العدد 2966 - الثلثاء 19 أكتوبر 2010م الموافق 11 ذي القعدة 1431هـ

نصر الله... إعدام استقلالية القضاء والحق في الحياة

عياد أحمد البطنيجي * كاتب مغربي، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.o 

19 أكتوبر 2010

ألقى الزعيم اللبناني السيد حسن نصر الله في الآونة الأخيرة عدداً من الخطابات، تناول فيها قضايا لبنان والعالم العربي وتطورات المنطقة وتعقيداتها السياسية في محيط إقليمي يظل منذ زمن بعيد محط أنظار العالم. وبحكم وضعية الحزب وتحالفاته الداخلية والخارجية وموقعه وتاريخ مواقفه، تحظى إطلالات الزعيم اللبناني بالكثير من الاهتمام الإعلامي، اهتمام تعززه قدرة الرجل الخطابية والبلاغية.

ويسجل جميع المراقبين، كما الأصدقاء والأعداء نجاح الإطلالات الإعلامية لنصر الله في أكثر من مناسبة، إلى الحد الذي دفع جزءا كبيرا من القادة السياسيين والرأي العام في إسرائيل إلى أخذ تصريحات نصر الله بالجدية الاستثنائية. لكن خلف هذا النجاح توجد أكثر من كبوة لا بد من الالتفات إليها بعيدا عن العواطف والأحكام المسبقة.

في تجمع جماهيري إحياءً للذكرى الرابعة لحرب يوليو/ تموز قال نصر الله «كنا نطالب بإصدار أحكام الإعدام... والحمد لله صدرت العديد منها، واليوم نطالب بالإسراع بتنفيذ تلك الأحكام...» استغرق الخطاب أكثر من ساعة، وحظي بتغطية إعلامية واسعة ونقلته على الهواء المباشر عدة قنوات تلفزيونية... وبالتالي فإن الموقف من الإعدام المشار إليه أعلاه سيكون هو الآخر بالتأكيد حظي بنفس الانتشار.

بغض النظر عن السياقات التي صدر فيها الموقف، فإن صدوره من زعيم بحجم حسن نصر الله، يقتضي وقفة تأمل لم تستطع المنظمات الحقوقية العربية أن تلتقطها، وهنا لا بد من الإشارة إلى مجموعة من النقاط.

إن هذا الخطاب يتناقض مع أبسط الحقوق التي ناضلت وتناضل الإنسانية من أجل إثبات الحق فيها: الحق في الحياة. إنه يضرب في العمق النضال من أجل إلغاء عقوبة الإعدام باعتبار أنها تصادر الحق في الحياة وأنها عقوبة لا إنسانية وحاطة بالكرامة الإنسانية.

إن المطالبة بإصدار عقوبة الإعدام وتسريع تنفيذه خطأ جسيم بكل المقاييس الحقوقية، مهما أخذنا بعين الاعتبار ملابسات التأهب التي يعيشها لبنان في مواجهة محيطه الخارجي، وضرورة ردع العملاء، ووضعية لبنان في مواجهة حكومات إسرائيلية متعنتة وذات نوايا عدوانية معادية.

يتمثل خطأ عقوبة الإعدام في أنها غير رادعة، كما أنها قد تصدر في حق أشخاص أبرياء في حالة عدم تطبيق شروط المحاكمة العادلة وضمان استقلالية القضاء، وحين تنفيذ حكم الإعدام، لا يمكن بعد ذلك تصحيح الخطأ، ونصبح آنذاك أمام جريمة فظيعة ارتكبت باسم القانون.

إن تصريحات نصر الله غير الموفقة في هذا الشأن تستحق الكثير من التأمل، لأنها صادرة من زعيم تنظيم تبنى خيار المقاومة لإحقاق الحقوق الإنسانية ولاستعادة الكرامة في بعدها الإنساني، هذا على الأقل ما تحاول الشعارات والخطابات ترويجه. كما أنها، من جهة أخرى، توجيه قوي على المدى القريب والمتوسط والبعيد للقضاء الذي يتم المطالبة باستقلاله، إذ كيف يمكن لقاضٍ لبناني، كيفما كانت صدقيته أن يظل طالباً للحقيقة في أي ملف يمس حزب الله، بشكل مباشر أو غير مباشر، بعد تصريحات حسن نصر الله. إنها تصريحات تختزن لهجة التهديد والوعيد لكل أجهزة الدولة بما فيها مؤسسة القضاء. ولا يمكن للقضاة بعد ذلك أن ينسوا أن صاحب التهديد ليس سوى زعيم حزب، استطاع مسلحوه في 7 مايو/ أيار أن يجتاحوا مناطق واسعة من لبنان في رمشة عين.

الكثير من التحليلات الواردة في الخطابات الأخيرة لحسن نصر الله، تحظى في العالم العربي بتعاطف كبير، لكن ذلك لا يمنع من أنه جانب الصواب بشكل كبير في مطالبته بالإعدام أولا وبتسريع تنفيذ الأحكام ثانيا. وإذا كان مفهوماً المنطلقات التي ارتكز عليه زعيم المقاومة اللبنانية في إطلاقه تصريحات من هذا القبيل، فإن غير المفهوم فعلا هو سكوت المنظمات الحقوقية العربية عن هذه المطالب الإعدامية. صحيح، قد تتخوف هذه المنظمات من انتقاد التصريحات بحكم الحساسية الشعبية اتجاه موضوع مرتبط بالصراع العربي الإسرائيلي والتخوف من أن يتحول الموقف ليصب في خانة إسرائيل لكن أعتقد أن هذه التبريرات على «وجاهتها العاطفية» تبقى غير مقنعة للسكوت عن موقف يتنافى والتشريعات الكونية ومبادئ حقوق الإنسان في مفهومها الشمولي.

إن إخضاع حقوق الإنسان للانتقائية يفتح الباب واسعا لمزيد من الانتهاكات الجسيمة التي عانت وتعاني منها الشعوب العربية، بدعوى الخصوصية ومواجهة الأعداء. وفي هذا السياق فإن الصراع مع إسرائيل ذاتها ليس سوى صراعا لإثبات خرقها لحقوق الإنسان وحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والحياة الكريمة وفي الملكية وفي الاستقرار والأمن.

بعيداً عن هذه التبريرات، يبقى على عاتق المنظمات الحقوقية وعلى الفعاليات السياسية والقوى الديمقراطية العربية النظر إلى حقوق الإنسان بمنظار شمولي لضمان الحق الإنساني المقدس بعيدا عن التبريرات الضيقة. فيما يتحتم على زعيم حزب بحجم شعبية حزب الله على الصعيد العربي أن يكون حذراً أكثر عند التعاطي مع قضايا الشعوب العربية، وخاصة الحقوقية منها لأن تصريحاته المتعلقة بتسريع تطبيق عقوبة الإعدام لا تبعث على الاطمئنان.

إن مبعث عدم الاطمئنان التي خلفتها تصريحات نصر الله «غير الحقوقية» نابعة من قوة الحزب محليا ومن النفوذ الذي يتمتع به التنظيم إقليميا، فهذه التصريحات تعزز مواقف العديد من الفرقاء السياسيين اللبنانيين الذين ينظرون بالكثير من الحيطة والحذر إلى استراتيجية الحزب ومخططاته البعيدة المدى. وهي مخططات يمكن أن تقوده في يوم من الأيام إلى الاستحواذ على السلطة، إن بشكل مباشر أو من خلال تحالفاته (نموذج التحالف مع التيار الوطني الحر) التي جعلت منه الآمر الناهي في لبنان، خاصة مع توفره على ترسانة عسكرية تتجاوز ما يتوفر عليه الجيش النظامي.

إن سيناريو تمكن حزب الله من السلطة في لبنان، تحت أي شكل من الأشكال، سيدخل حقوق الإنسان في بلد الأرز في نفق أكثر ظلامية، إذ يسهل تبعا لمنطوق تصريحات نصر الله، العبث بها تحت مسميات وذرائع شتى، لذلك فإن عدول نصر الله عن موقفه المؤيد للإعدام، سيكون عين الصواب، طمأنة للمحيط الحقوقي الدولي والعربي والمحلي، وتعزيزا للنضال والكفاح من أجل قضايا الإنسان العربي العادلة، التي يقول الحزب أنه يدافع عنها، وإشاعة لروح الاطمئنان المفقودة في لبنان، بفعل اضمحلال دور المؤسسات وتضخم دور الميليشيات.

العدد 2966 - الثلثاء 19 أكتوبر 2010م الموافق 11 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 11:15 ص

      مقالك ركيك أيها الكاتب ,,,, بنت القرية

      مقالك ركيك أيها الكاتب وفيه تجني على سماحة السيد حسن حفظه الله ورعاه ، كيف تعيب عليه كلامه هو أولا قبل أن يكون قائدا هو رجل دين يوزن ما يقوله ،، فأنا أسألك سؤالا : الذي دمر لبنان وشرد الألوف وحطم البنية التحية للبلاد وهذا الذي حدث من قبل من أليس من الجواسيس أذناب أسرائيل الا يستحقون العقاب والأعدام شيء قليل فيما أقترفوه من عمل فظيع بحق بلدهم ،، ألم تقرأ القرآن أيها الكاتب الا يعتبر هذا مفسدة وقتل النفس البريئة من قبل هؤلاء الجواسيس الخونة أنت هل ترضى أن يحدث في بلدك هذا الأمر ، كلامك غير منطقي

    • زائر 11 | 9:10 ص

      عقوبة الخائن

      وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل

    • زائر 10 | 7:01 ص

      سواد الليل

      حفظك الله يا نصر من الله
      يا قاهر الطغاة والمنافقين

    • زائر 9 | 6:21 ص

      الى

      الى الكاتب,
      الم تعلم بأن حسن نصر الله رجل دين قبل أن يكون زعيم... حكم الله لايوجد به ثقل زعيم سوى كان نصر الله, الخامنئي,او السستاني.

    • زائر 8 | 5:36 ص

      ..

      نور يشرق من هذا الوجه الكريم ..
      والله إني احبه ..

    • زائر 7 | 4:27 ص

      ههههه هع ه

      السيد حسن نصر الله لايعجز مهما كان الوقت او الزمان او المكان انه هو قاهرهم

    • زائر 6 | 2:43 ص

      هذا شرع الله

      ايها الكاتب المحترم السيد نصرالله رجل دين قبل ان يكون رجل سياسة وهو يطبق شرع الله حيث القاتل يقتل ولأن الخا ئن تسبب في قتل الناس فيجب ان يقتص منه (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)صدق الله العظيم

    • زائر 4 | 2:35 ص

      علي قولتهم

      ما لقوا في التفاح عيب قالوا له يا احمر الخدين

    • زائر 3 | 1:52 ص

      عياد أحمد البطنيجي * كاتب مغربي، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية

      ومن كثرة الخونة وهجره اليهود المغاربة لفلسطين مما هدد ويهدد مستقبل الشعب الفلسطيني من العرب قبل الغرب واليهود .... بماذا تفسر ياكاتب؟

    • زائر 2 | 12:58 ص

      ابو علي

      قال تعالى :" ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون"

    • ام محمود 1 | 11:21 م

      لم ينجح الكاتب في مقاله .. كان الأحرى به توجيه سهام قلمة لشياطين الحروب في اسرائيل

      وليعلم إن السيد حسن نصر الله وحزب الله اللبناني هو خط أحمر .. أي انتهاكات وأي تجاوزات غير حقوقية يقصدها الكاتب وامريكا واسرائيل عملت الفظائع في حرب لبنان وغزة وقتلها الأبرياء في السنوات الأخيرة واستخدامها للأسلحة الممنوعة والقنابل الذكية ..
      التصريح الذي أدلى به سماحة السيد حسن بعد كشف شبكة الجواسيس التي عملت أكثر من 12 عاما في اختراق شبكة الاتصالات اللبنانية بما فيها الهواتف النقالة والانترنت يستحقون أكثر من الإعدام وأكثر من القتل لأنهم لم يقوموا بالخيانة فقط انما بالعمل المخزي الرهيب.

    • زائر 1 | 10:40 م

      ما حكم الخائن لبلده ؟

      ؟؟؟؟

    • ام محمود 1 | 10:36 م

      من كلمات السيد حسن نصر الله

      *أقصى ما يتوقعه إنسان هو أن يقدم العدو على خطأ أو جريمة، ولكن ألا يعرف هذا العدو من نحن؟ نحن أبناء ذاك الإمام الذي قال: أبالموت تهددني يا بن الطلقاء، إن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة.
      *اليوم أنتم تذهلون العالم وتقولون للأميركي الذي تكلم قبل أيام وقال وصلتنا إشارات طيبة من لبنان أن المقاومة تراجعت شعبيتها وبدأت تضعف وتنهار هذا هو شعب المقاومة.. أنا أقول لهذا الأميركي عليك أن توجه كتاب ذم وقدح لكَتَبَة التقارير الكذابين الذين يرسلون لكم معلومات خاطئة وتبنون عليها حسابات خاطئة.

اقرأ ايضاً