العدد 1086 - الجمعة 26 أغسطس 2005م الموافق 21 رجب 1426هـ

أصيلة... عندما يمزج الدماغ الذهبي نكهة الثقافة برائحة الخبز

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

تلقيت دعوة من وزير خارجية المغرب محمد بن عيسى إلى زيارة المغرب للمشاركة في موسم أصيلة الثقافي السابع والعشرين وتحديدا في الندوة الفكرية المزمع عقدها بعنوان: "الإسلام من منظورنا ومنظور الآخر". التي تعقد عادة في المركز الثقافي الذي بني على نفقة سلطان عمان السلطان قابوس وهو مركز يجمع بين نكهة أصالة أصيلة ورائحة الثقافة المتنوعة المنبعثة من اللوحات المنتصبة في كل أروقة المركز.

أعددت الورقة التي سألقيها ثم حزمت أمتعتي للسفر وسافرت حتى وصلت إلى أصيلة وهي أشبه بماسة ملقاة على ساحل الأطلسي، وتبعد 40 كيلومترا جنوب طنجة.

وتجولت في هذه القرية الجميلة الموشاة بالرسومات والألوان الزاهية... على أبوابها تستقر قلعة بقيت تذكر أهلها بالتاريخ العريق لمقاومة الأسبان والبرتغاليين وأنا أتصفح القرية شعرت بأهمية الثقافة وكيف باستطاعة المثقف أن يمارس دورا تنمويا يتلمسه أبناء قريته من دون الحاجة إلى النفخ في عقد البرانويا أو جلد الذات.

قصة قرية أصيلة باختصار هي أشبه بالخيال وكأنك جالس تقرأ قصصا عالمية لشارلز أو ليوتولستوي. خيال مع واقع فلا تدري أي فصل تصدق من فصول هذه القصص.

قرية فقيرة، أنجبت ابنا... ترعرع هذا الابن بين أزقتها وكبر الابن وعاش حياة عصامية وانفتح على ثقافات متنوعة "هاجر إلى مصر مطلع الخمسينات طلبا للعلم، وكان المغرب قي قبضة الاستعمار الفرنسي والاسباني. تغرب وعانى. كان يعود إلى المغرب فيجمع بعض المال من العمل في إذاعة "طنجة"، ثم يرجع ليواصل دراسته. وبعد ذلك سافر إلى الولايات المتحدة الأميركية لمزيد من العلم. وحال تخرجه التحق بالعمل في منظمة الأمم المتحدة، إذ صعد السلم الوظيفي قفزا، وأصبح مديرا في منظمة الغذاء والزراعة وهو في أوائل الثلاثينات من عمره. وعمل مدة في إفريقيا وكون صلات واسعة مع زعمائها ومفكريها وتعمقت اهتماماته بأحوال الشعوب السوداء، الأمر الذي ترك أثرا عظيما في نفسه وظهرت نتائجه في عمله الثقافي في أصيلة". "الطيب صالح كتاب في رحاب الجنادرية وأصيلة".

رجع هذا الابن إلى أصيلة وبدأ مشوار عطائه للمغرب ولقريته الصغيرة أصيلة. هذا الابن هو وزير خارجية المغرب محمد بن عيسى. هو باختصار مواطن عربي مثقف أسس مشروعا ثقافيا في قريته، ليس في مكان عاجي وانما مزج المثقفين مع الناس البسطاء... لون قريته وجدارياتها بالألوان الجميلة ومنذ 27 عاما وهو يشرف مع مؤسسة أصيلة بطاقمها الكبير على مواصلة سلسلة التظاهرات الثقافية في هذه القرية، من إقامة المهرجان الثقافي إلى الندوات الفكرية، إلى الرسومات إلى كل أفرع الفن حتى تحولت القرية إلى مزار ثقافي يحج إليه غالبية مفكري العالم وتحولت هذه القرية الصغيرة إلى مزار سياحي ضخم يحضره العرب والأجانب ما انعكس على وضع القرية الاقتصادي فأصبحت العوائل تؤجر بعض بيوتها فترة الموسم والبعض يرسم رسومات لبيعها وهناك من أهل القرية من توسعوا في فتح المقاهي والمطاعم كما انشأ الموسم فرص عمل لشباب القرية. عندما تلتقي الثقافة بالتنمية تصنع المعجزات. رحت في تجوالي إلى بعض المكتبات وجلست في بعض المقاهي والمطاعم ويأخذني فضولي أحيانا لأسأل بعض شباب قرية أصيلة عن المهرجان وقيمته وشعرت بالفرح وأنا أسمع تلقائية أجوبتهم، فأحدهم قال: "هذا الرجل حببنه في الثقافة...، الثقافة التي توفر خبزا للناس"، وأخذ يشير وهو يلوح بيده... "شوف هالعالم كلها بتزحف نحو أصيلة... شوف هالمطاعم والمقاهي... هاي كلها أرزاق تعيش عليها آلاف العوائل... طبيعي بنحبه وما بننساه". كان من المدعوين هذا العام إلى المشاركة في الندوة رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد لكنه لم يوفق للمجيء.

كانت ندوة أصيلة الفكرية موفقة وفيها مداخلات جميلة وبعض الأوراق دخلت في الحساسيات فأعطتها نكهة المصارحة وتكلمت هناك عن إشكالات العمل الإسلامي وكيف نعيد نمط الخطاب وكان من المتداخلين الرئيسيين في الندوات الثلاث الوزير محمد بن عيسى ووزير خارجية مصر سابقا أحمد ماهر ووزير التربية الوطنية سابقا الكاتب الكويتي أحمد الربعي، ووزير الثقافة سابقا اللبناني غسان سلامة ومدير عام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم الثقافية "الايسيسكو" عبدالعزيز بن عثمان التويجري والمفكر المصري إبراهيم لعويس وهو استاذ في جامعة جورج تاون الأميركية وكان ممن تتلمذ على يده الرئيس الأميركي السابق بيل كلنتون.

كانت الجلسات حارة وذات أبعاد سأذكرها لاحقا في المقالات المقبلة

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 1086 - الجمعة 26 أغسطس 2005م الموافق 21 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً