العدد 1064 - الخميس 04 أغسطس 2005م الموافق 28 جمادى الآخرة 1426هـ

سورية... الحرس القديم مازال يعارض الإصلاحات

كم من الوقت يستطيع المرء انتظار المستقبل؟ خصوصا إذا كان المرء موهوبا وفي العقد الثالث من العمر. المذيعة في التلفزيون السوري انتصار يونس على عجلة من أمرها، استعدت في الاستوديو الموجود في الطبقة الثالثة لاستضافة ضيفي البرنامج وزيري الصحة والتعليم العالي، رجلان متقدمان بالسن.

تم اختيار اللون الأحمر باعتباره ديكورا للاستوديو ليتحول جوه إلى زمن الخمسينات وهذا ينطبق على الوزيرين والبلد.

لو لم تكن انتصار يونس مؤيدة للنظام لما كانت حصلت على وظيفة العمل مقدمة برنامج، لديها رغبات كثيرة تريد أن تحققها بسرعة، الحصول على سيارة ومال أكثر بينما لا يزيد راتبها عن مئتي دولار على رغم أنها معروفة جدا في بلدها.

انتصار يونس ليست حال خاصة في بلدها، منذ وقت تعمل انتصار مراسلة لتلفزيون دبي وتحصل منه على راتب أفضل، كما ليس هناك حدود حمراء ولا محرمات كما في سورية إذ لا يملك الصحافيون الجرأة للكتابة عن الفساد والمحسوبية.

يبقى السؤال: كم من الصبر تتحمل انتصار يونس قبل أن تفكر بالهجرة. بأي حال تريد حكومة الرئيس الأسد وقف هجرة الشباب مثل انتصار يونس، إذ أن المزيد من الهجرة ستكون له آثار سلبية على سورية التي أوضاعها الحالية مدعاة للتذمر. خلال العام الماضي سجل عدد الذين هاجروا من سورية رقما قياسيا جديدا.

فضلوا ترك بلدهم على البقاء تحت رحمة نظام الأسد وحزب البعث وهربا من بطش المخابرات السورية التي لا يحلو لها فقط مراقبة الأجانب بل أيضا المواطنين المحليين. النتيجة أن غالبية المهاجرين من الأكاديميين. في ألمانيا وحدها يقيم نحو 8 آلاف أكاديمي بينهم 6 آلاف طبيب.

بعض المهاجرين يعودون إلى الوطن لتجربة حظهم. هكذا أستاذ في السياسة والإعلام فعل مروان القبلان تخرج من جامعة مانشستر البريطانية وكان بوسعه العمل بوظيفة مريحة في واحدة من أبرز الجامعات الغربية أو مؤسسات البحوث لكنه فضل العودة إلى وطنه اذ يعيش اليوم في مدينة دمشق.

غير أن قبلان يشعر بغضب عارم لأن كل شيء يخضع إلى جمود في البلد ولا ينهي معاملة مهما كان نوعها من دون أن يضطر ليدفع "البقشيش".

يعرف قبلان أنه في هذه الأجواء لا يمكن لأحد أن يستثمر في سورية نظرا لعدم توافر نظام قانوني أو اقتصادي.

وعد الرئيس بشار الأسد السوريين بعهد جديد. في القريب ستضطر سورية للقلق على اقتصادها المهترئ. كل يوم يتم ضخ نصف مليون برميل من النفط وعلى ضوء الأسعار الحالية للنفط يجري تمويل نصف خزينة الدولة من عوائده. لكن مع حلول العام 2008 ستتراجع كميات النفط السورية وستضطر سورية نفسها لاستيراد كميات كبيرة. قبل 5 سنوات طلب بشار من مواطنين منحه بعض الوقت ليغير ما ينبغي تغييره. حتى اليوم يصعب على المراقبين التمييز بين السنوات الخمس الماضية وعهد والده الذي كان براغماتيا من الطراز الأول. على رغم موقفه المناهض للولايات المتحدة فضل مساندتها في حرب الخليج العام 90 / 1991 ضد غريمه اللدود صدام حسين. بشار محبوب عكس والده الذي كان الجميع يهابه.

إلى جانب بشار امرأة تساعده في صنع قراراته هي زوجته أسماء الأخرس المولودة في بريطانيا وتظهر من دون غطاء على الرأس وتعرف في سورية باسم الأميرة ديانا.

في الآونة الأخيرة تحدثت شائعات كثيرة عن أن الذين يحكمون في هذا البلد هم الحرس القديم والمخابرات. لكن الرئيس الأسد استغل المؤتمر الأخير لحزب البعث ليحسم النفوذ لصالحه. منذ ذلك الوقت لم تصبح الأمور أفضل. من السوريين من يحاول العثور على دليل إذا تغيرت الأمور وأصبح في البلد حريات فإنه يعرض نفسه لانتقام النظام. حين تشجع رياض سيف صاحب شركة وعضو في البرلمان وانتقد الفساد وطالب بمكافحته حكمت عليه محكمة أمن الدولة بالسجن 5 سنوات يقضيها حاليا على رغم مرضه.

تعيش سورية في عزلة داخل العالم العربي وتحملها مصر والسعودية وخصومها في لبنان مسئولية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. كما تتهمها واشنطن بتسهيل تسلل المقاتلين الأصوليين إلى العراق.

يشاهد الزائر لسورية المستقبل في الشوارع : مقاهي إنترنت ومصارف خاصة ومحلات البوتيك التي تعرض الموضة الغربية العصرية.

قبل وقت قصير خفضت الحكومة قيمة جمرك السيارة من 200 في المئة إلى الثلث. كما يخطط مستثمرون من الخليج بإنشاء فنادق ومساكن فخمة على الساحل شرط أن يحصلوا على ضمانات لتحقيق الأرباح كما يجرى التخطيط لفتح بورصة.

يأمل النظام من خلال هذه العلامات أن يصرف المواطنون النظر عن المشكلات الحقيقية. يخشى الحرس القديم التغيير لأنهم يخافون خسارة الامتيازات التي حظوا بها طيلة العقود الماضية. وقد حمل هؤلاء الرئيس مسئولية خسارة لبنان اذ كانت خروج سورية من البلد المجاور ضربة قوية للنظام في دمشق. كان لبنان مرتعا للسوريين. وكان رجال الأعمال السوريون ينهبون "كازينو لبنان" ويستغلونه لغسيل الأموال كما عوائد الجمرك في ميناء بيروت كانت تختفي في جيوب المخابرات السورية في الوقت نفسه كان عملاء سورية يودعون الأموال المشبوهة في مصارف دولية.

بخسارة لبنان خسرت سورية ورقة مهمة كانت تحتفظ بها في حال عودة المفاوضات مع "إسرائيل" لاستعادة الجولان. لم تعد سورية قوة بارزة في الشرق الأوسط وترى إدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش أن نظام الأسد في الطريق إلى السقوط. لكن هل سقوط الأسد في صالح الغرب؟ من سيحل مكانه؟

يحذر المسئولون في سورية من الفوضى وسقوط البلد بأيدي الإسلاميين المتطرفين وقد يكونوا على صواب. غير أن هذا ليس كافيا بالنسبة إلى المذيعة انتصار يونس ولأستاذ الجامعة قبلان. الأولى تستعد للسفر إلى دبي لأن التلفزيون في هذه الدولة الخليجية سيدفع لها راتبا قدره 4 آلاف دولار في الشهر وهو 20 مرة ضعف راتبها في التلفزيون السوري كما حزم قبلان حقائب السفر ليتوجه إلى نيويورك ليدرس في جامعة كولومبيا لمدة عام في البداية أملا بتحقيق إصلاحات شاملة في القريب

العدد 1064 - الخميس 04 أغسطس 2005م الموافق 28 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً