العدد 1092 - الخميس 01 سبتمبر 2005م الموافق 27 رجب 1426هـ

قليل من التسييس... كثير من الإنسانية والمهنية

السادة رؤساء تحرير الصحف البحرينية... خيار مسابقة لا ملاحقة

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

"تسرد الصحف الأميركية، كبيرة أم صغيرة، فصول الحوادث اليومية لحياة بلدنا. فلو جمعناها، لوجدنا أن صحف مجتمعنا لا تروي قصة الحرية الأميركية فحسب، بل هي تلك القصة بذاتها".

كولن باول. وزير الخارجية الأميركي السابق.

ينتظر الحقل الصحافي البحريني مرحلة تاريخية وحاسمة خلال الشهرين المقبلين، ولا شك في أن الحقل الصحافي البحريني من صحافيين وفنيين ومخرجين ومسوقي إعلانات يعيشون هذه الفترة المقلقة ويدركون مفصليتها. مشاهد هذه التوترات متباينة، وهي تمتد من الاستقالات والانتقالات الهادئة لبعض الكوادر الإعلامية، وصولا إلى الإغراءات المبالغ بها أحيانا، والتي يصفها البعض بالاستغلالية، بينما يرى آخرون أنها حق مشروع أمام ندرة الصحافيين المميزين.

إلا أن هاجس تحديد الاتجاهات السياسية والإعلامية للصحف المقبلة يسيطر على الجميع، سواء داخل الجسم الصحافي البحريني ممثلا بالصحف اليومية الصادرة، أو حتى بالنسبة إلى بعض القراء والمهتمين بالشأن الإعلامي، فعن أية صورة للصحافة البحرينية تأتي لنا الأيام المقبلة، لا ندري!.

يرى الكثيرون أن البحرين لا تتسع لست صحف يومية، وأن واحدة من الصحف الست ستغادر ساحة الصراع بعد شهرين أو ثلاثة، إلا أن الاحصاءات الديمغرافية ونسب التوزيع الاعتيادية تذهب إلى ما يخالف هذا الرأي، فالبحرين قادرة على استيعاب هذا العدد، وحجم السوق الإعلانية قادر على تمويلها مجتمعة، خصوصا بالنسبة إلى الصحف التي تمتلك مطابعها الخاصة.

إما تسييس الصحافة وإما الرهان على المهنية!

نعم، من الصعب أن نحاول إرجاء الأجندات السياسية للصحف عن عناوينها الرئيسية وتحليلاتها الصحافية، ولا يمكننا الادعاء بأن ثمة صحافة "نقية" أو"مدنية" بالكامل، إلا أننا لا نشك في أن الفرصة مواتية لتعيش الصحف البحرينية فترة من رواج العمل الاحترافي خلال الفترة المقبلة.

يستطيع رؤساء الصحف البحرينية الست أن يعملوا وفق المنظومات الكلاسيكية للصحافة في الوطن العربي، عبر مخاطبة جمهور محدد يتفق مع توجهاتهم وآرائهم وتطلعاتهم أو حتى مذاهبهم، إلا أن هذه الخيارات تصف بأنها خيارات "فنية" لا "إدارية"، وقد تنجح في البداية عبر انتهاج مثل هذه التكتيكات الإعلامية، لكنك لا تستطيع الاستمرار في النجاح.

طبعا لا، لا يمكن للصحف البحرينية الست أن تدار عبر الحقل السياسي ورهاناته فقط، إن هذا الخيار كلف المجتمع الكثير، وعلى الصحافة البحرينية أن تتحمل مسئوليتها التاريخية، وعلى رؤساء التحرير التفكير بجدية في صوغ مرحلة جديدة للصحافة البحرينية ترتكز على مدنية الصحافة لا على تسميمها بالتوجهات السياسية المفضوحة والمفبركة.

"صحافة كارثية"، هذا توصيف الصحافة المقبلة إن كانت ستعمل على تحقيق المحاصصة الاجتماعية في الصحف، إن الخيار المهني فقط، هو القادر على إبقاء فرص الإنتاج والرواج للصحف أمرا قائما، وإن أية خيارات "متذاكية" على القراء هي خيارات ملها السقوط، أوالانزواء بعيدا عما تتشدق به أدبيات الصحافة كافة، وقس على ذلك ما تطلقه الصحف من أهداف وتطلعات.

نعم... الصحافة الاقتصادية مهمة

"الاقتصاد أولا"، تقول ديانا هنريكس "محررة الأنباء المالية في "نيويورك تايمز" "إن هذا الازدهار في صحافة الأخبار الاقتصادية لا يتعلق بنا فعلا بل يتعلق بعلاقتنا مع الذين نسعى إلى الوصول إليهم، أكنا نسميهم قراء، أو مشاهدين"، هذا ما يحيل أن الشق الاقتصادي هو إحدى أهم الخيارات الاستراتيجية للصحف البحرينية خلال الفترة المقبلة.

الصحافة الاقتصادية تسعى الى إنتاج المقالات الشفافة والعميقة الاطلاع، والتي تأتي بفرح الوصول إلى قمة منحنى الاقتصاد ومفاهيم الرأس مال الوطني، الصحافة المدنية في بعدها الاقتصادي تهتم بأن تعلم القارئ بمكانة دولته المالية تحديدا، لا ان تربكه في بيانات مالية معقدة ومصطلحات لم يسمع بها من قبل.

إن التوسع في أخبار الاقتصاد يتطلب إيجاد فريق من صحافيي الأخبار المالية يتمتعون بخبرة عميقة وواسعة. ولكن، الحقيقة أننا مازلنا نجد صعوبة كبرى في تأسيس صحافة اقتصادية مدنية. دلالات الضعف والتقصير تأتي في الملاحظات الآتية:

أولا: تعمد الصحافة البحرينية - كنموذج أجريت عليه بحثا خاصا يغطي الصحافة الاقتصادية - الى تكرار أخبارها الاقتصادية كل يوم بمعدل يصل احيانا الى 35 في المئة، بمعنى أن الصحافة البحرينية تفتقر الى الخبر الاقتصادي، وإلا فلماذا يكرر المحررون أخبارهم، وبالصياغة والصور نفسها.

ثانيا: يعبر الكثير من الافراد عن جهلهم بمحتوى الاخبار الاقتصادية، سواء في صعوبة المصطلحات الاقتصادية، أو شح المعلومات التوضيحية والرسوم البيانية الكفيلة بتوصيل المعلومة بشكل أسهل وأوضح.

ثالثا: مازالت القابلية على قراءة الملحقات والصفحات الاقتصادية ضعيفة.

رابعا: مازالت التحقيقات الاقتصادية التي يقوم بها بعض الصحافيين غير قادرة على البروز والتأثير في صناعة الرأي العام أو التأثير عليه.

خامسا: مؤسسات المال والاقتصاد مازالت بياناتها الإعلامية خاضعة لكثير من الضغوط السياسية أو الإدارية، وليست بالمستوى المطلوب من الصدقية.

سادسا: مؤسسات المال والمرافق التجارية والاقتصادية عاجزة عن التواصل من الشارع. بمعنى انها فعليا لم تخلق وعيا حقيقيا للشارع نحو أهميتها أو دورها التنموي.

نعم، نحتاج إلى "صحافة الإنسان"

نحن فعلا في حاجة ماسة إلى صحافة جديدة، صحافة تستطيع أن تنتج أدوات جديدة في صراع الإنسان مع نفسه، هذا الصراع الذي لا يهدأ ولا يتوقف. والصحافة هي مفهوم لا تبلوره فترة من الفترات، هي مفهوم مدنية الإنسان، تغيراته وتبدلاته، مفهوم الإنسان في الأمس كيف كان، واليوم كيف هو، وفي الغد كيف يكون ويتشكل.

وعلى رؤساء تحرير الصحف البحرينية الست أن يدركوا كيف لهذه الصحافة الإيجابية المراد إنتاجها "المجتمع المدني" أن تتشكل؟ وكيف لها أن تمارس أدوارها في المجتمع؟ يمكنني تحديد نشأة هذه الصحافة في ضوء المعطيات والشروط الآتية:

أولا: تصنف الصحافة تبعا للجهة التي قامت على تأسيسها. لدينا صحافة يصنعها المجتمع بصفته الاعتبارية، أو التي تصنعها مراكز السيطرة والاقتصاد، وهما في صراع مستمر، وهذا الصراع يلعب الدور الرئيسي في صوغ الحياة الإعلامية والسياسية لأي مجتمع. لذلك لابد أن تتخلص هذه الصحف من إشكالية قلق التأسيس، نحو تحقيق مهنيتها وأدوارها الرئيسية من دون تردد أو مبالغة في الانزياح.

ثانيا: الصحافة هي نتاج الأفراد المدنيين في أي تكتل مجتمعي، باشتراط ألا يكون تابعا لأي من السلطات الثلاث. والدول مازالت تصنع العراقيل أمام نشوء صحافة مجتمعية خالصة، السلطة التي تتحكم بجميع الموارد الاقتصادية في القطاعين الحكومي والخاص تفرض على حلفائها التاريخيين من طبقة رجال الأعمال - الذين في الغالب هم أصحاب المؤسسات الإعلامية - مجموعة من الأطر التي تضمن للسلطة الاستقرار والبقاء، في مقابل بقاء الامتيازات التي تهبها لهم. لذلك لابد من مراعاة "التوازن" في السياسات التحريرية، لابد من إيجاد منطقة وسطى تتصف بالقدرة على الإنتاج الحر والمهني، بعيدا عن سلطة المصالح والإغراءات.

ثالثا: لابد من ملاحظة أن الصحافة التي هي رهينة للدولة "السلطة التنفيذية" أو البرلمان "السلطة التشريعية" أو "السلطة القضائية" أو "مؤسسات المعارضة"، هي أي نوع من أنواع الصحافة إلا أن تكون صحافة مدنية في مجتمع مدني. قد تكون صحافة علاقات عامة أو إعلام أو ترويج أسماء ومشروعات سياسية، إلا أنها ليست سلطة في ذاتها. على الصحف أن تلتزم باحترام قرائها، وإن كانت مسألة الانفكاك عن "السياسية" عائق لا علاج له، فلابد على الأقل من تخفيفه لصالح بعض من المهنية والاحتراف في ممارسة العمل الصحافي.

رابعا: الصحافة لابد ألا تخدم فئة محددة من المجتمع كطائفة ما أو حزب أو تجمع، فهي بهذا صحافة فئة لا صحافة مجتمع مدني، خصوصا إذا أهملت الأفراد خارج المنظومة المكفولة، وإذا ما مارست تغولا تجاه المجتمع بصورة فاضحة، فهي صحافة رسمية كالصحافة التي تنشأها الدولة أو التي تخدم متنفذا ما في السلطة. إذ إنه يتوجب على الصحافة البحرينية في الفترة المقبلة الخروج من القوالب الكلاسيكية في العمل الإعلامي والسياسي والاقتصادي نحو توافق حديث مع متطلبات وحقائق القرن الجديد.

خامسا: الصحافة القادمة لابد أن تتحدث في تحليلاتها ضمن نتائج صحافة الاستقصاء، إذ لابد أن تكون تحليلات صحفنا السياسية والاجتماعية متوافقة مع بحوثها المسحية للرأي العام، أما تبنيها لموقف ما يخالف رأي الجمهور فهو انزياح عن صفة تمثيل المدنيين. فحين تأتي العناوين الأولى لما يخالف قناعات ورغبات المواطنين، فإنه وبلا شك يجب اعتبار صحافتهم خارجة عن مدنيتهم، فالصحافة المدنية في المجتمع المدني مطالبة بإرضاء تلك الرغبة المكبوتة والمصابة بالقهر في وعي ولا وعي المواطنين، بأن تكون ببساطة صوتهم، إذ يحسون بأن "لا صوت لهم".

وظائف الصحافة البحرينية في الفترة المقبلة

إذا اتفقنا على أن الوظيفة الرئيسة للصحافة هي خدمة الصالح العام، فإن الرابط الحقيقي بين مصلحة الصحيفة كمؤسسة والمصلحة العامة للمجتمع هو في الإجابة عن تساؤل مهم وتاريخي، وهو كيف تتم عملية الموازنة الفعلية بين الرؤيتين "مصلحة المؤسسة الصحافية" و"مصلحة المجتمع"، بين المحافظة على الصحيفة كمؤسسة في صورة رأس مال رمزي، وبين الوظيفة المجتمعية الأخلاقية لهذه المؤسسة ذاتها؟

عملية صناعة القرار في ظل هذا المأزق تخضع للكثير من القواعد، وهذه القواعد ليست إلا لوائح من "الممنوع والمرغوب"، هي محاولة لصوغ منطقة وسطى تحفظ البقاء السوي للحقل الصحافي في مأمن واستمرارية. إلا أن تضارب المصالح أمر وارد حد الشيوع المثير للقلق. بين قبول الهدايا، والرحلات الترفيهية، وبين الارتباط السياسي والنشاطات الاجتماعية. فيما يتم إسقاطه على موضوعات ومصادر الأخب

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1092 - الخميس 01 سبتمبر 2005م الموافق 27 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً