العدد 1112 - الأربعاء 21 سبتمبر 2005م الموافق 17 شعبان 1426هـ

مقاهي باريس وأرصفتها: منزل آخر للباريسيين

في الربيع والصيف، تمنح ارصفة المقاهي المنتشرة على ضفتي نهر السين اليمنى واليسرى باريس وجها أكثر حميمية. .. كما لو أن الوقت ينساب بكل هدوء في ضوضاء هذه المدينة. وهنا نقوم بجولة على أرصفة المقاهي الواقعة في احياء أثرية أو في زوايا تحيط بها الاشجار والخضار في قلب باريس. تعتبر مقاهي باريس وأرصفتها مؤسسات وحيزا للعيش. ففي العاصمة، وبسبب قلة مساحة الشقق يلجأ الناس الى المقاهي، فتبدو كأنها امتداد للشقة وحيز من حياة بعض الأفراد. نؤم المقاهي عادة لقراءة الصحيفة اليومية أو كتاب، للتأمل أو لكتابة رواية أو حتى لانهاء عمل المكتب. بعض رواد المقاهي يحبذون تناول "الدمعة" "القهوة" - ميزان مستوى المعيشة - وقوفا امام البار ومنذ بزوغ الفجر قبل مباشرة نهار العمل، أو احيانا "البندقة" "المخلوطة بقليل من الحليب" أو الكريم "مع كمية أكبر من الحليب" أو الخفيفة التي يضاف اليها الماء. وفي وسط النهار، يستعمل المقهى كحيز للغداء مع زملاء العمل أو الاصدقاء أو بشكل فردي. وفي أيام الطقس الجميل يفضل رصيف المقهى على داخله. في المساء، يتوقف الباريسي قبل العودة الى المنزل على رصيف مقهى لتناول كوب من الماء مع الحامض، أو من النبيذ الابيض، واحيانا للعشاء. جهزت بعض ارصفة المقاهي بالمدافئ للسهرات الباردة، على سبيل المثال هناك "مقهى السوق" في الدائرة الـ .7 تعتبر غالبية الباريسيين ان الحضور في المقهى هو دعوة إلى الحوار وإلى تبادل الاخبار حتى الحميمية منها، وغالبا ما تكون مرحلة قبل الدعوة الى المنزل. فهناك مثلا مقهى "فوموار" المعروف بأرائكه الجلدية وبأضوائه الخافتة وبالصحف العالمية فيه، مقصود لتناول مشروب مقبل من قبل العاملين في الوسط المالي. يمثل المقهى غالبا تسوية جغرافية فهو يتيح للباريسيين الحضور عند منتصف المسافة، بواسطة خريطة المترو... وهكذا تحظى بعض المناطق المركزية باهتمام الباريسيين، مثل حي تويلري بالقرب من متحف اللوفر إذ توجد مقاه اربعة بمظلاتها الحمراء مثل "دام تارتين" التي يؤمها السياح والباريسيون في الربيع والصيف وحتى ساعة متأخرة من الليل. وفي منطقة أخرى هناك مقهى مارلي ذي الديكور الأنيق المشرف على هرم اللوفر. وبالقرب من هذا الحي هناك مسرح الكوميديا الفرنسية إذ مقهى "لو نمور"، في ساحة كوليت. وعلى بعد خطوات وتحت قناطر حديقة باليه رويال، هناك ارصفة في تمام الهدوء تستقبل الباريسيين في جو خارج الزمن وفي صميم حي البورصة والمالية على مقربة من الاوبرا ومقهاها الشهير "كافي دو لا بيه" التي تستميل السياح. في حي لو ماريه، استقرت المقاهي مثل مقهى "فيكتور هيغو" تحت قناطر ساحة الفوج. وعلى مقربة منها أرصفة مقاهي ساحة سانت كاترين حيز هادئ تماما. للعثور على مكان مغاير ليس هناك أفضل من مقهى "جيماب" الصيفي، بحسب قول ماري لاير، آنسة في الثلاثين من العمر أصلها من خارج باريس، تعمل في المسرح تقول: "في هذا المقهى الصيفي نطلب المشروب امام البار وننتقل لتناوله، اقدامنا في الماء، وامامنا قنال سان مارتان نتأمل لون المساء الرائع بين الخامسة والسادسة مساء". تتميز بعض المقاهي بديكور طبيعي أو بديكور معماري يمنحها روحا خاصة، وبعضها الآخر له طابعه الخاص من دون أي اضافة اصطناعية. تعتبر ماري لاير ان لبعض المقاهي طابعا خاصا، فبالقرب من الباستي، هناك جادة ليدرو رولان وفيها مقهى "بيسترو دو بانتر" وتشكل "بديكور خشبي وبجو حميمي... حيزا باريسيا متميزا وعلى الموضة". على الجانب الأيسر من السين، هناك مقهى "كلوزري دو ليلا" في حي مونبارناس، وفي الحي اللاتيني بالقرب من جامعة السوربون، تبدو المقاهي كمعابد للحياة الادبية والفنية "عصب الحياة الثقافية"، أو سياسية على مثال مقهى ومطعم "ليب". يوجد في حي سان جرمان - دو - بري الكتاب والناشرون على مقربة من دور النشر مثل غاليمار وغراسيه... فهناك مقهى "لو فلور" و"دو ماغو" اللذين يمنحان جوائز أدبية. في مقهى لو فلور، يسود ظل أدباء مثل غيوم ابولينار، واندريه بريتون، واندريه مالرو الذين كانوا يذهبون أيضا الى المقهى الآخر "دو ماغو" إذ كان يأتي الادباء الاجانب مثل همنغواي وستيفان زويغ، وبريشت... وقد أصبح هذا المقهى في الخمسينات من القرن الماضي مكتب وغرفة استقبال جان بول سارتر، أب الوجودية، ورفيقته سيمون دو بوفوار بعد مغادرتهما لمقهى لو فلور إذ كانا يجلسان خلال فترة الاحتلال. تشهد المقاهي ظهور الكثير من الافكار وولادة المخطوطات أيضا، كما تستقبل الصحافيين لمقابلات مثل مقهى فندق لوتسيا الذي يستميل مجلة "أل" أو مقهى بوبور. ففي هذا المقهى الأخير يحضر عالم الاعلام والفن والموضة في حيز زينته المكتبات. وفي المناسبة لابد من زيارة الطابق الأخير في مركز بوبور إذ مقهى "لو جورج" الذي يقدم منظرا رائعا لسطوح باريس علاوة على لعبة تتمثل بتحديد معالم العاصمة الشهيرة مثل متحف الانفاليد وقبته أو البانتيون.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً