العدد 2958 - الإثنين 11 أكتوبر 2010م الموافق 03 ذي القعدة 1431هـ

محاربة الإرهاب... مدخل بناء (1 – 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

«ازدادت جرائم الإرهاب في الآونة الأخيرة واستفحلت آثاره في مختلف أرجاء المعمورة، خاصة مع تنامي الصراعات العالمية سواء بين الدول بعضها البعض، أم بين الدول وبعض التنظيمات، وكذا الصراعات الداخلية التي ترجع لأسباب مختلفة، إلا أن جذوره تمتد لتاريخ بعيد، وينحصر التطور في اختلاف أسبابه وتنوع أساليبه وضحاياه.

وقد أصبح الإرهاب يمثل في جانب منه أداةً وأسلوباً للصراع السياسي، كثيراً ما تلجأ إليه القوى السياسية بغض النظر عن أيديولوجياتها لنعت خصومها به، فالمصطلح مُحمل بقدر كبير من الشحنات السلبية، بما تتحقق معه الإدانة المبدئية لمن يوصف به، ويواجه المجتمع الدولي تلك الظاهرة باهتمام بالغ، حيث وقعت العديد من أعمال الاغتيالات والتفجيرات وخطف الطائرات واحتجاز الرهائن وبخاصة خلال النصف الثاني من القرن الماضي، وتضاعف اهتمام المجتمع الدولي بمكافحة الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 في الولايات المتحدة.

ولعل مكافحة الإرهاب تواجه تحديات عديدة، أهمها الأمنية التي تتعلق بالإجراءات الخاصة بالحد من أخطاره على النظام العام، لكفالة أمن واستقرار المجتمع وتحقيق مصالحه، والتحدي الآخر هو القانوني فالمشرع يحتاج في هذا الصدد إلى تحقيق التوازن بين ضرورات مواجهة الإرهاب من ناحية ومراعاة عدم الافتئات على حقوق الإنسان من ناحية أخرى».

هذا مقتطف ورد في الجزء الأول من دراسة تفصيلية مطولة، عنوانها «تعريف الإرهاب»، قام بها الأستاذ المساعد بالأكاديمية الملكية للشرطة شوقي محمد صلاح، وهي في جوهرها تلخص ما ورد في تعريفات أخرى كثيرة للإرهاب، او لمكافحته، مثل ذلك الذي اجتهد في صياغته الباحث الإسلامي، إسماعيل لطفي بن عبد الرحمن جافاكيا، أو ما أقره اجتماع علماء المسلمين المعاصرين في الدورة السادسة عشرة للمجمع الفقهي الإسلامي التي عقدتها رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في شهر يناير/ كانون الثاني 2002.

ولا يخرج عن هذا الإطار تعريف الجمعية العامة للأمم المتحدة المقترح العام 1937، او قرار الجمعية العامة للامم المتحدة العام 1999، بشأن إجراءات مكافحة الارهاب الدولي، بل وحتى تعريف الاتحاد الأوروبي، أو تعريف وزارة الدفاع الأميركية، وكذلك الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي وقعت في القاهرة في العام 1998، وصولاً إلى «كبار العلماء» بالسعودية، والتي هي أعلى سلطة دينية هناك، عندما أصدرت «تعريفاً وصفياً للإرهاب وتجريمه بناء على التعريف الذي قدمته في فتوى وصفت بـ «مهمة وغير مسبوقة».

ما يدفع المرء إلى تناول وإعادة تناول موضوع «الإرهاب»، هو تماماً ما أشارت إليه دراسة صلاح، في محاولته لتعريف «الإرهاب»، والتي استهلها بملاحظته «ازدياد جرائم الإرهاب.. إلخ»، حيث أصبح، التعبير يتصدر نشرات الأخبار، ويحظى بالعناوين الرئيسية في الصفحات الأولى من الصحف العالمية والمحلية. وما يلمسه المتابع للتطورات السياسية في العالم هو أنه بتنا اليوم نقرأ ثلاث مفردات أصبحت تستخدم، والبعض يستخدمها بشكل واعٍ ومتعمد، على نحو مترادف وهي: المعارضة بأشكالها المختلفة، العنف، الإرهاب. فنعتت كل أصناف المعارضة، من قبل من تعارضهم، بالعنيفة، وتدرجت تلك الصفة، كي توسم المعارضة الاحتجاجية ذاتها، بالصفة الإرهابية، فبات من الصعوبة بمكان التمييز بين أشكال المعارضة، والأصعب من ذلك هو نجاح أولئك البعض، في وضعها جميعاً في خانة «الإرهاب»، وتصنيف كل ما تقوم به على أنه أعمال «إرهابية».

هذا المدخل الهادف، بوعي وتعمد، إلى الخلط بين تلك التعابير، هو سلبي في جوهره، ولا يمكنه أن يعالج ظاهرة «الإرهاب» من منطلقات إيجابية تهدف إلى اجتثاث جذورها، والقضاء على مسبباتها، وهو عوضاً عن ذلك، سواء شاءت هذه المدرسة من التفكير أم أبت، وبالتالي يقود إلى بناء منصة تستخدمها بعض القوى بشكل ذكي مدروس في صراعها ضد منافسيها، وتروج له بعض القوى الأخرى، على نحو ساذج، كي تضمن سيرها مع التيار، وخشيتها، غير المبررة من الإبحار ضده، تنتصب فوقها مجموعة من الظواهر السلبية التي من أهمها:

1. تشويه المفاهيم، فعندما يكثر تكرار استخدام هذه المفردات ذات المدلولات المختلفة للتعبير عن مفهوم واحد، تسود المجتمع بنية فوقية مشوهة تنعكس في السلوك الثقافي والاجتماعي والسياسي لفئات المجتمع وقواه المختلفة. وينجم عن ذلك صعوبة تطبيق القوانين المعمول بها في ذلك المجتمع، ناهيك عن فقدان القدرة على تثبيت القيم المجتمعية التي تنظم العلاقات بين فئاته وقواه المختلفة، ويؤدي ذلك أيضاً، إلى عزل اجتماعي مجحف بحق تلك القوى المصنفة على أنها «إرهابية»، مما يقودها إلى خيارين أحلاهما مر: إما التحول، مجبرة إلى قوة «إرهابية»، أو الانكفاء السلبي، والتكور الداخلي إلى قوة اجتماعية هامشية، تأخذ في التضاؤل إلى أن تصل إلى فئة اجتماعية معزولة غير قادرة على المساهمة في تطوير المجتمع أو المشاركة في تنمية موارده. أخطر من ذلك، عندما تحاول تلك الفئة، ومن منطلقات سلبية للدفاع عن وجودها، فتقدم، مدفوعة بتلك النوازع السلبية، على ارتكاب أعمال «إرهابية» يصعب السيطرة عليها، أو انتشال تلك الفئة من قوقعتها السلبية التي زرعت نفسها عميقاً فيها.

2. الترويج للمفهوم ذاته، فمن خلال التداول اليومي لهذا المفهوم، وفي وسائل الإعلام المختلفة، تسقط الهيبة من الانتماء له، ويشاع استخدامه مما يشجع القوى على اللجوء إليه، كوسيلة من الوسائل «غير المستهجنة»، للتعبير عن نفسها، أو لإثبات ذاتها، أو لتجسيد شكل من أشكال الحضور الحسي الملموس لتمييز نفسها، وإثبات اختلافها مع الفئات الأخرى، سواء كانت تلك القوى فصائل أخرى من المعارضة، او السلطة القائمة. رويداً رويداً يتسرب المفهوم إلى عقول الفئات الاجتماعية، وينعكس في سلوكها، ويصبح من الصعب حينها مواجهة القوى التي تحمله، أو انتزاعه من أذهانها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2958 - الإثنين 11 أكتوبر 2010م الموافق 03 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • مواطن مستضعف | 4:26 ص

      مواطن مستضعف

      طابت اوقاتك يا أستاذي العزيز00
      من يملك الآلة الإعلامية المتمكنة, هو من بيده إيصال أو تشويه الحقائق بحسب منطلقاته وأهدافه, فالمقاوم بات ارهابياً, والإرهابي غدا مناضلاً , .... وهكذا.
      دمت سالماً في حفظ الله و رعايته

    • زائر 13 | 2:37 ص

      ما هو مفهوم الإرهاب

      العالم مختلف في تعريف الإرهاب فكل يعرّف الإرهاب حسب وجهة نظره فهاهي اللقيطة اسرائيل تنعت المقاومين الفلسطينين الذين يقاومون من أجل استعادة وطنهم تصفهم بالإرهاب
      لذلك مسألة توصيف الإرهاب مختلف عليها.
      من الملاحظ أن هذه الصفة غالبا ما تلصق بالأفراد
      والجماعات أما الحكومات والدول حتى ولو قامت بنفس الفعل فإن هناك من لا يطبق نفس الوصف عليها

    • زائر 12 | 11:16 م

      إن المستقرأ للواقع يرى أن هناك مكابره ممن قام بتبجيل وتقديس أشخاص يعتقد أنهم ال نخبة

      العلاقات العاطفية أصبحت تحل محل الكفاءات والبعض ممن تم أيفاده لجامعات الدكاكين لم يستطع إنزال العقوبة بشأن ماارتكبوه من اختلالات فادحه ... بل تمت المكابرة لذا على هؤلاء إعادة حساباتهم لأن ترك الساحة لمعارك بين فئة لديها نقص رهيب وبين فئة عصامية هي الأكفأ في العطاء والاستغلال السىء للمال في شراء كرتونة الشهادات .. يجب تصحيح الأوضاع حتى لا تترك تلك المجالات لبعض من الوحوش البشرية

    • زائر 11 | 11:10 م

      وعلى قائمة مثل هذه ... يجب أن يجد الفرد المثقف ثقافة عالية مكانا لكي يصون المجتمع من هذه الآفات

      بعد أن تم تكريس ثقافة ( بوكابون) وهم بعض من الأشخاص النفعيين الذين تم إرسالهم لجامعات الدكاكين وذلك من خلال شراء الذمم والضمائر أصبحوا وبال على المجتمع ... خاصة بأن ذلك أصبح طريقا للشهرة وكسب المناصب لأفراد لديهم نقص رهيب في أهلية الأداء

    • زائر 10 | 11:04 م

      وكذلك ظاهرة تصوير الجريمة بدم بارد مما يعني لا مبالاة المجرمين

      السبب هو أن الجريمة تمنع بثلاث وسائل هو
      أولا: منع أسبابها (الدافع لها)ثانيا: السرعة والدقة في كشفها ومعرفة تفاصيلهاثالثا: عقوبة من يمارسها وردع من يفكر فيهاأما الوسيلة الأولى وهي منع التوجه الجريمة فعادة تتحقق بالطرق التاليةتقوية الوازع الديني من خلال الدعوة والإصلاح
      تقوية الوازع الديني من خلال إقفال أبواب الفساد
      تحقيق الاكتفاء المادي ومنع الناس من اللجوء للجريمة لتحقيق الكسب المادي

    • زائر 9 | 11:01 م

      حيث ازدادت نسبة الجرائم الخطيرة مثل القتل والاغتصاب وقطع الطريق

      لا أظن أحدا يجادل بأن الجريمةارتفعت نسبتها بشكل مخيف وبينما كانت البلد مضرب المثل في الأمن الجنائي في الستينات فإنها الآن اصبحت مضرب المثل في الجريمة

    • زائر 8 | 10:59 م

      ولذا فلأن الصراع بين هؤلاء وهؤلاء هو الصراع بين الحاضر الفوضوي والحضور الشاذ والمعتل وبين المستقبل القادم ببشائر الاصلاح والبناء والانتصار للانسانية

      التي عمد المشبوهون والانصاف على تشويهها ومحاولة ترويضها بناء على منافع ذاتية ضيقة وحسابات غريزية انانيةهنا قائمة بين ارادة الظرف ومشروع الفرد من جانب والمشروع الاقرب وهناً وضعفاً من بيت العنكبوت وبين ارادة التاريخ ومن هنا فأن النبوءة تبدو وهي تقوم على عوامل واقعية سهلة القراءة وواضحة الدلالة.

    • زائر 7 | 10:57 م

      وهو ما لم يفعله الفاسدون ممن ضعفوا عن مجاراة قوانين التاريخ وتراجعوا عن مسيرته نتيجة لخلل في المعادلة الانسانية وهزيمة الوعي الضبابي امام ضغوط الغريزة الهوجاء والعقل الباطني المثقل بالصور الظلامية

      ان العقل الذي يجيد مهمة المقارنة والمقايضة والمراهنة على المستقبل والتاريخ يقدم لنا تفسيراً واضحاً لارتقاء بعض الشخصيات الى مستوى النوع الانساني واقامتها العلاقة المثالية مع القيم والمبادئ على الرغم من الاستحقاقات الآنية التي تدفعها الى العزوف عن الكثير من اللذائذ والمغريات

    • زائر 6 | 10:56 م

      الخسارة التي يمكن ان يمنى بها في المستقبل ومفضلاً مقايضة النزر اليسير من الحاضر بالكم الكبير والارث الدائم والمستمر من التاريخ

      فان توظيف الدلائل القائمة لقراءة المستقبل البعيد عادة ما يلازم آلية العقل الذي يعتمد القراءة والتحليل في الاحاطة بالأحداث وان كانت في ذمة المستقبل الآتي على عكس الغريزة التي عادة ما تضع صاحبها على تلاصق مع الزمن الآني ومع الحسابات الساذجة والقريبة، ولذا فأن المسؤول الفاسد لا يمتلك القدرة على التعاطي المبدع مع الزمن والمستقبل فهو لا يضع في حساباته على سبيل المثال الطريقة التي يسجل فيها التاريخ الادوار والممارسات والاحداث ما يدفعه لأداء دور النعامة التي تخبيء رأسها في الرمل متجاهلاً حجم

    • زائر 5 | 10:54 م

      بهلول

      في مسألة الإرهاب ينطبق كثيراً مثل (رمتني بدائها و انسلت) ، فالولايات المتحدة المريكية و بريطانيا اللتان حاصرتا الشعب العراقي وخصوصاً أطفاله تجويعاً و قصفاً بذات اليورانيوم المنضب وقتلتا الآلاف من المدنيين في أفغانستان و باكستان حتى في أعراسهم و جنائزهم وتحتل أراضي الغير عنوة أو رشوة لحكامها توزعان الإتهامات بالإرهاب يمنة و يسرة ، و كذلك بالنسبة لإسرائيل التي ما شهد العالم نظاماً إرهابياً أسوأ منها قتلاً و تشريداً و هدماً و إحلالاً للسكان الأصليين بقطيع قادم من الجهات الأربع.

    • زائر 4 | 10:54 م

      ثقافة تمجيد الفقر.. الاخلاق عكس المقاصد!

      بل قائمة في عقل جمعي لا يزال يتغذى منها عبر المنابر ودروس الوعظ التي قد لا يلتفت خطباؤها كثيرا لسلبية هذا النوع من الاخلاق بل و قد يعتبرونها أيضا من فضائل الاعمال..
      و الذي لا أشك فيه ان عمر بن الخطاب لو اطلع على هذه الثقافة و لو رأى مروجيها لتعامل معهم بدرته الشهيرة.. و لقال لهم كما قال لسواهم :أمتّم علينا ديننا..! ثم بعض من هؤلاء لم يكتسبوا من سير الصالحين أعمالهم المجيدة بعض ممن لقب وتشبهت أسماؤهم بالأئمة والصالحين ترى نتاج أعمالهم وسرائرهم نتنه وعفنه

    • زائر 2 | 10:51 م

      وينهار من جبال الأخلاق ماينهار !

      ثقافة تمجيد الفقر.. الاخلاق عكس المقاصد!الذي لا شك فيه ان ثقافة كهذه، تنتج أخلاقا سلبيا او محايدة ، ترى في العالم مكانا لا يستحق الالتفات اليه، و لا حتى من أجل الاصلاح.. وهي الاخلاق المناقضة تماما للثقافة الاولى التي انتجت جيلا كان مشبعا بروح فتح العالم بدلا من الزهد فيه.. وكان من الواضح مع سيادة ثقافة تمجيد الفقر ان ذلك يعكس تخلي المسلمين تدريجيا عن دورهم الريادي في قيادة العالم..

    • زائر 1 | 10:47 م

      آخر الزمن , زمن الفتن

      (من منا ترك يد الآخر وأهداه للضياع / نحن أم الزمن ؟ )ساءت ملامح الزمن كثيرا !
      فالجدران التي كنا نلطخها بالطباشير والفحم / بفرح !أمست تُلطخ بالدم / بحزن !
      وقوم لوط !!!أمسينا نطلق عليهم (جنس ثالث )
      والمتشبهات من النساء بالرجال واللاتي لعنهن الله
      نطلق عليهن ( بويات )
      ونتعامل مع الكبائر على أنها ( حالات نفسية )
      ونستهلك الكثير من وقتنا في حوارات مقرفة مع
      ( بويات ) و ( جنس ثالث ) ومدمني خمر ومخدرات

اقرأ ايضاً