العدد 2984 - السبت 06 نوفمبر 2010م الموافق 30 ذي القعدة 1431هـ

مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية يصدر تقريراً عن أمن الطاقة

بعنوان «أمن الطاقة في دول الخليج بين الحقيقة والوهم»

الصخير - مركز البحرين للدراسات 

06 نوفمبر 2010

أصدر مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة تقريراً يسلط الضوء على بعض أبعاد قضية أمن الطاقة كموضوع استراتيجي يهم منطقة الخليج العربي وأوروبا وآسيا والولايات المتحدة وغيرها.

ويأتي هذا التقرير مع قرب فعاليات المؤتمر الدولي «أمن الطاقة: آفاق التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية» يومي التاسع والعاشر من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري تحت رعاية نائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة، وبتنظيم مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي ومركز الخليج للأبحاث لمناقشة عدد من القضايا النفطية المهمة.

وأطر التقرير الاهتمام بأمن الطاقة وقضاياها المتشعبة من الناحية التاريخية إلى عشية الحرب العالمية الأولى، العام 1914 حين اتخذ الزعيم البريطاني ونستون تشرتشل، وكان في حينها وزيرا للبحرية، قرارا بتحويل طاقة اسطول البحرية التي كانت تعمل بالفحم إلى العمل على النفط الخام، لجعل الأسطول البريطاني أسرع وأكفأ من نظيرتها الألمانية.

ومنذ ذلك التاريخ، بدأ الاهتمام المتصاعد بأمن الطاقة. إن مرد الاهتمام بهذا الموضوع لا يعزا فقط إلى اختلال التوازن بين عرض الإمدادات والطلب عليه في السوق وما رافقه من ارتفاع مطرد في الأسعار الذي لامس عتبة الـ 150 دولاراً للبرميل في أغسطس/ آب من العام 2008، بل يمكن أن يعزا كذلك إلى أن أمن الطاقة أصبح مرادفا لعدم اليقين في بعض الدول المصدرة وإلى السباق والتنافس الجيوسياسي والتهديدات الإرهابية وحاجة الدول للطاقة لتعزيز النمو الاقتصادي. ولعل الطلب المتعاظم للطاقة في الصين لتعزيز عملية النمو الاقتصادي فيها يُعد من أبرز الأمثلة على ذلك، لاسيما وأن الصين كانت وحتى وقت قريب مصدراً صافياً للنفط، بيدَ أن ذلك تغير جذريا في السنوات القليلة الماضية، مع ارتفاع الاستهلاك على النفط فيها إلى أكثر من 7 ملايين برميل يوميا متجاوزة في ذلك اليابان، التي كانت حتى وقت قريب ثاني أكبر مستهلك للطاقة في العالم. وتشير التقديرات إلى أن الصين بمعدلات النمو الاقتصادي الحالية التي تقترب من 10 في المئة سنويا يمكنها أن تتجاوز الولايات المتحدة الأميركية المستهلك الأول للطاقة في العالم بحلول 2025.

وعودا على بدء، ينظر إلى التهديدات الإرهابية التي طالما تصدر عن تنظيم القاعدة باستهداف مفاصل الاقتصاد العالمي وبنيته التحتية بما في ذلك المرافق النفطية ومصافي التكرير كأحد مصادر عدم الاستقرار لسلامة إمدادات الطاقة. إلى ذلك فإن العالم آخذ بالاعتماد على مصادر طاقة من دول مازالت نظم الأمن فيها قيد التطوير. وتبرز بين الآونة والأخرى خلافات سياسية تؤثر بشكل غير محسوب أو متوقع على تدفق الطاقة وانسيابها، ولعل مثال ذلك ما حصل في مطلع 2008 من خلاف بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا حول تسعير الغاز الطبيعي وإلى توقف إمدادات الغاز المتجهة إلى أوروبا ولاسيما إمداداتها إلى بولندا وألمانيا.

إن تجليات أمن إمدادات الطاقة لا تتوقف عند هذا الحد فقط بل تمتد لتشمل مع النمو المتسارع في تجارة الطاقة ما يعرف بـ «نقاط الاختناق» Transit Choke Points عبر الممرات البحرية. ومن أهمها مضيق هرمز والتي يمر من خلالها أكثر من 17 مليون برميل يوميا أو ما يعادل 40 في المئة من تجارة النفط البحرية. ومن نقاط الاختناق الأخرى التي لا تقل أهمية عن مضيق هرمز كل من مضيق مالقة الذي يربط شبه القارة الهندية بشواطئ المحيط الهادي، مضيق باب المندب الذي يربط بحر العرب بالبحر الأحمر، ومضيق البوسفور الذي يربط البحر الأسود وبحر قزوين بالدول المطلة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط.

دول الخليج العربي بما حباها الله من ثروات طبيعية تحتل اليوم أهمية فائقة قدر تعلق الأمر بالطاقة، ولا غرو في ذلك لاسيما أن دول الخليج (بالإضافة إلى العراق وإيران) لديها من الاحتياطات النفطية المؤكدة، كما في نهاية العام 2009 ما يصل إلى 754 مليار برميل أي ما يعادل 57 في المئة من الاحتياطات العالمية المؤكدة المقدرة بـ 1333 مليار برميل. في حين يصل إنتاج النفط فيها إلى أكثر من 24.5 مليون برميل يوميا حسب آخر البيانات المتاحة، أو ما يعادل 30 في المئة من الإنتاج العالمي.

إزاء هذه المعطيات أضحت منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي تحتل أهمية قصوى في الجدل المحتدم حول أمن إمدادات النفط. إن أحد الأشكال التي يقوّم فيها أمن الطاقة، بالإضافة إلى ما يبرز إلى السطح بين الآونة والأخرى من دعوات تنذر بقرب نضوب النفط وهم أنصار ما يعرف بنظرية (ذروة النفط) Peak Oil Theory هو درجة الاعتماد على الواردات (Degree of Dependency). ومن هنا احتلت دول الخليج والشرق الأوسط القدح المعلا لاعتماد العديد من دول العالم عليها في تأمين إمداداتها. ولاتزال ماثلة في الأذهان التصريحات الشهيرة التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في خطابه عن حالة الاتحاد العام 2004 بما مفاده أن: الولايات المتحدة أصبحت مدمنة على النفط الذي ما فتئ يأتيها من بعض المناطق غير المستقرة ما يهدد الأمن القومي للولايات المتحدة، مضيفاً أن الولايات المتحدة ومن خلال التطورات الهائلة في التكنولوجيا عاقدة العزم على تقليل اعتمادها على نفط الشرق الأوسط بنسبة تصل إلى 75 في المئة بحلول العام 2025.

إن هذه الشكوك حول عدم ضمان التدفق الآمن والمستقر من دول الشرق الأوسط تغذيها عوامل عديدة لعل أبرزها احتلال العراق للكويت العام 1990 وما ترتب عليه من فقدان السوق لكميات تراكمية خلال العام 1990/ 1991 تربو على 420 مليون برميل، ناهيك عن الحرب العراقية الإيرانية التي شهدت في بداياتها تراجعاً في إنتاج وتصدير البلدين.

وقد سارعت دول الخليج في كلتا الحالتين خاصة السعودية بالاستجابة الفورية لنقص الإمدادات في السوق من خلال توظيف طاقتها الإنتاجية الفائضة والتي وصلت إلى 5 ملايين برميل يوميا إبان الأيام الأولى للغزو العراقي لدولة الكويت. وقد لعبت السعودية بذلك ما يعرف بـ «المنتج المتمم»Swing Producer في السوق، ما أفضى إلى احتواء النقص المحتمل في إمدادات السوق العالمية.

إن نظام أمن الطاقة العالمي كما هو معمول به اليوم جاء كردة فعل لحرب أكتوبر العام 1973 حين أشهر العرب لأول مرة في تاريخهم وبشكل فعال وناجع سلاح النفط من خلال فرض الحظر النفطي على الدول الموالية لإسرائيل. وكان من نتائج ذلك وبنصيحة من مستشار الأمن القومي الأميركي هنري كيسنجر إنشاء ما يعرف بـ «وكالة الطاقة الدولية» العام 1974 التي تتخذ من العاصمة الفرنسية باريس مقراً لها والتي تضم في عضويتها اليوم 28 دولة أوروبية. وتعمل الوكالة المذكورة كمنسق لسياسات الطاقة في الدول الأعضاء فيها بما يضمن التدفق الآمن والموثوق للإمدادات من خلال توظيف ما يعرف بآلية احتياطيات الطوارئ والتي تعادل 90 يوما من صافي الواردات.

بيدَ أن إطلاق التعميمات المغلوطة ذات الطابع النمطي والتي طالما تتردد في وسائل الإعلام الغربية متشدقة بأن إمدادات الطاقة من دول الخليج والشرق الأوسط هي بالضرورة غير مستقرة يجانبها الصواب.

إن أيّ متتبع للتاريخ القريب لسجل الدول المنتجة للنفط يميط اللثام عن حقيقة لا يمكن إنكارها وهي أن أغلب الاضطرابات التي تشهدها الدول النفطية تنحصر في دول خارج منظومة الخليج العربي والشرق الأوسط منها على سبيل المثال لا الحصر الإضرابات العمالية لعمال النفط التي شهدتها فنزويلا العام2002 احتجاجا على ترشيح الرئيس الفنزويلي شافيز لولاية ثانية، كان من نتائجه تراجع الإنتاج فيها إلى أكثر من الثلث. كما تشهد نيجيريا أكبر دولة نفطية في إفريقيا قلاقل مستمرة من قبل المتمردين الانفصاليين في حوض دلتا النيجر مما تسبب في تراجع صادراتها للولايات المتحدة. كما تلوح في الأفق حاليا التهديدات الإيرانية حول إيقاف الملاحة في الخليج على خلفية التطورات في ملفها النووي، أضف إلى ذلك، فإن منطقتنا العربية في الخليج بخلاف المناطق الجغرافية الأخرى هي في منأى عن الأعاصير كإعصار كاترينا الذي ضرب خليج المكسيك صيف العام 2005، كما أن منطقتنا يندر أن تشهد توقفاً في إنتاجها لأسباب فنية بخلاف ما حصل مؤخرا في أميركا في حادث المنصة الشهير Deepwater Horizon التابع لشركة بي بي والذي كان من نتائجه تسرب كبير للنفط في المياه العميقة قبالة شواطئ فلوريدا وحدوث أضرار بيئية كبيرة لا تحمد عقباها.

خلاصة القول إن الإمدادات التي مصدرها دول الخليج العربي هي إمدادات موثوقة يشهد على ذلك سجلها التاريخي الممتد لعقود طويلة خلت.

حرصت منظمة الأقطار المصدرة للبترول، أوبك، منذ إنشائها العام 1960 في بغداد والتي احتفلت قبل أيام بيوبيلها الذهبي بمرور خمسين عاماً على إنشائها، حرصت على تأمين استقرار السوق من خلال إمداده بما هو مطلوب لتحقيق التوازن دون الإخلال بأسعار النفط. ولبلوغ ذلك تجهد الأقطار الخليجية والعربية الأخرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على الاستثمار الرأسمالي في مشاريع الطاقة المتعددة، إذ تشير المنظمة العربية للاستثمارات البترولية (أبيكورب) إلى إنفاق أكثر من 478 مليار دولار لهذا الغرض خلال الفترة 2011 - 2015 تتركز أغلبها في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر بالإضافة إلى دول أخرى كالعراق والكويت والجزائر. إلا أن الاضطلاع بمثل هذه المشاريع الباهظة التكلفة يستوجب توافر ما يعرف بأمن الطلب على الإنتاج (Security of Demand) أسوة بأمن المعروض من الإمدادات (Security of Supply) التي تشدد عليه باستمرار الدول الغربية المستوردة للطاقة.

إن المراقب للسوق النفطية اليوم يجد بروز رؤية أو شبه إجماع بين دول الأعضاء في أوبك وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم، بتأمين الاستقرار الآمن للإمدادات بما يلبي حاجة السوق من ناحية دون الإضرار بنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي من خلال الدفاع على مدى أو نطاق سعري يتراوح بين 70 - 80 دولاراً للبرميل، وهو سعر عادل يلبي إلى حد كبير متطلبات الموازنة العامة لغالبية الدول الخليجية، كما يلبي طموح الشركات النفطية العالمية بما يضمن لها الولوج في استثماراتها النفطية وخاصة في المياه العميقة وفي الحقول الحدية التي يصعب التنقيب فيها. بعد عقود من الاتهامات والاتهامات المضادة تحملت فيها الدول النفطية العربية وزر الافتراءات الكثيرة عند حدوث قلاقل في السوق كما كان يحصل حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي شهدت الفترة منذ مطلع التسعينيات تغليب لغة الحوار والتعاون بين الدول المنتجة والدول المصدرة بلغت ذروتها في إنشاء (منتدى الطاقة العالمي) الذي اتخذ من العاصمة السعودية الرياض مقرا له بدءاً من العام 2005 لتعزيز أمن الطاقة. هذا، وقد لعبت دول مجلس التعاون الخليجي العربية دورا بارزا في تفعيل الحوار مع دول مستوردة للطاقة والذي شمل في السنوات الأخيرة التعاون في هذا المضمار مع دول الاتحاد الأوروبي ووكالة الطاقة الدولية ومجموعة العشرين بالإضافة إلى الدول المنتجة خارج أوبك كالنرويج والمكسيك وروسيا. نخلص مما ورد إلى أن التعاون بين الدول المنتجة والدول المصدرة أضحى ضرورة حتمية يمليها واقع عالمنا اليوم الذي جعلت منه العولمة قرية صغيرة مما يجعل من الاعتماد المتبادل واقعاً لا يمكن إنكاره. إن العمل يدا بيد في تأمين تدفق آمن للإمدادات من خلال الحوار وتعزيز الشفافية في نشر المعلومات والبيانات وتبادلها سيجعل من هدف تحقيق أمن الإمدادات في متناول الجميع.


وزير الخارجية يشارك في منتدى عن الطاقة والأمن

المنامة - وزارة الخارجية

شارك وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة في الدورة الأولى من منتدى صير بني ياس تحت شعار (منطقة الشرق الأوسط... الطاقة والأمن) الذي انطلقت أعماله أمس بدولة الإمارات العربية المتحدة بالتعاون مع (معهد السلام الدولي).

وحضر المنتدى عدد من وزراء الخارجية من منطقة الشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا وآسيا، بالإضافة إلى خبراء دوليين ورواد في مجال الأعمال.

وقد ألقى وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان كلمة في افتتاح المنتدى رحب فيها بالحضور والمشاركين، وأكد أهمية مثل هذه المنتديات لخلق مناخ خاص للنقاشات الهادفة بين صناع السياسة والرأي ورواد مجال الأعمال حول التحديات المحورية التي تواجه قضايا السلم والأمن في منطقة الشرق الأوسط، كما ألقى رئيس معهد السلام الدولي تيري رود لارسن كلمة خلال المنتدى استعرض من خلالها المحاور التي سيتم مناقشتها خلال المنتدى

العدد 2984 - السبت 06 نوفمبر 2010م الموافق 30 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً