنها طريقة لا تصلح للارتقاء بمستوى الجودة.8. المساواة مبدأ قد يظلم كثيراً من أصحاب المواهب ،إن الفرق بين المساواة والعدل ، إلا أن العدل يعطي لكل ذي حق حقه.

    • زائر 4 | 8:48 ص

      موضوع مهم وجميل ومفيد في فن الإدارة..والإدارة أو القيادة فن وموهبة...

      يخطئ من يظن أن يستطيع وحده إدارة العمل والأفراد بدون مشاركة الآخرين ، إن الإدارة هي عملية مشتركة.2. يخطئ من يعتمد في إداراته على أسلوب الأمر والنهى ، فإنها أساليب قد ثبت فشلها ولا يعتمد عليها حتى الآن إلبعض المسئولين في حديقة الحيوان!!!3. وضع الرجل المناسب في المكان المناسب مبدأ إداري ، وأنت إذا نظرت إلى بعض القطاعات ورأيت متخصصاً في الكيمياء الحيوية يعمل مسئولاً للعلاقات العامة ، فاعلم إلى أي حد فسدت الإدارات

    • زائر 3 | 8:19 ص

      شكرا للكاتب القدير ونتمنى أن يكتب المزيد

      شكرا للكاتب القدير ونتمنى أن يكتب المزيد ... مع تحيات Nadaly Ahmed

اقرأ ايضاً