العدد 1110 - الإثنين 19 سبتمبر 2005م الموافق 15 شعبان 1426هـ

إيران... ليست كوريا

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

توصلت كوريا الشمالية إلى اتفاق مبدئي مع الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية بشأن ملفها النووي. الاتفاق ستتم مراجعته بعد شهرين ويرجح ان تنتهي المشكلة سلميا وتعود المياه إلى مجراها الطبيعي برعاية مباشرة من الصين. نص الاتفاق على تخلي كوريا الشمالية عن طموحاتها العسكرية مقابل السماح لها بانتاج الطاقة السلمية، اضافة الى مساعدات مالية وانفتاح تجاري واستثمارات. وبهذا بات الموضوع النووي الكوري في وضع نهائي. فالاتفاق مضمون النتائج ويتوقع ان تتوصل الاطراف المعنية الى صيغة تفاهمية تنهي المسألة من دون تصعيد عسكري. فالصين أخذت ضمانات مباشرة من الولايات المتحدة باستبعاد الحل العسكري مقابل السماح بالرقابة الدولية وعودة فرق التفتيش إلى كوريا الشمالية. هذا الأمر يعني ان الملف انتهى إلى تعادل سلبي في القوى. كوريا الشمالية أوقفت برنامجها العسكري النووي وكسبت في المقابل حق انتاج الطاقة السلمية بضمانة صينية ووعود بالمساعدات والانفتاح التجاري والاستثماري. والولايات المتحدة ضمنت مصالح الشركاء الاقليميين واوقفت تلك المخاطر المحتملة "المفتعلة" من امكانات نجاح كوريا الشمالية في تطوير قدرات عسكرية تقلق كوريا الجنوبية وتايوان واليابان. الاتفاق الأميركي - الكوري الشمالي اذا صح الاستنتاج لم ير النور لولا تدخل الصين. فالولايات المتحدة اضطرت الى مسايرة كوريا الشمالية خوفا من استفزاز بكين التي تعتبر الحليف الوحيد لبيونغ يانغ في شرق آسيا. فالمعركة كانت مع الصين من خلال النافذة الكورية الشمالية والاتفاق تم في بكين وبرعايتها وهي تعتبر بوابة كوريا الشمالية الوحيدة إلى العالم. ولولا الصين وضمانات بكين واحتمال تحول المواجهة مع كوريا الشمالية إلى معركة كسر عظم مع "الجبار الاصفر" لكانت المعركة دخلت في سباقات سياسية مختلفة ولما وجدت واشنطن نفسها مضطرة إلى قبول التفاوض وتقديم تنازلات. خاضت كوريا الشمالية معركتها السياسية - الدبلوماسية تحت سقف دولي وفر لها الحماية العسكرية والضمانات الاقليمية. وتحت ذاك السقف الصيني تحركت كوريا الشمالية وناورت لكسب معركة الوقت والضغط السياسي/ النفسي على حلفاء واشنطن في المنطقة لانتزاع بعض المطالب وتحقيق مكتسبات مقابل التراجع عن تطوير سلاح يهدد استقرار دول تعتبر مراكز قوى ومعابر نفوذ للمصالح الاميركية وسياستها في تلك الدائرة من العالم. كوريا الشمالية اذا كانت تدرك سلفا حدود المعركة وسقفها الدولي وخطوطها الحمر. وهي لم تغامر بوجودها واستقرارها وموقعها ودورها لو لم تضمن الموقف الصيني الى جانبها. فالصين كانت ملجأ كوريا الشمالية الدولي ومنفذها الى العالم للتفاوض مع أميركا وأوروبا والقوى الاقليمية الخائفة. وبالتالي كانت خطوات كوريا الشمالية محسوبة في سياق لعبة الملاكمة بين الجبارين الاميركي والصيني على حلبة الشطر الشرقي من آسيا. ولأن كوريا الشمالية درست كل الاحتمالات نجحت في وضع خطة تصعيدية "تكتيكية" استدرجت القوى المعنية الى غرفة المفاوضات وحققت بذلك بعض المكتسبات مقابل تنازلات. هذه التجربة الكورية الشمالية في التفاوض والتصعيد وثم التفاوض يجب ان تقرأ إيران خطوطها الدولية والاقليمية جيدا للتعرف على الوضع في جنوب شرق آسيا واختلاف شروطه الدولية والاقليمية عن تلك الشروط الموجودة في منطقة "الشرق الأوسط الكبير" مضافا اليها دور "إسرائيل" في التأثير على المعادلة، فالشرق الأوسط اكثر أهمية وحساسية. معركة إيران بشأن الملف النووي مختلفة نظرا لوجود متغيرات غير مضمونة دوليا لمصلحة طهران. إيران ليست كوريا وظروفها تختلف عن تلك الموجودة في شرق آسيا. فالشروط التي خاضت كوريا الشمالية معركتها للدفاع عن مصالحها وحقوقها غير موجودة في "الشرق الأوسط"... واذا وجدت فهي غير مضمونة النتائج ويحتمل ان تتحول الى مغامرة غير محسوبة ومدروسة تتورط فيها طهران. فالصين خاضت معركة كوريا الشمالية لأنها في النهاية هي الحاضن السياسي/ الطبيعي لها وهذا الأمر غير متوافر بالنسبة لإيران في إطار علاقاتها المميزة مع موسكو. فطهران يجب الا تنسى ان روسيا تخلت عن اوكرانيا في اللحظات الأخيرة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1110 - الإثنين 19 سبتمبر 2005م الموافق 15 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً