العدد 1064 - الخميس 04 أغسطس 2005م الموافق 28 جمادى الآخرة 1426هـ

قراءات متعددة الأبعاد للنص القرآني

دور التغير والتطور في الفهم والاستيعاب

التعامل مع النص القرآني "الالهي" في فهمه واستيعابه أمر حيوي للغاية وعملية تجب أن تكون مستمرة ومتنامية لتوافق المتطلبات الاجتماعية والثقافية للإنسان ومجتمعه المعاصر.

وهذا ما يجعل قراءة النص وفهمه المتطور على حال تماس مع حياة الناس وشئونهم وذات صلة بالممارسات الدينية لجعل الطقوس الدينية، حاجات حقيقية، ومواجهة التحديات الجديدة عبر أدوات ووسائل حديثة لتهيئة العقل في الاستجابة للواقع الجديد.

قراءة غير ثابتة

الذي حدث تاريخيا، ومازال، مستمرا بشكل كبير، هو بقاء قراءة النص ثابتة غير متطورة، وذات بعد واحد، مع انعكاسات هيولية على تفاسير أو استيعاب القرآن وتطبيقات العقيدة ودورهما في الحياة العملية.

والتأويلات للنصوص المقدسة وغيرها، في أغلبها، على مر أزمان المسلمين، كانت غير متسقة أو متداخلة مع نشاط المجتمع وأفراده وقائمة على الطريقة المتعارف عليها في تفسير معاني الكلمات والنظر للتفاسير السابقة والاعتماد على القياس وغيرها عند التفاسير فضلا عن الخلفيات النفسية للمفسرين. وهذا ما نقصده بالبعد الواحد، دون الأخذ في الاعتبار عمق المفاهيم القرآنية وتبدلها من حال لآخر، الحقائق المختلفة المعاني والمكملة الواحدة للأخرى لجعلها في حالة متنامية أو عدم تقدير لطبيعة المواقف المتنوعة في القرآن وظروف الأحوال المتغيرة في الحياة وذات الانسان.

قدسية النص

والسؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هو: هل التغيير يسرق قدسية النص الالهي؟ هل التطور في علوم العقل والواقع يقلل من شأن القرآن وأعمال العقيدة؟

وأنا أعتقد على عكس ذلك تماما فإن التغيير والتطور يزيد من قدسية القرآن وأهميته ووقعه على نفس الإنسان ونشاطه.

فالإعجاز اللغوي في القرآن والأبعاد المتعددة المعاني في الكلمات "أو امتلاكه عدة مستويات من المعاني" والطاقات الكامنة للتعابير في كلمات القرآن والطرح العملي لمفاهيم القرآن وتجانسها مع قواعد القرآن النظرية، وطريقة طرح السؤال فيه والأسلوب الفني في عرض القصص وغيرها يجعل القرآن الحكيم معينا لا ينضب ولا يمكن الاستيعاب التدريجي لقسط من هذا الإعجاز الا مع التغيير والتطور للأسباب الآتية:

أولا: التغيير البناء يساهم في ارتقاء معرفة الإنسان وتطور عقله وطرق تفكيره ما يمكنه من الاستيعاب الأعمق، وبمعنى أدق، ادراك الجديد، منتجا التأويل المتغير ذات الصلة بالرؤى والتفسيرات المتقدمة. فالجديد أو الجدد في المعارف زائدا القديم يكون عمليا أبعاده متعددة.

ثانيا: حال التغيير تساهم في تغيير أوضاع الإنسان الاجتماعية ذات الافرازات النفسية ما يجعل الإنسان يتسامى داخليا "فضلا عن انعكاستها الخارجية". وهذا يقود إلى التوازن في شخصية الإنسان أو تقليل الفجوة بين أفكار الإنسان وتصرفاته. والأهم ربما التسامي الروحي وهذا قد يفسر الحديث الشريف "الصلاة معراج المؤمن". كلمات الصلاة نفسها الآن أو قبل ألف سنة، لكن المتغير الإنسان بنفسيته وروحانيته وعقله "إدراكه" ما تجعله يرتقي في سلم المعرفة وافرازاتها الروحانية. وتغيير أو تطور إدراك المعاني الجديدة أو القيم المتبادلة أو فرزنة المواقف المختلفة تمكن المسلمين من خلال الاضافات والأعمال المتطورة في صوغ المعاني المتعددة "الأبعاد المتعددة" للنصوص أو تمطي القدرات التعبيرية للكلمات وتقديم عدة تفسيرات في آن واحد.

ثالثا: التغيير يساعد على تطور اللغة ونموها، ودور اللغة مهمة في حالات التثقف والتفكر وطريقة صوغ السؤال ما شابه، وافرازات كل ذلك لمرادفات "كلمات" جديدة للتعبير عن معان جديدة ومختلفة. وهكذا بتطور اللغة تتطور الأفكار والخبرات العملية والثقافية. ويبدو ان الاثنين، اللغة والثقافة، يمثلان طرفي معادلة، إذ اللغة تعتبر الوجه العاكس للثقافة والثقافة هي الوجه العاكس للغة. تفاعل متعاكس ومتبادل.

مرادفات "كلمات" جديدة تنتج تعابيرا ومفاهيم مختلفة مؤدية الى طرق تفكير جديدة وخبرات عملية متباينة. هذه التطورات مع الأعمال الجماعية "التعابير الجماعية" ستزيد من الوعي وعمق محتواه عند الناس.

اللغة طريقة تواصل لما تمثله من معلومات وأرقام، وتطور البحوث العلمية والتكنولوجية تقود الى انتاج مرادفات في الجانب اللغوي وانعكاسات كل ذلك على الفن والتأمل والابداع في الرسم والقصة والشعر، وأحيانا التطور في العلم كتقنية الكمبيوتر تزيد من الابداع الفني، كدور التقنية الرقمية في الفن الحديث أو الأفلام السينمائية على سبيل المثال. والعكس صحيح فان التأمل والفلسفة تتركان آثارا مهمة على فلسفة العلوم وتداخلها على تطور ذات العلوم.

فاللغة عند استيعابها للجديد يزيد من ديناميكيتها الابداعية وتسهم في إنتاج تراكيب جديدة للجمل أو تراكيب لغوية جديدة ولا تبقى التركيبات اللغوية الجاهزة والقديمة أو تشكيلات لغوية سابقة لا تتمكن من استيعاب الجديد أو قادرة على التلفظ بلغة العصر.

رابعا: التغيير وتطور واقع الإنسان قد تؤثر على القدسية المفترضة أو الهالة الكبيرة للمؤسسات الدينية ورموزها المقدسة عند عوام الناس. التغيير وما يصاحبه من تثقيف وتطور بأبوابه المتعددة كمحو الأمية، نمو الأدب والقراءة، تقديرا لأعمال المسرح والقصة والخيال وغير ذلك سيزيد من التميز أو الفصل بين قدسية القرآن الحقيقية وقدسية المؤسسات الدينية المفترضة.

المؤسسات الدينية

والسؤال: إذا كان تطور الواقع والتغيير الايجابي يقلل من قدسية المؤسسات فهل هذا يقلل من أهميتها؟ والجواب لا، فإن للمؤسسات الدينية دورا إيجابيا ومهما في المجتمع إذا قامت بخدمة الناس واستطاعت مماشاة العصر على شرط ألا تتحول إلى مراكز سلطة ومال.

فرأي الإمام الراحل محمد باقر الصدر، على سبيل المثال لا الحصر، هو دور المؤسسة الدينية أو الفقهاء كسلطة معنوية في الرقابة على السلطة السياسية. وهذا أمر ايجابي، أي وجود صمام آخر من صمامات الأمان لشفافية وديمقراطية النظام السياسي. وليس وقوع السلطة السياسية بأيدي الفقهاء.

ودور رجال المؤسسة المسيحية، كان ومازال، حيويا في أميركا الجنوبية لمحاولة التخفيف عن اعباء الفقر أو الاضطهاد للمواطنين كما كان في السلفادور وغيرها قبل عقد ونيف من الزمان.

التخوف الأكبر هو عندما تصبح المؤسسة الدينية باستخدامها للدين، كوسيلة، للوصول للسلطة السياسية واستئثارها بها، وكقوى محافظة، تساهم في وضع القيود السياسية وانتشار الاستبداد وعدم اطلاق طاقات المجتمع للابداع والخلق.

جوانب سلبية

المؤسسات، كائنا ما كان، عند تملكها للثروة والسلطة، بطبيعتها، تساهم في ابراز الجوانب السلبية من الطبيعة البشرية في القمع والعنف وقلة العفة. وهذا يقف حائلا أمام حال التغيير المنشودة في المجتمع بجوانبه المتعددة وما يركز في المؤسسات الدينية على الارثودكسية الدينية بشكلها السلبي للحفاظ على الوضع الراهن، من مصالح ودوافع، وعدم تغيره.

الارثودكسية في العمل والجمود في عناصر الابداع هي التي جعلت قراءة النص القرآني وتفسيراته تعيد انتاج نفسها ولا تحمل الجديد أو تعكس مراحل العصر. فآيات القرآن الكريم عندما تتحدث عن العلاقة بين الجنسين، الرجل والمرأة، تحاول علاج الأمور النسائية أو الحاجات الانسانية، من دون تردد أو خجل، ودور الاثنين، الرجال والنساء، في المجتمع. كانت معظم التفسيرات القرآنية من قبل الفقهاء في هذا الجانب متأثرة بآية "الرجال قوامون على النساء" "سورة النساء: 34" وانعكاساتها الاجتماعية على دور النساء الثانوي. وهيمنة الرجال على بنية الفكر الاسلامي الأمر الذي ترك بصماته على تفسيرات النص القرآني، بل وشرعوا أحكامهم حتى فيما يتعلق بأخص أمور النساء. بكلمات أخرى الصبغة الذكورية عند تفسير الآيات القرآنية وصوغ الأحكام لذلك. هذا فضلا عن عدم أخذ السياق الثقافي والتاريخي والسياسي والنفسي ما أثار بشكل مباشر على وضع المرأة على رغم وضوح الخطوط العامة في القرآن لقيمة المرأة ودور النساء الأوائل، كفعل سياسي، في بيعة الرسول أو المجتمع الأول والصغير في المدينة، ليس في دورها العائلي فحسب، وانما في المجتمع والتجارة وغيرها

العدد 1064 - الخميس 04 أغسطس 2005م الموافق 28 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً