العدد 1114 - الجمعة 23 سبتمبر 2005م الموافق 19 شعبان 1426هـ

ضحايا المرض النفسي بين قصور المجتمع وتقصير الإعلام

ربع سكان العالم يعانون من الأمراض النفسية

زهرة الشويخ comments [at] alwasatnews.com

-

هناك الكثيرون الذين يحتاجون إلى أن يذهبوا إلى العيادات النفسية ولكنهم لا يذهبون. لماذا؟ لماذا يوصف المريض النفسي بالمجنون المتخلف، وبالكلمات الأخرى العامية المحقرة؟ ظاهرة كانت موجودة ومازالت وان تكن أقل حدة من ذي قبل لكنها جلية الوضوح كثيرة المتاعب وهي وصمة الأمراض النفسية، فمنا من يمر بظروف نفسية معينة أو مشكلات اجتماعية من دون أن يكون يعاني من مرض نفسي، البعض يذهبون فعلا إلى الطبيب النفسي لطرح أسئلتهم، والإفصاح عن الهموم والأفكار التي لا يستطيعون أن يصرحوا بها لأحد من معارفهم، والبعض يكتفي بالاتصال هاتفيا مع التحفظ الشديد على هويته وقد يكون كل ما يحتاج إليه هو شخص يصغي إليه ويشاطره فيما يعانيه ويعلق بجمل بسيطة، لكن بعض الناس للأسف مازالوا يشعرون بل يعتقدون بأن الذهاب إلى الطبيب النفسي ينتقص من قدره، والأكثر من ذلك أن وجود شخص مصاب بمرض نفسي في أسرة ما يعد وصمة عار لجميع أفرادها، فتحاول الأسرة نفسها إخفاءه باعتباره مصدر إحراج لها ويتعامل الأصدقاء والأقارب معه ومع أسرته بخوف أو لا مبالاة ويتم تهميشه واعتباره غير كفء في اتخاذ القرارات حتى انه لا تعرض عليه، فالجميع يعاني بلاشك ولكن المعاناة الكبرى هي من نصيب المريض نفسه، فبالإضافة إلى طبيعة المرض النفسي إن كانت أعراض وسواس قهري أو اكتئاب أو هوس أو غيرها، إذ تسلب الاطمئنان من المريض وتحول بينه وبين مواصلة مسيرته الإنتاجية في جميع الأصعدة، فهناك من حوله من يزيد في معاناته، إذ النظرة الدونية أو التثبيط والتضليل الذي يحول بينه وبين الشفاء، فينصحونه بعدم الذهاب إلى العيادات النفسية ويصفونها بأنها عيادة المجانين. وستزداد حالته سوءا إن ذهب واستخدم العقاقير النفسية بل ان البعض يبث دعايات غير صحيحة ولا تمت إلى الواقع بصلة عن الأمراض النفسية والأدوية النفسية ويصفها بالتعميم بأنها مخدرات ويجب عدم تناولها، وإذا رأى شخصا يستخدم علاجا نفسيا نصحه بتركه ويأخذ بالتهويل في وصف المضاعفات السلبية لها، وربما أضاف من عنده مثالا لمريض نفسي ما يتناول عقاقير مضادة للفصام مثلا ولها بعض الأعراض الجانبية، ولكنه يغفل ان الأمراض النفسية مختلفة، فمرض الفصام يختلف تماما عن مرض الاكتئاب وكذلك فإن الأدوية الخاصة بعلاج الاكتئاب تختلف اختلافا جذريا عن الأدوية التي تعطى لمرضى الفصام. كما أن البعض يعزو المرض النفسي إلى نقص الإيمان بالله كالاكتئاب والوسواس القهري مثلا بينما الحقيقة هي أن الاكتئاب يسلب الإيمان، بمعنى أن مريض الاكتئاب يترك الصلاة لإحساسه بفتور في علاقته مع الله عز وجل. وكذلك مريض الوسواس فإنه في حالته الشديدة يتوقف عن إقامة الصلاة لكثرة وضوئه أو لكثرة تكرار الصلاة. والبعض يتجنب دخول دورات المياه وخصوصا العامة منها. ومن كانت صلاته بالمسجد فإنه يتفادى ذلك في نوباته المرضية. وأيضا المريض المصاب بالفصام أعراضه أهلاس سمعية إذ قد تكون طبيعة الأصوات التي يسمعها من النوع الآمرة، إذ تأمره بترك العبادات. وقد ينساق البعض لضعف البصيرة ولبعد الصلة عن الواقع التي هي مقومات مرض الفصام. والأمراض النفسية قد تصيب أي شخص حالها حال الأمراض العضوية، فقد صح عن النبي "ص" أنه قال: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" صدق رسول الله "ص". والأمراض النفسية تختلف عن الانفعالات النفسية للشخص الناتجة عن تفاعله مع ظروف الحياة اليومية والتي تتفاوت في مدتها ولا تؤثر عادة على كفاءة الفرد وإنتاجيته، كما لا تؤثر على قدرته في الحكم على الأمور. أما الأمراض النفسية فهي اضطرابات وظيفية بالمخ، إذ أثبتت التجارب العلمية الكثيرة أن أكثر الأمراض النفسية يصاحبها خلل يتمثل في تغير مستوى بعض الناقلات العصبية في الدماغ، "مثل السيروتونين، الدوبامين، الأدرينالين، النورأدرينالين والأستيل كولين... وغيرها" وإيجاد التوازن المناسب فيما بينها بالعقاقير يعيد الإنسان إلى اتزانه في سلوكه ومزاجه، وقد تكون مجرد حالات عرضية تزول بالعلاج النفسي أو العلاج الدوائي لفترة معينة أو تكون طبيعتها مزمنة تتطلب الاستمرارية في العلاج. وهذا ما يجعل البعض يصف الحاجة إلى استمرار العلاج بأنه حال إدمان على العقاقير، ألا أن هذا الاعتقاد الخاطئ لدى الناس إنما جاء نتيجة نقص الإدراك المعرفي لمعنى المرض النفسي. ويبدو أن الإعلام عموما مقصر في القيام بدوره في مجال الصحة النفسية والعقلية وربما أسهم في ترسيخ المفاهيم الخاطئة السائدة عن الصحة النفسية بتدني نوعية المعلومات التي يبثها وغياب ما يجب بثه من مفاهيم صحيحة عن الأمراض النفسية. فكثير من النتاج الإعلامي يظهر من خلاله المريض بحال مزرية من السخرية ابتغاء الضحك. ولا يسلم الطبيب النفسي أيضا من ذلك فكان له الأثر الكبير بترسيخ الفكرة على أن المريض النفسي مجنون والطبيب دكتور المجانين، ولابد من الإشارة إلى أن طبيعة المرض النفسي تختلف عن التخلف العقلي التي تقدر بنسبة 1 في المئة في عموم الناس، بينما نسبة الأمراض النفسية والعقلية في العالم في تزايد مستمر وتقدر بنحو ما بين 20 و30 في المئة من سكان العالم بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية. ويذكر أن الأشخاص المصابين بالتخلف العقلي عرضة أيضا للإصابة بالأمراض النفسية، كما يصابون بالأمراض الباطنية وغيرها ويحتاجون إلى علاج دوائي.

العدد 1114 - الجمعة 23 سبتمبر 2005م الموافق 19 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً