العدد 2421 - الأربعاء 22 أبريل 2009م الموافق 26 ربيع الثاني 1430هـ

نادر كاظم: تكريم الفكر بالاشتباك النقدي لا يحتاج لمناسبات

خلال تكريم الشيخة مي للباحث باقر النجار

أقامت وزارة الثقافة والإعلام حفلا تكريميا احتفاء بالباحث في علم الاجتماع الأكاديمي باقر النجار بمناسبة فوز كتابه «الديمقراطية العصية في الخليج العربي» بجائزة الشيخ زايد للكتاب لهذا العام، وبهذه المناسبة قدمت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة للنجار هدية تذكارية في الصالة الثقافية وألقى الناقد الثقافي نادر كاظم كلمة أشاد فيها بجهد النجار الفكري وحفره الاجتماعي على مدى كتاباته المختلفة، وأكد على استحقاق النجار لهذه الجائزة، وأن التكريم الحقيقي له بالاشتباك النقدي مع ما طرحه في كتابه، وقد حضر حفل التكريم عدد من أعضاء الهيئات الأكاديمية بالجامعات البحرينية وعدد من الكتاب والمثقفين والمهتمين بالشأن الفكري والثقافي.

وقد أعربت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة عن فخر واعتزاز البحرين بفوز النجار، وأضافت إن مصدر فخرها أنه أول كاتب بحريني يفوز بإحدى جوائز هذه المسابقة التي تشمل أكثر من فرع.

من جانبه عبرّ النجار عن شكره وامتنانه لتكريمه من قبل الوزيرة، مشيرا إلى أن تكريمه يعكس اهتمام الشيخة مي بإبراز المثقفين على الساحة البحرينية.

وأضاف أنه يعتبر ما حققه من إنجاز هو تكريم لكل المجتمع البحريني، منوها إلى أن المجتمع البحريني رغم صغر مساحته الجغرافية والسكانية إلا أنه معروف باهتمامه بالجانب الثقافي.

فيما أعرب الناقد الثقافي نادر كاظم عن شكره للشيخة مي بنت محمد لتكريمها للنجار وأضاف وبهذا تكون وزارة الثقافة والإعلام أولى الجهات الرسمية التي تبادر لمثل هذا التكريم. وأجدّد التهنئة للنجار ولنا كمثقفين بحرينيين على هذا الفوز الذي نعتبره فوزا لنا جميعا.

وشدد كاظم على أن تكريم الفكر وأصحابه لا ينبغي أن يرتبط بذريعة ما، فالتكريم الذرائعي المناسباتي عادة ما يكون مفاجئا، الأمر الذي يدعو للغرابة والتعجب، وأكد على أن النجار يستحق التكريم سواء فاز بالجائزة أو لم يفز، وكتابه «الديموقراطية العصية» كتاب مهم ورصين قبل الجائزة وبعدها، وبخلاف القيمة المادية والرمزية للجائزة فإن الكتاب هو هو لم تضف الجائزة إليه حرفا واحدا. وتابع وأنا إذ أشدد على استحقاق الكتاب للتكريم الاحتفالي، فإنه لا يفوتني أن أشير إلى أن أجدى تكريم للكتاب هو قراءته والاشتباك النقدي معه والجدل حوله، وهذا تكريم يسيرٌ أمره ويمكن لأية جهة رسمية أو أهلية أن تبادر إليه بعمل منتدى مصغر أو موسّع لتناول الكتاب وأفكاره.

وأضاف كاظم سألني أكثر من صديق: هل درّسك النجار؟ طبعا أنا أغبط من درس على يده، بالنسبة لي كان حظي سيئا، فأنا لم أحظ بشرف الدراسة على يد النجار، طبعا قرأت كتبه وتتلمذت عليها، لكني، وللأسف الشديد، لم أكن قريبا من النجار طوال فترة الدراسة في جامعة البحرين. والزمن وحده من سيحكم ما إذا كان هذا لصالحي أم لا. أذكر أن إدوارد سعيد سئل مرة عما إذا كان له أستاذ عظيم؟ في البداية كان يقول: يا للخسارة، ولكن بعد سنوات أدرك أنه لو كان لديه أستاذ عظيم فعلا لكان أمضى وقتا طويلا في التخلّص من وطأته الضخمة. فهل من مصلحة المرء ومن حظه السعيد ألا يكون لديه أساتذة عظماء، لأن أمثال هؤلاء يفرضون على المرء، وبصورة غير واعية، أن يتحول إلى تابع لهم ومريد. ولهذا أقول: ألف مبروك لمن لم يدرس على يد النجار، وحظا موفقا لمن درس على يديه!

ورأى كاظم أنه من الضروري أن نضع الكتاب في سياقه الطبيعي ضمن ذلك التراث الضخم من الأطروحات التي بدأت مع رواد النهضة والتنوير في الماضي العربي القريب قبل قرن ونصف أو يزيد، عندما بدأت النخبة المتنورة تطرح على نفسها هذا السؤال المؤرق: لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا؟ هناك أطروحات كثيرة ومتنوعة فيما يتعلق بالإجابة عن هذا السؤال، هناك من ذهب إلى أن أسباب تخلفنا تكمن في الجهل والأمية والإيمان الغيبي والتفكير الخرافي اللاعقلاني واللامادي وتغييب العقل واغتياله ووو، وهناك من اقترب أكثر من حقيقة المشكل وعلّق الأسباب على داء الاستبداد والسلطة المطلقة المفسدة لكل شيء. وهناك التفسيرات الأيديولوجية المتداولة الإسلاموية والقومية التي علّقت أسباب تخلفنا على بعدنا عن الدين أو على فشلنا في إقامة المشروع القومي الموحد.

وأضاف كاظم في العقدين الماضيين بدأنا نقرأ عن الدولة وفكرة الدولة وبناء الدولة وتوزيع السلطات فيها، وبدأنا نسمع حديثا متصاعدا يذهب إلى أن أسباب فشلنا ترجع إلى غياب الدولة أو غياب فكرة الدولة في الذهنية العربية. فهل غياب الدولة أو فكرتها هو المشكلة؟ الثابت أننا نعيش في ظل دول ومؤسسات وقوانين ودساتير، هذا يعني أن المعضلة لا تكمن في غياب الدولة بل في غياب الديموقراطية عن الدولة، هذا الغياب هو الذي سهّل ابتلاع الدولة من قبل موقع سياسي متحكم في كل شيء. ومنذ ذلك الحين أصبح غياب الديموقراطية هو الشغل الشاغل للفكر العربي، وفي هذه القضية أيضا ظهرت لنا «تفلسات» عربية وغربية جوفاء كثيرة، تناول بعضها النجار بالنقد والتفنيد.

وتساءل كاظم عبر قراءته لجهد النجار هل نحن مجتمعات عصية على الديموقراطية؟ أم أن الأنظمة عصية على الديموقراطية؟ وهل يرجع هذا الاستعصاء لمكونات دينية أو اجتماعية أو ثقافية ملازمة لطبيعة المجتمع العربي أو الخليجي؟ لا يقلل النجار من أهمية هذه المكونات، إلا أنه لا يؤمن بطابعها الجوهراني الذي يستعصي على التغيير.

وأكد كاظم بأنه في العام 1988 كتب النجار عن «العمل الاجتماعي التطوعي في الخليج العربي»، وبعد عقدين كاملين أي في العام 2008 يعود ليكتب عن المجتمع المدني في الخليج العربي، وهو في هذا الكتاب يبلور تصورا متقدما لطبيعة هذا المجتمع ومكوناته وعلاقته بالدولة، وكأنه بهذا النوع من الاستمرارية في طرح قضية المجتمع المدني يريد أن يقول إن أسباب غياب الديموقراطية ترجع إلى غياب القوى والمواقع السياسية والمدنية التي تحُول دون احتكار كامل القوة وتركزها لدى موقع سياسي واحد ووحيد داخل الدولة. يتناول النجار المجتمع المدني بوصفه أحد محددات السلطة ومقيداتها داخل الدولة. وفي حال نما هذا المجتمع وقوي حضوره فإن الديموقراطية لن تكون عصيّة في الخليج العربي.

وتابع كاظم لا أريد أن أختتم الحديث في هذه القضية دون أن أشير إلى أن ما تحتاجه مجتمعاتنا ودولنا اليوم لاكتشاف مكمن الخلل الذي يديم التعثر ليس أن نبحث عن وجود هذا العنصر أو غيابه، لأنه سبق أن قيل لنا إن الأمية هي السبب فانتشرت المدارس وتضاعف أعداد المتعلمين، وبقيت المعضلة تراوح مكانها. وقيل لنا إن الاستعمار هو المشكلة، فانتهى عصر الاستعمار وإذا بنا أمام دولة الأمن القومي البوليسية، وقيل لنا إن المشكلة في غياب القوانين، فأصيبت دولنا بهوس تقنين كل شيء، وبقيت المعضلة تراوح مكانها. وقيل لنا إن المشكلة تكمن في غياب البرلمانات وانعدام الانتخابات، فاجتاحت مجتمعاتِنا حمّى الانتخابات وصار في كل دولة من دولنا برلمان أو برلمانيين، ومع ذلك بقيت المعضلة تراوح مكانها. ما نحتاجه اليوم هو أن نركّز اهتمامنا على هذه الطاقة الهائلة التي نمتلكها وعلى قدرتنا الفائقة على تخريب كل منجز حضاري عظيم ونافع، وعلى تفريغه من مضمونه الحقيقي.

وأكد على أنه تبقى كلمة لا بد أن تقال في حق النجار، فهو أولا أكاديمي بلغ أعلى مرتبة في الترقي الأكاديمي، إلا أن هذا لم يحل دون انخراطه في المشهد الحيوي العام خارج أسوار الجامعة، فهو على خلاف أكاديميين كثر، لم يعتزل قضايا الشأن العام ولم يعتكف في برجه الأكاديمي العاجي ليتناول قضاياه التخصصية الدقيقة وبلغة اصطلاحية غريبة وغامضة، أو حتى ليتناول قضايا الناس والمجتمع والدولة والديموقراطية ببرودة أعصاب الأساتذة التي تنم عن لا مبالاة تجاه هذه القضايا أو انعدام الإحساس والشعور بها، فالنجار، والحمد لله، ليس عديم إحساس ولا هو بارد المشاعر.

ثانيا، يمتاز جهد النجار بالعلمية، فهو يتناول قضايا السياسية بطريقة الباحث الرصين، ولهذا لا يمكن تصنيفه سياسيا فلا هو في خانة الموالاة ولا هو في خانة المعارضة. ثالثا، هو واحد من مفكري المجتمع المدني بامتياز، فهو منذ أول كتاب له حتى آخر مؤلفاته يراهن على قدرة هذا المجتمع المدني على إصلاح أوضاعنا السياسية والاجتماعية المتعثرة.

رابعا، يمتاز النجار بأنه لم ينخرط في الصراعات الصغيرة التي ضيّعت ومازالت تضيّع جهود كثير من الأكاديميين والمثقفين.

العدد 2421 - الأربعاء 22 أبريل 2009م الموافق 26 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً