العدد 2974 - الأربعاء 27 أكتوبر 2010م الموافق 19 ذي القعدة 1431هـ

نادر كاظم... وقراءة معمَّقة في الكراهيات وازدهارها

كتاب الباحث البحريني نادر كاظم يشكل قراءة معمقة للكراهيات ومصيرها وازدهارها غير المتوقع في ظل الأنظمة الديمقراطية ويسعى إلى اقتراح حلول لها أو مسكّنات على الأقل.

وأكثر ما يكون نادر كاظم عمقاً في موضوعه يظهر حين يتناول الكراهيات عامة وتلك التي عادت لتشتد خاصة في بلدان أوروبية في هذا العصر.

الكتاب وعنوانه «كراهيات منفلتة... قراءة في مصير الكراهيات العريقة» صدر في 271 صفحة متوسطة القطع عن (الدار العربية للعلوم ناشرون) في بيروت.

الحلول التي يقترحها نادر كاظم قد لا تبدو عملياً في مستوى التحليل والعرض العميقين اللذين قام بهما في بحثه هذا.

ولا يعني هذا القول التقليل من شأن هذه الحلول بل إنها مثالية تختصر كثيراً مما جاءت به الأديان وتستند إلى إيقاظ الوجدان والقيم الخلقية في الإنسان وهذا أمر رائع ومطلوب لكنه في المدى القصير لا يعمل بسرعة كافية كالقرارات العملية التي تتخذها الحكومات لمعالجة سريعة لأمور طارئة بل يترك ذلك للتطور والتبشير وعملهما بطيء دون شك. لكن لابد من القول إن أهمية هذه الخطوات المطلوبة هي أنها أساساً تستند إلى كثير من التعاليم السالفة الذكر.

في مقدمة الكتاب الطويلة والمكثفة التي جاءت أقرب إلى دراسة مهمة حملت عنواناً هو (في الحاجة إلى مراعاة الآخرين) تحدث المؤلف عن كلام لإلبرت إينشتاين بعد أن قرأ كتاب سيجموند فرويد (الحضارة وإحباطاتها) وقال إن إينشتاين «تأثراً بأفكار فرويد ذهب... ذهب إلى القول بأن الحروب ترتكز على رغبة غريزية قوية متجذرة في نفوس البشر تلك هي غريزة الكراهية والتدمير والعدوانية...»

وقال المؤلف «أحرزت البشرية تقدماً مذهلاً على مستويات عديدة إلا أنها مازالت عاجزة عن التقدم بخطى ملموسة على صعيد التعامل مع هذه النوازع العدوانية التي يبدو أنها أعمق تجذراً مما توهم بعض الحداثيين ودعاة التحديث وكثير من الشيوعيين اليوتوبيين (الطوباويين) الذين حلموا في ما مضى بعالم بلا طبقات وبلا عداوات وبلا صراعات وبلا كراهيات...» وتحدثوا عن «مسار ينتهي لا محالة بانتصار البروليتاريا وسيضع هذا الانتصار حدا نهائياً لهذه العدوانيات والتناقضات بين البشر..»

لكن كما قال فإن «هذا الانتصار لم يتحقق كما بشرت به هذه اليوتوبيا والعداوات والتناحرات والكراهيات والأحقاد العنيدة لم تختفِ بل مازالت الكراهيات المنفلتة إلى اليوم قادرة على الاستفزاز والجرح والإيذاء.

«بل إنها ازدادت قدرة على ذلك مع زوال عزلة الجماعات (القوميات والأديان والطوائف)... وتقدم الاتصالات بحيث صارت أخبار الكراهيات وحوادثها تنتقل بسرعة فائقة... وكأن التسهيل اللامتناهي لوسائل المواصلات الذي ابتدعته البرجوازية وراهن عليه الماركسيون في ما بعد قد بدأ يفعل فعله ولكن بطريقة عكسية.

«فالتعصب والتقوقع القوميان لم يتراجعا وموقف العداء داخل الأمة وبين الأمم لم يختفِ والكراهيات بين البشر لم تهتز بل صارت تتغذى على هذا التسهيل اللامتناهي لوسائل المواصلات والاتصالات وتتوسل به بل تطوّعه لصالحها».

واستنتج كاظم من ذلك أن أهم درس يمكن استخلاصه من هذا الأمر «هو أن انتعاش الكراهيات بين البشر إنما كان يستمد قوته من العزلة الجغرافية ومن التقوقع والانكفاء القديمين بين الجماعات وقد تمكنت هذه الجماعات في ظل هذه العزلة من إنتاج كراهياتها وتداولها دون تكاليف باهظة...».

وقال إن تسهيل وسائل المواصلات والتواصل المكثف لم يزِل العزلة بل بقيت قائمة «والكراهيات العريقة مازالت منتعشة».

ورأى المؤلف أن وسائل المواصلات والاتصالات هي وسائل «مرنة وطيِّعة ويمكن استخدامها في خدمة الأغراض المختلفة... بمعنى أن الجماعات تستطيع أن تعيد إنتاج عزلتها وكراهياتها بالاستعانة بهذه الوسائل...»

ورأى أنه لا يمكن إنكار دور تسهيل المواصلات والاتصالات في تقريب البشر «وتقليص المسافات وتجاوز الحدود الجغرافية التي كانت تفصل بينهم إلا أن هذا لا يعني بالضرورة زوال عزلة الجماعات لأن الجماعات قد تتساكن وتتجاور في المكان إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أنها تتعايش وتتواصل فيما بينها...»

أضاف أنه يمكن للتسهيل لوسائل المواصلات ولذلك المجال العام المجزأ أن يؤديا وظيفتهما بطريقة عكسية «فبدل أن يعززا التواصل والانفتاح والعيش المشترك ويهددا بزوال الفواصل وكبت الكراهية إذا بهما يعمّقان عزلة الجماعات الافتراضية والمتخيلة ويعيدان إنتاج التواصل والتنافر والكراهيات والحساسيات المتبادلة...»

واستغرب الباحث أن تكون الكراهية قد استشرت والعنصرية كذلك «مع انتشار الديمقراطية في العالم ما بعد الشيوعي...» وتساءل «هل هذه ظاهرة طبيعية؟ هل يمكن تفسيرها من خلال القول إن الديمقراطية تسمح بحرية التعبير ...؟»

ورأى أن الديمقراطية ليست مجرد انتخابات وتمثيل سياسي وتداول السلطة وغيرها «وذلك بمعزل عن جوهر فكرة الديمقراطية هذا الجوهر الذي يقول بأن الديمقراطية ينبغي أن تقوم على ضمان احترام كرامة الإنسان والاعتراف بأن البشر غايات جديرة بالاحترام بحد ذاتها...»

وتبنى نادر كاظم ما سمّي ضرورة مراعاة الآخرين «وأخذهم بعين الاعتبار من أجل التعامل معهم باحترام يليق بهم الأمر الذي يحفظ للناس كرامتهم الإنسانية ويؤمن لهم العيش المشترك...».

وانطلاقاً من شبه «تسليم» غير مبرر من الكاتب بصحة ما قال به إينشتاين وفرويد في هذا المجال ودون نقاش لآرائهما التي بنى عليها المؤلف كثيراً من نظريته وكأنها مسلّمات أو أقدار نهائية رأى أنه إذا كان صحيحاً أن البشر عاجزون عن اقتلاع جذور هذه الكراهية من نفوسهم بصورة كلية «فالصحيح أيضاً أن هذا العجز ليس مبرراً للانسياق وراء متطلبات هذه النوازع ولا للتسليم لها وعدم مقاومتها. فقد نكون غير قادرين على اقتلاع هذه النوازع من جذورها لكننا لسنا عاجزين عن مقاومتها وتحدّيها».

من الخلاصات التي توصل إليها المؤلف ما بدا أشبه بدعوة إلى «مسيحية» لم يأخذها المؤلف عن السيد المسيح بل عن فيلسوف غير مسيحي هو الهولندي باروخ سبينوزا (1632-1677) فقال «سبق لسبينوزا أن قال (إن الكراهية تزداد إذا قوبلت بالكراهية لكنها تزول إذا قوبلت بالحب) ويعد الرد على الكراهية بالحب فضيلة عظمى... إلا أنها فضيلة قد تكون فوق طاقة الكثيرين من البشر».

وردّ على سبينوزا بموقف شبه ديني أيضاً فقال «أما ما هو في متناول عموم البشر فهو المعاملة بالمثل حيث يردّ على الاحترام باحترام مماثل إلا أن العيب في أخلاق المعاملة بالمثل أن الكراهية في المقابل سيردّ عليها بكراهية مضادة...».

يبدو لنا إذن من هذا القول أنه لابد من مقابلة الكراهية بالمحبة.

العدد 2974 - الأربعاء 27 أكتوبر 2010م الموافق 19 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً