العدد 1079 - الجمعة 19 أغسطس 2005م الموافق 14 رجب 1426هـ

المشهد الفلسطيني

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في المشهد الفلسطيني ذكرى وحدث: أما الذكرى فهي مناسبة مرور 36 سنة على حريق المسجد الأقصى من قبل الصهاينة الذين يخططون لبناء الهيكل على أنقاضه، أو لشراكة اليهود فيه من خلال إيجاد بعض الظروف الملائمة لذلك، وعلى هامش ذلك الحريق تأسست "منظمة المؤتمر الإسلامي" التي تضم دول المسلمين التي تداعت حينها لنصرة المسجد، ولكنها لم تقم بأي ضغط من أي جانب على الدولة الصهيونية وعلى السياسة الأميركية لتأكيد موقع المسجد كقاعدة إسلامية ترتبط بالمسلمين جميعا من جميع النواحي، بل إن التطورات السياسية جعلت بعض هذه الدول تصالح العدو وتعترف به واقعيا، مما يوحي بأن الضعف السياسي بدأ يسقط كل مواقفها القوية الضاغطة لخضوعها للضغط الأميركي على أنظمتها لحساب "إسرائيل".

والى جانب هذه المنظمة تأسست "لجنة القدس" التي أريد لها حماية القدس من التهويد والإلحاق بالدولة العبرية، ولكنها ولدت ميتة من خلال خطة التهويد التي تعمل لابتلاع القدس كلها، وتهدد المسجد الأقصى بالاجتياحات اليهودية بين وقت وآخر، من دون أن تتحرك هذه اللجنة حتى على المستوى الإعلامي!

إن المشكلة هي سقوط العنوان الإسلامي للقضية الفلسطينية على مستوى دول المسلمين التي بدأت تلهث وراء الوعود الأميركية الإسرائيلية، التي تعمل لتجويف القضية من الداخل وتصادر كل حركة الشعوب في احتجاجاتها على العدو بالعنف القادم من قوانين الطوارئ وأجهزة المخابرات، التي أريد لها أن تتحرك لقمع الشعوب ومصادرة حرياتها، لا لمواجهة العدو في أخطاره الاحتلالية السياسية.

أما الحدث، فهو انسحاب العدو من غزة الذي هلل لـه الغرب واعتبره تضحية كبرى من "إسرائيل"، تماما كما لو كانت الأرض الفلسطينية أرضا يهودية تصدق بها شارون على الشعب الفلسطيني، لا أرضا مغتصبة ضد القانون الدولي احتلها اليهود بدعم من الغرب الأميركي والأوروبي، حتى أننا نتابع تصريحات المسئولين هناك فلا نرى إلا التباكي على المستوطنين الذين اغتصبوا أرض فلسطين، في مفردات الإعلام الذي يحاول أن يحول المجرم الى ضحية، بينما ينسى كل دماء ومآسي الضحية من ممارسات المجرم المتمثل بـ "إسرائيل" ومعها كل الدول التي ساعدتها في جريمتها.

إن هذا الانسحاب يمثل توسعة للسجن الذي أحاط بغزة، لأن "إسرائيل" تضرب طوقا على المعابر والمطار والمرفأ وعلى ما يحيط بغزة، مما يمنع الشعب الفلسطيني من أن يمارس حريته في الحركة إلا بالمستوى الذي يمارسها السجين في داخل السجن، ولا سيما أن شارون يبشر العالم بأنه سيقوم بتوسيع الاستيطان في الضفة، ويكمل الجدار العنصري الذي يخنق الأرض الفلسطينية وشعبها، ويرفض الانسحاب من الكتل الاستيطانية الكبرى، ويمنع عودة اللاجئين وعودة القدس الى أهلها، الأمر الذي يعني بأن مشروع خريطة الطريق تحول الى جثة سياسية تبحث اللجنة الرباعية الدولية كيف تهيئ الظروف لدفنها، لأن الشروط الإسرائيلية التي وقاع عليها الرئيس بوش لا تسمح بدولة فلسطينية قابلة للحياة، لأنها مجرد كيان مقطع الأوصال لا يسمح للفلسطينيين بالتواصل والتكامل.

إن مشروع شارون هو مصادرة الشعب الفلسطيني وقتله اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، بالتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية، وباستغلال الضعف العربي الخاضع للضغوط الأميركية، لفرض الأمر الواقع والاستفادة من الأنظمة البوليسية التي تقمع شعوبها لمصلحة الصلح مع العدو سرا وعلانية.

إننا نؤكد أن الانسحاب من غزة لم يحصل إلا تحت ضغط المقاومة - الانتفاضة ووحدة الشعب الفلسطيني، ولذلك فإننا ندعو الجميع الى التخطيط للمستقبل لتركيز وحدة الموقف، وتحريك الانتفاضة نحو ساحة الضفة الغربية وفي عنوانها القدس، لتوسيع المأزق للعدو ومحاصرة أمنه، لأن من الصعب جدا أن ينسحب العدو بالسياسة التقليدية، لاسيما أن احتلاله للضفة الغربية والقدس يمثل جذر العقيدة اليهودية الصهيونية التوراتية، الأمر الذي يدخل في تكوين الوجدان اليهودي من جهة وذهنية المحافظين الجدد من جهة أخرى.

إن المطلوب هو الوحدة في التنوع، التي يتوزع فيها الجميع الأدوار في تنسيق بين السلطة والفصائل إذا كان القائمون على السلطة جادين في البقاء على الاستراتيجية في الدولة الفلسطينية التي تضم الى جانب غزة الضفة والقدس كعاصمة لفلسطين، ليتكامل الجميع في الوصول الى الهدف الأقصى في حماية المسجد الأقصى الذي هو رمز فلسطين كلها. أما العراق فقد أريد لـه أن يكون مشهدا دمويا مستمرا أمام المنطقة كلها، ليهدر دمه في كل الاتجاهات، ولتنتهك فيه الحرمات، وتستباح فيه الأنفس لحساب الاحتلال من جهة الذي صادر العراق في احتلاله الشامل، ويسرق من خلال شركاته وعملائه ومسئوليه ثروته بأكثر من مشروع وهمي ولعبة اقتصادية، هذا بالإضافة الى الجماعات التكفيرية التي تدمن قتل المدنيين من المسلمين، ولا تفرق بين شيخ وعجوز وطفل وموقع مدني وآخر غير مدني، حتى أضحى العراق موطن المجازر اليومية المتنقلة، ولن تكون مجزرة بغداد الأخيرة هي آخر المطاف، لأن الذين يمتصون دماء الأبرياء لايزالون في حالة ظمأ حاقد محرق لهذا الشراب. لقد ذكرت إحدى الصحف البريطانية أن مشرحة بغداد استقبلت خلال شهر يوليو/ تموز الماضي 1100 جثة، كما أن المستشفيات استقبلت آلاف الجرحى، وهو الرقم الذي يتكرر تقريبا كل شهر، وليس هناك في العالم من يصرخ بوجه الاحتلال ليقول لـه: إنك المسئول عن كل أنهار الدماء هذه.

إننا في الوقت الذي يستعد فيه العراقيون لكتابة الدستور، نريد لهم أن يبقى هذا البلد الإسلامي إسلاميا في دستوره وعنوانه، لأن ذلك هو الذي يصل حاضر العراق بماضيه كقاعدة تاريخية للعالم الإسلامي كله، وكمنطلق لمستقبل الإسلام... كما نريده منفتحا على وحدته التاريخية التي إذا أريد لها أن تمنح بعض التوازن في ممارسة كل منطقة لأوضاعها وحقوقها، فإن عليها أن تأخذ باللامركزية الإدارية مع بعض التوسعة في هذا المشروع، لأننا نخشى أن الفيدرالية التي يتحدث بعض الداعين إليها عن تقرير المصير بالانفصال المستقبلي أن تمزق العراق الى دويلات عرقية وطائفية لا تملك أية قوة لأي موقع من مواقعها.

* بعض ما جاء بخطبة الجمعة في بيروت

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1079 - الجمعة 19 أغسطس 2005م الموافق 14 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً