العدد 1113 - الخميس 22 سبتمبر 2005م الموافق 18 شعبان 1426هـ

عبدالأمير الجمري... مسيرة شيخ قهر المستحيل فهتف الشعب باسمه

من حصار الظلم إلى حصار السرير الأبيض

علي الوادي comments [at] alwasatnews.com

-

الشخصية الوطنية الكبيرة الشيخ عبدالأمير منصور الجمري النائب السابق في المجلس الوطني العام 1973 وأحد قادة العريضة الشعبية والنخبوية. المناضل الذي عرف العمل الوطني منذ صغره، دافع عن الحريات العامة وإشاعة الديمقراطية في المجتمع وطالب بإعادة الحياة النيابية. هو شعلة تنير الطريق للكثير من الجماعات والأفراد، رجل صلب في مواقفه ودفاعه عن مبادئ وأهداف هذا الشعب، لعب دورا كبيرا في إيصال قضايا الناس من خلال صلته الوثيقة بكل الأطياف. هو الواجهة الصادقة لكل المواطنين لم تردعه الاعتقالات ولا السجون ولا التهديدات المستمرة ولا الحصار الجبري. مؤمن بما طالب به، بطل شجاع يرتفع فوق محاولات إسكاته، يواجه المخطئين والفاسدين في وجوههم من دون مجاملة أو خوف، لم يتمكنوا من إغرائه وشرائه بمال أو عقار كما يفعل المنافقون، لم يسكت يوما عن قول الحق وإصراره الشديد على مطالب الشعب وتحقيق أمانيه، شيخ متواضع معتدل يفتي في بعض الأمور من خلال وعي واقعي منطقي. ابن البحرين البار وأحد رجالها الخيرين الأفاضل، قروي الأصل يتمتع بشعبية واسعة بين الأوساط الشعبية كافة. فمن قرية بني جمرة التي تزخر بالكثير من المعالم التاريخية والحضارية وبرجال ألهموا العلم والخطابة، قرية هي من عبق الماضي ونور الحاضر تقع شمال البحرين على مرتفع هضبي، اعتاد أهاليها على العمل الذاتي كدخول البحر وممارسة الصناعات اليدوية، إلا أنهم "الجمراويون" تفوقوا على غيرهم وتمكنوا من إثبات وجودهم وتميزوا بمهاراتهم وتفننوا في صناعة النسيج... هذه المهنة التي توارثها الأجيال جيلا بعد جيل، فعلى رغم انتشارها في بعض القرى منها داركليب وأبوصيبع ومقابة فإن بني جمرة تفوقت وأصبحت من أشهر قرى البحرين في هذه الحرفة، وبحق وشهادة فإن بني جمرة هي نافذة العلم والمعرفة، منبع الرجال والشيوخ وفي مقدمتهم ملا عطية الجمري وابنه الملا يوسف الجمري رحمهما الله ومن بعدهما الشيخ عبدالأمير الجمري. ولد الشيخ عبدالأمير في العام 1939 وهو أحد أبناء المرحوم منصور الجمري الذي توفي عنه وهو في سن العاشرة من عمره، وقبل ذلك كان يدرس العلم وكان والده رحمه الله كثيرا ما يهتم به ويرشده وينوره ويساعده على قراءة القرآن، فسلك طريق والده إذ كان يتتبع خطواته فاكتسب منه الكثير من الوعظ والإرشاد. بعد وفاة والده اعتنى بتربيته وبنشأته ملا عبدالله البلادي الذي استفاد منه كثيرا، وكذلك الملا جاسم نجم الجمري، وأيضا لا ننسى أبناء عمه ودورهم الكبير في الاهتمام به وصقله وتشجيعه على السفر لتلقي العلم في النجف الأشرف وهما الملا عطية والملا يوسف، الذي يكن لهما كل الاحترام والتقدير ولهما الفضل في توجهه العلمي وترشحه للمجلس الوطني العام .1973 الشيخ عبدالأمير ومنذ صغره كان شعلة من الحماس والروح الوطنية وحب النضال والتضحية. شارك في الكثير من المظاهرات والإضرابات أيام الهيئة، لذلك تولدت في دمه الغيرة على بلده وظهرت آثارها عندما وقف في المجلس الوطني بجانب الكتل النيابية وشاركهم الرأي. في العام 62م سافر شيخنا الجليل إلى العراق والتحق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف والتقى كبار المرجعيات الدينية والعلماء ومن بينهم السيدحسن بحرالعلوم والسيد محيي الدين الغريفي ومكث هناك أحد عشر عاما، كرس وقته من أجل العلم والتزود بالمعرفة والاحتكاك بذوي الشأن العلمي، وكان من خيرة الرجال وأكثرهم خلقا نال الكثير الكثير من الشهادات الدينية العليا التي تعادل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه. العام 73م بدأ العمل النضالي الفعلي لدى سماحته عندما عاد إلى البحرين وبأمر من أبناء عمومه وغالبية المواطنين وذلك لخوض الانتخابات النيابية، وفعلا تقدم إلى الترشيح وكسح الأصوات ودخل المجلس، وأخذ ينتقد ويعارض بشدة ويطالب بالمزيد من الإصلاحات التي تخدم المواطنين وخصوصا الطبقة الفقيرة. وسارت الأمور معاكسة تماما لتطلعات وأماني الشعب، وفي العام 77م سافر شيخنا الفاضل إلى العراق ثانية ومكث في النجف لمدة شهرين، التقى الكثير من العلماء والشيوخ وتدارس معهم الموقف ثم عاد إلى البحرين وعين قاضيا في المحكمة الكبرى وبمرسوم أميري، وظل في هذا المنصب يؤدي عمله الإنساني بكل أمانة وإخلاص لمدة 12 عاما، في هذه الفترة كانت تحدث له بعض المشكلات والعوائق وخصوصا بعد قيام الثورة الإيرانية، وكثيرا ما يستدعى من قبل وزير الداخلية في مكتبه للاستجواب بسبب ما أسموه فتح مجلسه اليومي لزائريه ومرتاديه، ما جعل المخابرات تظن وتشك في تحركاته وكل خطواته فشددت الرقابة السرية عليه. في العام 87م وتحديدا في شهر مايو/ أيار أقام احتفالا كبيرا في جامع الإمام زين العابدين بالمنطقة بمناسبة يوم القدس العالمي، حضره جمهور كبير، وعلى إثره استدعي سماحته من قبل السلطة واستجوب وطلب منه وقف هذه الأنشطة والفعاليات، وبالمناسبة فقد اعتقل في ذلك اليوم عدد من الشباب الذين كانوا يترددون على مجلسه باستمرار. في 3 سبتمبر/ أيلول العام 88م خرجت مظاهرة عن "السواد" في البلاد القديم، وبعد المظاهرة اعتقل زوج ابنته عبدالجليل ومن ثم ابنه جميل وعدد آخر من الشباب. في فبراير/ شباط 90م حكم على ابنه جميل بالسجن 10 سنوات وعلى زوج ابنته عبدالجليل 7 سنوات، بعد أن وجهت إليهما تهم مزيفة وباطلة وعارية عن الصحة تماما، وفي اليوم نفسه تلقى الشيخ الجمري مكالمة هاتفية من وكيل وزارة العدل يطلب منه التوقف عن العمل وذلك بأمر من السلطة. في يوم 4 سبتمبر 88م وبعد صلاة الظهر في جامع بني جمرة، اعتقل الشيخ وأخذ بسيارة المخابرات، فغضبت الجماهير المحتشدة وخرجت في مظاهرة صاخبة وهتفت ونددت فيها بما تمارسه الاستخبارات من معاملات، وهتفوا بحياة الجمري. في تلك الأثناء، أدخل شيخنا الجمري على المحققين في وزارة الداخلية وحقق معه لمدة ساعتين، وما ان علموا بغضب الجماهير وتظاهرها، وخشية من اندلاع المظاهرات في كل أرجاء البحرين، أطلقوا سراحه بإرجاعه إلى بيته بسرعة وفروا من المنطقة حتى لا يحدث تصادم بينهم وبين تلك الألوف الغاضبة. خرج الشيخ ووقف أمام الحشد الجماهيري يهدئهم ويطلب منهم العدول عن التظاهر، لاحظوا هذه الميزة والصفة التي يتحلى بها هذا الرجل العظيم من تواضع وأخلاق ونزاهة في التحدث! ولو كان الشيخ يريد إشعال الفتنة وتحريك الشارع لأراد منذ تلك اللحظة التي كان فيها الغضب الجماهيري في أشد استنفاره، لكنه اكتفى بإلقاء كلمة، قال فيها: "أنا لست من الذين يخلقون الفتن والمشكلات، ولا من المتشددين الذين يريدون السوء لهذا البلد، إنما أنا معارض ورافض لقرار المحكمة بحق أبنائي وأبناء هذا الوطن، وأريد حكما عادلا ونزيها". من العام 88م حتى العام 91م ظل شيخنا الجليل مراقبا ومهددا بالتسفير إن لم يتخل عن هذه الحركة النضالية. تصدر في العام 92م العريضة النخبوية المطالبة بالحقوق الدستورية المشروعة، وبعد ذلك تصدر عريضة شعبية في العام 94م ترفع المطالب ذاتها. وفي العام 94م وبعد العريضة النخبوية، قامت مظاهرات كثيرة تطالب بالعدالة والمساواة، اعتقل على إثرها الشيخ علي سلمان ومجموعة كبيرة جدا من الرجال والشباب. عندها تحرك الشارع الجماهيري واشتدت الأمور إلى الأسوأ، فقام الشيخ بعدة اتصالات للتشاور والتباحث في أهم الأمور والخروج بصيغة عادلة، فاجتمع بشخصيات كثيرة وذلك من أجل إيجاد حل ومخرج لتلك الأزمة. في مطلع ابريل/ نيسان 95م داهمته المخابرات، حدث غريب ورهيب في تلك الليلة لزوار الليل، جنود مدججون بالأسلحة يقدر عددهم بالمئات، لاحظوا معي! أعداد كبيرة من سيارات رجال أمن الدولة المقبور وعددهم 21 رجلا جميعهم ملثمو الوجوه، ومن سيارات الكومندوز ذات اللون الأسود، وعدد كبير من سيارات الشغب بأسلحتهم ومعداتهم، وعدد آخر من مدافع مصوبة باتجاه بيت إنسان أعزل... تصوروا هذا الموقف وهذا الكم الهائل الذي طوق المنطقة من أجل أن يعتقل الشيخ الجمري! في تلك الليلة، تقدم مسئول المخابرات وأصدر أوامره بتفتيش البيت وإخراج من فيه من عائلته وإبقاء الشيخ الجمري بداخله وحيدا. أخذوا كل محتويات المنزل من تلفزيون، راديو، فاكس، كتب، مخطوطات. شاحنتان امتلأتا بالأدوات الخاصة بمنزله، ثم اتجهوا نحو الجامع وكسروا القفل ودخلوا الجامع من دون مراعاة لحرمة المكان الطاهر وعبثوا في كل شبر وزاوية وأخذوا ما يريدون من كتب دينية وأدعية إسلامية، ولم يبق شيء يذكر، وانصرفوا. وجماعة أخرى من زوار الليل أيقظوا الجيران وطلبوا منهم مغادرة بيوتهم وإخلاء المنطقة كليا، تصرفات غريبة، 51 شرطيا داخل منزل الشيخ في كل غرفة وعلى السطح ومن أمام المنزل وخلفه حشود أمنية مرتزقة تحيط بمنزله 15 يوما على هذه الحال، ممنوع من الاتصال أو التحدث لأي أحد كان. في اليوم الثاني، حدثت صدامات عنيفة بين الشعب الغاضب وقوات الشغب أدت إلى سقوط شهيدين هما: محمد علي عبدالرزاق والآخر محمد جعفر عطية، وهو مهندس زراعي، بالإضافة إلى سقوط خمسة وأربعين جريحا، من بينهم شخص قطعت إحدى رجليه. ظل رهن الاعتقال المنزلي لمدة أسبوعين، وبعدها أخذ شيخنا إلى السجن 6 أشهر ثم أفرج عنه في 25 سبتمبر 1995م، عندما عاد إلى بيته كانت الأمور عادية جدا ولمدة شهر والحياة تسير طبيعية، لكن الشيخ فسرها واعتبرها لعبة وخدعة، وسرعان ما اشتدت الأمور من جديد وبدأ الحصار الفعلي والتهديدات المستمرة. في يوم 20 يناير/ كانون الثاني فرضوا حصارا آخر لعدة أيام، ثم اعتقل مرة أخرى وظل الوضع كما هو، خوف ورعب عند الأهالي لا يستطيعون الدخول ولا الخروج إلا بالأوامر والتفتيش والأسئلة. وفي سجنه الانفرادي، ذاق شيخنا ويلات التعذيب النفسي والإهانات والإذلال. وجاء موعد المحاكمة، دخل شيخنا الفاضل قاعة المحكمة محاطا برجال الأمن، لكنه هتف بصوت عال، أطالب بالبرلمان وبالعدالة ومصلحة الشعب، وأنتم غدرتم بالشعب. وصدر الحكم الجائر الظالم بحقه عشر سنوات سجن وغرامة مالية قدرها 15 مليون دولار، دوت القاعة بالهتافات المعادية وخرجت المظاهرات من جديد. من يوليو/ تموز 99 حتى 25 يناير 2001 بدأ حصار آخر على بيته وعلى المنطقة... وما هي إلا أيام حتى تفضل جلالة الملك وأصدر أمره السامي الذي أثلج صدور المواطنين بإعلانه أمام الجماهير إطلاق سراح الشيخ الجمري. وبعد ذلك، أعلن الملك قراره التاريخي والجريء في 5 فبراير 2001 بحل جهاز أمن الدولة وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وبعودة المنفيين والمبعدين والبدء بعمل دولة المؤسسات، وأصدر جلالته أمرا بالبدء بالمجالس البلدية ومن ثم الحياة النيابية. وهكذا بذلت الكثير من المساعي من قبل جلالة الملك حفظه الله والحكومة الموقرة وكبار علماء وشيوخ البحرين من الطائفتين لتهدئة الأمور وإعادتها إلى طبيعتها، وكان المستشار الثقافي لجلالة الملك آنذاك وهو حسن فخرو زار الجمري في بيته وأبلغه تحيات جلالة الملك، وكذلك الوزير السابق جواد العريض موفودا من قبل رئيس الوزراء، كل ذلك يوحي بالتقارب والتسامح والبدء بحياة جديدة سعيدة تعم بالخير على جميع المواطنين من دون تمييز. وأثناء مرض الشيخ الجمري في المستشفى العسكري، قام صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بزيارته وأمر بعلاجه وإحضار أكبر الأطباء إليه، كذلك زاره سمو رئيس الوزراء للاطمئنان على صحته وتمنى له الشفاء العاجل، بعد ذلك ازدادت الأمور تعقيدا وتدهورت صحته وأرسل إلى ألمانيا واكتشف بأنه يعاني من جلطة في الرأس أمام العين منذ أن كان في السجن، وبلغ عدد الجلطات التي أصيب بها شيخنا أربع جلطات جميعها في الرأس، نسأل الله أن يشافيه. هل رأيتم أو سمعتم عن مواطن بهذه الإرادة والقوة؟ لقد صمت في وجوههم متحديا كل الممارسات السيئة التي مورست بحقه وقهر المستحيل، كل ذلك من أجل البحرين وعزة وكرامة شعبها، ولولا الخطوة التاريخية المجيدة التي اتخذها ملكنا الغالي لأصبحنا اليوم نسبح في بحرمن الدماء، ولكن الحمد لله على كل حال

العدد 1113 - الخميس 22 سبتمبر 2005م الموافق 18 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً