العدد 2974 - الأربعاء 27 أكتوبر 2010م الموافق 19 ذي القعدة 1431هـ

بوشقر وأهل المنامة في الحرب العالـمية الثانية

رجال من زمن اللؤلؤ (9)

ذكرنا في الحلقة السابقة مع بداية بروز تاجر جديد في عالم اللؤلؤ في البحرين والهند وهو أحمد بن يوسف بن هلال بوشقر، أنه سرعان ما دارت الأيام وأصبح أحمد بوشقر من كبار تجار اللؤلؤ في البحرين والهند، ولذا فلم يبخل على أهل زمانه من مواطني الديرة كافة حين ألمت بهم فاجعة الحرب العالمية الثانية وما صاحبها من شح في المواد الغذائية بسبب تعطل طرق التجارة الدولية.

وجاء زمن «البطاقة» الذي يذكره كل أهالي البحرين كباراً وصغاراً ممن عاشوا خلال الحرب... كانت المواد الغذائية في ذاك الزمن توزع بالبطاقة بسبب ندرتها في السوق نتيجة لصعوبة الاستيراد عبر البحار وبالطيران خشية من خطورة استخدام تلك الطرق التجارية وخصوصاً بين الهند والخليج.

هنا ظهر المعدن الأصيل لبوشقر حين فتح قلبه لكل الناس من أهل المنامة وبشكل خاص أهل الحورة ممن حوله، وهو أعلم بهم من غيرهم بضيق ذات يدهم وعسرهم. فقرر وهو في تلك المحنة العامة أن يبدأ من مجلسه في الحورة بتوزيع المواد الغذائية على بعض الأسر الفقيرة بالمجان مساعدة منه في تخفيف معاناة الناس. فقام بتوزيع المواد مثل التمر والقمح والرز والسكر على الجميع دون النظر لدينه أو طائفته أو لونه؛ لأنه كان يؤمن بالوحدة والتضامن وخصوصاً عند الأزمات التي لا تعرف ملة ولا مذهباً. ولم يكتفِ بذلك بل كان يولم وليمة جماعية ثلاث مرات كل شهر في مجلسه مساء يوم الخميس ليلة الجمعة لدرجة أن الناس صاروا يعرفون موعد «وليمة بوشقر» باسمه ويومه من كل شهر.

ولم يكن ذلك يعني أن مجلس تاجر اللؤلؤ بوشقر كان مغلقاً طوال العام، بل إن مجلسه كان مفتوحاً طوال العام ولا يخلو من الضيوف في كافة المناسبات وبالذات طوال شهر رمضان، حيث كان يأمر أهله بتجهيز المجلس لإفطار أكثر من عشرين صائماً يومياً بالإضافة لأيام العيد الثلاثة والمناسبات الأخرى.

وكان ممن حضر أيام ذلك المجلس عبدالله عبدالعزيز الذوادي، إبراهيم خلف، جاسم محمد على صليبيخ، وغيرهم.


حياته الاجتماعية والثقافية

يقول عبدالله بن محمد بن أحمد بوشقر إن جده أحمد بن يوسف بوشقر تزوج أكثر من مرة بسبب تعدد سفرياته إلى خارج البحرين وآخر زوجاته كانت ثاجبه من بيت البوعينيين. كذلك تزوج من بيت كانو أيضاً، ولهذا نجد أولاده من نفس الأب ومن زوجات متعددات.

ويضيف أن كل معلومات وأوراق ومقتنيات الجد كانت محفوظة في «البشتخته» الخاصة به ومعها أسرار اللؤلؤ، إلا أنها فُقدت لسوء الحظ. ومع ذلك يمكننا لملمة بعض الشذرات من هنا وهناك عن حياة هذا التاجر المحسن لبلده وأهلها مما بقي من أوراق ومعلومات متناثرة. ومن تلك الشذرات أن احمد بوشقر كان محباً للعلم والمعرفة على الرغم من أن الفترة التي عاش فيها كانت فترة قد عششت فيها الأمية بين الناس وبالكاد بدأ التعليم بعد افتتاح مدرسة الهداية الخليفية العام 1919. كان المجتمع يسعى لتوفير لقمة العيش وسط شح الموارد ماعدا الغوص وصيد السمك وشيء من التجارة الخارجية البسيطة.

كانت أيام وجوده في المطوع بالحد هي التي ولدت لديه حب العلم والقراءة وجمع الكتب فكون مكتبة منزليه كبيرة غنية بالكتب القيمة والنادرة من دينية وثقافية عامة، كان يوفر لنفسه فيها أوقات للقراءة الحرة بعيداً عن صخب أسواق اللؤلؤ والمضاربات التي بها. ولكن تلك المكتبة القيمة اندثرت للأسف وضاعت مع الأيام وعدم الحفظ.

وأكبر دليل على ثقافة بوشقر تلك الرسالة التي بعث بها لصديقه شاهين صقر الجلاهمة وهو في الهند، حيث يتضح منها أسلوبه الأدبي في الكتابة. كما كانت له علاقات طيبة ومودة متبادلة مع الشيخ عثمان آل محمود، ولذا فقد قام بطبع كتاب لأحد أفراد عائلة آل محمود بعنوان: «القول المشيد في الرد على صاحب المؤيد»، تأليف: الشيخ محمد بن عبدالرزاق محمود آل محمود، وطبع هذا الكتاب في مطبعة (كلزار حسني) في مومبي العام 1330 هـ (1911 - 1912م). وضمن سياق العلاقات الاجتماعية مع الناس ووجهاء القوم منهم فقد كانت علاقاته جيدة بجيرانه في الحورة أمثال بيت محمد نور بن إسماعيل الجناحي، بيت محمد بن عبدالله بن جمعة، وبيت عبدالله بن أحمد الخاجة.

وذاك المنزل الذي احتوى أجمل أيام أحد رجال اللؤلؤ يحيطه اليوم مجموعة من الآسيويين في الحورة وبقربه مسجده المشهور، كما في الصورة. وقد تم تسجيل جزء كبير من البيت بعد وفاته إلى ابنه البكر يوسف أحمد بوشقر، كما توضح الوثيقة المصاحبة بتوقيع المستشار بلغريف. وقد توفي يوسف قبل فترة وجيزة، وأصبح المنزل الآن لأولاده الثلاثة وبناته الست.


الخديعة الكبرى

تعرض تاجر اللؤلؤ أحمد بوشقر لخديعة من بعض تجار اللؤلؤ في الهند في آخر رحلاته اللؤلؤية إلى تلك الديار. هذا ما نستشفه من بين ثنايا رسالته التي بعث من مومبي لصديقه الحميم تاجر اللؤلؤ شاهين بن صقر الجلاهمة في العام 1923 والتي بدأها بديباجة الرسائل المعتادة في تلك الفترة، حيث قال: «حضرة الأجل الأمجد حميد المكارم والشيم الأخ المكرم شاهين بن صقر المحترم دام توفيقه. بعد مزيد السلام عليكم ورحمته وبركاته ومغفرته ومرضاته على الدوام، سؤالنا عنكم لايزال، نرجو الله أن تكونوا في أتم الصحة والعافية. وقدمنا لجنابكم هذا الكتاب إعلاماً أنكم لاتزالون بالخاطر واستفساراًَ عن سلامتكم ودمتم محروسين بدوام النعم. وعن السوق في بمبي له مدة واقف والسورتيه (الشريطية كما يطلق عليهم في البحرين كذلك) خارجين طالعين من بمبي وهمتهم متنمرة للعالي لابد يتوجهون لطرفكم وكل أعمالهم ضرار على تجار البلد...».

وهنا نقف عند نقطة مهمة في هذه الرسالة الوثيقة الشاهدة على ذاك العصر الذي بدأ فيه الغش التجاري يغزو سوق اللؤلؤ بين الهند والخليج. فما الذي حدث وجعل التاجر بوشقر يشتكي من (شريطية) الهند وهو كان دائم التعامل مع السوق هناك؟

..يتبع...

العدد 2974 - الأربعاء 27 أكتوبر 2010م الموافق 19 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:58 ص

      احمد

      الغش التجاري انتشر مثل السرطان وخاصة في .............مع الاسف

اقرأ ايضاً