العدد 1078 - الخميس 18 أغسطس 2005م الموافق 13 رجب 1426هـ

شرودر يفتتح حملته الانتخابية بانتقاد بوش

أمس العراق والآن إيران

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

كانت تقديرات بعض المحللين السياسيين في محلها. فقد عاود المستشار الألماني غيرهارد شرودر استعمال نقمة غالبية الألمان من السياسة الخارجية التي يتبعها الرئيس الأميركي جورج بوش ووجه انتقادات حادة لسيد البيت الأبيض مستهلا المرحلة الحاسمة للحملة الانتخابية. لكن شرودر يضرب عصفورين بحجر. لأن زعيمة الاتحاد المسيحي الديمقراطي ومنافسته على المستشارية أنجيلا ميركل بنظر الكثير من الألمان موالية لبوش وخصوصا أنها أيدت حرب العراق كما هي عاجزة عن إقناع الناخبين الألمان بأنها إذا أصبحت مستشارة لن تزج بجنود ألمان في مغامرة العراق، على رغم أنها صرحت أكثر من مرة أخيرا أنها ستلتزم بمبدأ شرودر بعدم إرسال جنود ألمان إلى العراق. وكان موقفه الناقد لخطة بوش بشأن غزو العراق قد ساعد المستشار الاشتراكي في العام 2002 للفوز بولاية جديدة لكن نشأت قطيعة طويلة بينه وبين الرئيس الأميركي ووصلت العلاقات الألمانية الأميركية أسوأ حد في تاريخ العلاقات بين البلدين الحليفين.

يلاحظ المراقبون أن شرودر استغل التوقيت المناسب لانتقاد بوش. ليس فقط على ملصقات الدعاية بل رفع الاشتراكيون في حملتهم الانتخابية شعار: الحزب الاشتراكي الديمقراطي يعمل من أجل السلام. وسرعان ما تعرض شرودر إلى ما يخشى القادة الأوروبيون قوله خشية إثارة غضب الولايات المتحدة لكن هذا آخر ما يفكر به شرودر الذي اجتمع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرات لا تعد خلال السنوات السبع الماضية بينما كانت لقاءاته مع بوش نادرة كانت تفرضها لقاءات مهمة مثل مؤتمرات حلف شمال الأطلسي ومجموعة الدول الثماني. عوضا أنها كانت تتم في أجواء يسودها الفتور الذي كشف أن شرودر وبوش لن يتحابا يوما. كان شرودر يعانق بوتين بحرارة ويحضر زوجته معه وحين كان يودع بوش كان يدير ظهره وكأن هما سقط عن كاهله. في قرارة نفسه يرى شرودر أنه كان محقا في تحذيره من غزو العراق ويرى في العنف المتواصل في هذا البلد وسقوط أكثر من 1800 من الأميركيين وعشرات الآلاف من العراقيين تأكيدا لما قاله في الحملة الانتخابية العام .2002 اليوم، ينظر شرودر بقلق شديد حيال موقف بوش من الخلاف النووي مع إيران ويرى المراقبون أن هذا التصعيد يلائم حملة شرودر الانتخابية ليظهر فيها داعية سلام مثلما فعل خلال أزمة العراق. هذا ما عبر عنه المستشار الألماني في مهرجان انتخابي بمدينة هانوفر يوم السبت الماضي حين نادى أمام الجماهير موجها كلامه إلى بوش: اسحب الخيارات العسكرية عن الطاولة فقد حصلنا على الدليل بأنها ليست نافعة. كان شرودر يشير هنا إلى مقابلة أجراها التلفزيون الإسرائيلي مع بوش الذي قال خلالها إنه لا يستبعد الخيار العسكري ضد إيران إذا ظلت مصرة على موقفها بالمضي في برنامجها النووي. أضاف شرودر محذرا إيران أيضا: ليس في مصلحة أحد حصول القيادة الإيرانية أسلحة نووية، لكن ينبغي حل النزاعات السياسية بالطرق السلمية. أنه الكلام نفسه الذي قاله شرودر حين كان يحذر بوش من عمل عسكري ضد العراق. ذكر شرودر الذين كانوا يستمعون إليه بلاءه لحرب العراق وقال إن هدف حكومته العمل في خدمة السلام كما أنها مهتمة بحلول سلمية للنزاعات القائمة في أنحاء العالم واتهم منافسيه في الاتحاد المسيحي بالتحايل على الناخبين وقال إنه لا يقولون الحقيقة بشأن عدم إرسال جنود ألمان إلى العراق.

هكذا زج شرودر بالرئيس الأميركي في الحملة الانتخابية التي تسبق موعد الانتخابات المبكرة في 18 من سبتمبر / أيلول المقبل. في الماضي كان المستشار الألماني يزور واشنطن قبل الانتخابات ليحصل على دعم من الرئيس الأميركي لكن تغيرت الأمور في عهد بوش لأن صورة مع الأخير تؤثر سلبا على شعبية المستشار. كما تجنبت منافسته أنجيلا ميركل السفر بنفسها إلى واشنطن وأرسلت من ينوب عنها وادعت أنها لم تتمكن من السفر إلى واشنطن لعدم توافر الوقت.

الغيوم الملبدة تحوم من جديد في سماء العلاقات الألمانية الأميركية. كانت طلائعها قد ظهرت في الأفق في مايو / أيار العام 2002 خلال زيارة قام بها بوش إلى ألمانيا إذ قام 10 آلاف شرطي ألماني وأميركي بحمايته من غضب آلاف المتظاهرين. كان أول استقبال غاضب ضد رئيس أميركي في ألمانيا. حاول بوش تلطيف جو الزيارة بشكره ألمانيا على موقفها تجاه هجوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 لكن غضب الألمان كان بسبب سياسة الحروب الوقائية التي كان قد بدأها في أفغانستان وكان يعد للثانية في العراق. بعد هجوم 11 سبتمبر 2001 راح بوش يركز تهديداته ضد نظام صدام حسين مناديا بأن العراق يشكل تهديدا لأمن العالم الحر وقال أمام البرلمان الألماني: أعرف أن بعض الناس لا يرون هذا الخطر لكنني أقول أنه خطر حقيقي ويستهدف كل شخص يحب الحرية. تهديد بوش للعراق جاء مناسبا لحملة شرودر الانتخابية وجعلها ورقته الرئيسية مؤكدا أنه إذا بقي في منصبه لن يزج بجنود ألمان في مغامرة عسكرية ستجلب الدمار للعراق والشرق الأوسط وستضعف الاقتصاد العالمي. بعد وقت شبهت وزيرة العدل الألمانية هيرتا دويبلر جمالين بوش بهتلر ما أسفر عن خسارتها منصبها. المعركة الكلامية بين واشنطن وبرلين استمرت من خلال تصريحات وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد الذي وضع ألمانيا على وتيرة واحدة مع كوبا التي تعاديها واشنطن ولم يوفر الأميركيون توجيه شتائم لفرنسا أيضا وقال رامسفيلد عبارته الشهيرة: حين يفكر البعض بأوروبا فإنهم يفكرون بألمانيا وفرنسا، أنا لا أفكر بهذين البلدين، أنهما رمز لأوروبا القديمة، أنا أفكر بأوروبا الجديدة. كان رامسفيلد يعني الدول الأوروبية التي أعلنت عن استعدادها لمساندة الولايات المتحدة في غزو العراق. أدى تصريح رامسفيلد حينها إلى الكشف عن وجود خلاف حاد بين شركاء الحلف الأطلسي وباءت جميع الجهود التي بذلت لرأب الصدع بالفشل. لم تتراجع الحكومة الألمانية عن موقفها المعارض لغزو العراق وأعلن شرودر رفضه دعم حرب الولايات المتحدة ضد نظام صدام حسين. في الوقت نفسه صرحت منافسته على المستشارية اليوم أن شرودر ارتكب خطأ وحملته مسئولية توتر العلاقات مع الأخ الأكبر كما قالت بصريح العبارة أن حرب العراق لم يكن بالوسع تجنب وقوعها.

بالنسبة إلى كثير من المحللين هنا لو فاز الاتحاد المسيحي بالانتخابات العامة في سبتمبر 2002 لكانت حكومة المحافظين زجت بجنود ألمان في مغامرة العراق. تأتي تحذيرات شرودر من حرب ضد إيران لتعبر عن مخاوف الاقتصاد الألماني والمستهلكين في هذا البلد من عواقب مثل هذا العمل. إيران ليست العراق، يجمع المعلقون على أن إيران سترد الصاع صاعين إذا تعرضت لهجوم من قبل الولايات المتحدة أو "إسرائيل". سترد بصواريخ شهاب على "إسرائيل" وعلى مواقع القوات الأميركية في العراق وسيحمل شيعة العراق السلاح ضد جنود الاحتلال. الاقتصاد العالمي سيتعرض لهزة بركانية بارتفاع سعر برميل النفط إلى مئة دولار ولن تصبح الدول الفقيرة قادرة على استيراد النفط.

غالبية الناخبين الألمان يعتبرون حرب العراق من أبرز أسباب زيادة سعر الوقود الذي بلغ 1,30 يورو للتر الواحد"سوبر" وهذا أعلى حد في تاريخ ألمانيا. كان بوش يأمل بخسارة شرودر الانتخابات العام 2002 لكن هذا لم يحصل. كان شرودر أيضا يأمل بخسارة بوش انتخابات الرئاسة أمام منافسه جون كيري المتزوج من سيدة من اصل ألماني وهذا أيضا لم يحدث. اليوم لا تخفي الإدارة الأميركية رغبتها بأن تفوز أنجيلا ميركل وتسقط حكومة شرودر وخصوصا أن المحللين هنا يشيرون إلى أن بوش اسقط شرودر من حساباته ويعول على مرشحة المحافظين ميركل التي تعهدت بإصلاح العطب الذي طرأ على العلاقات الألمانية الأميركية.

بعد فوزه بولاية ثانية في البيت الأبيض حاول بوش "جونيور" تلطيف الأجواء مع خصومه السياسيين في أوروبا خصوصا وكلف وزيرة الخارجية بمهمة إصلاح الأمور مع البلدان الأوروبية التي عارضت حرب العراق. وهناك مسألة مازالت معرض خلاف شديد بين واشنطن وبرلين تتعلق بالمناخ العالمي. مازال الألمان ينظرون بغضب لأن الولايات المتحدة ترفض التوقيع على اتفاق كيوتو الداعية لخفض نسبة الغاز المنبعث لحماية قشرة الكرة الأرضية. انتقمت إدارة بوش من حكومة شرودر بوضع العراقيل أمام رغبتها في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي في حال جرى إصلاح مؤسسات الأمم المتحدة. في يونيو / حزيران الماضي زار شرودر واشنطن ولم يحصل المحللون على انطباع أن الخلافات زالت ولم يقل شرودر إن بوش تمنى له النجاح في مسعاه للفوز بولاية ثالثة وقال المستشار الألماني: لقد تمنى الرئيس الأميركي التوفيق لي في حياتي

العدد 1078 - الخميس 18 أغسطس 2005م الموافق 13 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً