العدد 1121 - الجمعة 30 سبتمبر 2005م الموافق 26 شعبان 1426هـ

عقوبة واشنطن!

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

للسياسة منطقها الخاص، والساسة يهتمون بالنتائج أكثر من اهتمامهم بالأسباب وطرق الوصول لهذه النتائج، السياسة بطبعها ذرائعية نفعية، وهذه الذرائعية تختلف عن الثقافة والفكر، فالمثقفون يهتمون بالحقيقة، أما الساسة فهم أولئك الذين تجاوزوا مرحلة البحث، ووصلوا للحقيقة، وهم بالتالي يسعون إلى نشرها. ريتشارد نيكسون عندما أصدر كتابه وفيه صور المركزية الأميركية كتب لنا "إن الولايات المتحدة هي التي ستتحمل المسئولية في تحديد أي المواريث سيحظى بفرصة البقاء، وذلك لأنها أقوى دولة في العالم الحر، والسلام والحرية لا يمكن أن يستمرا في العالم إذا لم تقم الولايات المتحدة بالقيادة الدولية الأولى، وسواء أحببنا أم كرهنا فإن مهمة القيادة تقع على عاتق الولايات المتحدة. إن القوة هي التي تدفع العالم صوب الخير أو الشر، وعلينا أن نكف عن الإحساس بالذنب بسبب أننا الأقوى". وكذلك فعل بيل كلينتون عندما تبنى مفهوم الزعامة الكونية، وهي التي أنطقته بالقول: "إنني أريد أن تبقى الولايات المتحدة المكان الآمن وأن تظل القوة الأولى في العالم". وهكذا تنبثق البراغماتية بتأصيل مسبق لمهندس السياسة الخارجية الأميركية "هنري كيسنجر" في منتجه الفريد "الدبلوماسية". صحيح أن دخول الولايات المتحدة الاميركية إلى الدبلوماسية العالمية، كان عبر نسف قدسية العلاقة بين نبل الاكتشاف العلمي ووضاعة القتل الجماعي، إذ كان التدخل الأميركي في الحرب العالمية الثانية، بداية التغول الامبراطوري، وأولى استعراضات الامبراطورية شراسة وتهور، إلا أن هذه الحادثة "المتهورة"، تبعتها دبلوماسية أقل كارثية، صيرتنا هذه الدبلوماسية غير مقتنعين تماما بأن نصف مجمل السلوك الأميركي هو سلوك امبراطوري، ولو في أنها دبلوماسية تغتال البشر بالموت البطيء على مراحل لا نحس بها إلا نادرا.

عقاب الامبراطورية

التاريخ كفيل بعقاب الولايات المتحدة على خياراتها السياسية، لا يمكن لنا أن نتنبأ بالتاريخ وردود فعله، لذلك لا يمكن لنا أن نتخيل أن الولايات المتحدة في منطقة آمنة على الدوام، ثمة أخطار يحملها التاريخ لها من دون أن تنتبه لها، كانت حوادث فيتنام هي أولى عقوبات التاريخ ومن ثم حوادث سبتمبر/ أيلول والبقية تأتي، ليس مهما أن نتعرف على تلك الشخصية التي ستعرقل أرجل الأميركيين لكننا واثقون من أن ثمة في التاريخ أشياء لا نتوقعها، وأشياء أخرى نتوقعها، لكنها في حقيقتها مجرد "خيال"!. الولايات المتحدة حضور سياسي تاريخي، وهو فعلا أكثر قوة وهيمنة مما تتخيل بعض الأقلام الخرفة، لا يمكن أن يكون المشهد السياسي حين يدار ضد الولايات المتحدة مشهدا "غبيا" كأن تستطيع أي من القوى السياسية "الصغيرة" القيام بهذا الدور، لا يمكن أن تحصر بعض الأقلام سيناريو الصراع التاريخي في دولة جديدة تقوم بالقضاء على الولايات المتحدة الأميركية، ولا أدري لماذا تصر تلك الروئ السياسية على تعميق هذا السيناريو وترسيخه، فعليا لم تكن الولايات المتحدة منتصرة على الاتحاد السوفياتي عبر معركة عسكرية، لذلك ليس من الضروري أن نحيل المشهد إلى معركة عسكرية دامية، فالسياسة تمتلك من أدوات الحسم والقطع والإنهاء ما هو أكثر من قوة من أداة الصراع العسكري المباشر. السياسة الخارجية الأميركية سياسة معقدة، سياسة ديناميكية بالدرجة الأولى، السياسة الأميركية تصنع ما تريد أن تصنع، وهي ذاتها من يتولى عملية الهدم متى ما أرادت ذلك. عمليات الصنع أو الهدم لا تخضع لسياسات طويلة الأمد، لا توجد شراكات دائمة أو عداوات متصلة. تجتمع الكثير من النظم المكونة للنظام السياسي الأميركي لتبلور منطقة واسعة من الخيارات السياسية التي لا تحتمل البقاء أو المراهنة على خريطة سياسية دون الأخرى، ما يتيح للأميركيين القدرة على تعديل المواقف بوجود خاصيتين مهمتين، الأولى ان هذا التغيير في المواقف لا يستهلك زخما إعلاميا مضادا، والثانية أنها في الكثير من خياراتها أو تقلباتها السياسية لا تحتاج إلى الكثير من الوقت لكسب مجمل الرأي العام الأميركي، الظاهر لي أن المجتمع الأميركي يثق بحكومته كثيرا، ما يتيح لها سهولة التحرك وتعديل الخيارات من دون عناء، فلو كانت الخيارات السياسية تتجه نحو الأطر الدبلوماسية أو الحرب فالأمر سيان.

خجل السؤال

السؤال الذي نخجل منه في الغالب، يكون بطبيعة الحال متعلقا بردة الفعل الاستراتيجية التي أسعى أن أسس لها عبر هذا السرد التحليلي للسلوك السياسي الأميركي، وأعتقد أن السلوك السياسي المتزن يفرض علينا في منطقة الشرق الأوسط أن نلعب في مجريات اللانظام العالمي الجديد بالأدوات التي يلعب بها ذاتها، بمعنى أن الخيار اليوم ليس خيار مواجهة أو خيار حوار حضارات "خائب"، الاتجاه السياسي يذهب اليوم بالعالم في ظل قيادة الولايات المتحدة إلى نموذج سياسي دولي أوحد، هذا ما يفرض علينا أن نساهم في صوغ هذه اللقطة التاريخية للإنسانية، لا أن نحاول فرض "تاريخنا وثقافتنا ومصالحنا"، علينا أن نمارس مفهوم "الكبسلة" وهو سلوك الكائنات الأولية حين لا تستطيع التفاعل أو التعايش مع محيطها الخارجي، بمعنى أن خيارنا السياسي لابد أن يكون مشاركا في صناعة القرار ولو كان هذا الخيار يحتمل خسارة بعض الأوراق التي تعودنا على الاستمراض السياسي في صالحها. خيار اليوم لابد أن يكون التجاوز والقطع والبتر لمتعلقات الثأر في الشخصية العربية، نحو تأسيس مرحلة تاريخية جديدة مفصلية وقطعية مع خيارات شيوخ السياسة والصحافة والتحليل السياسي المريض بالقومية والعروبة والإقليمية والمصير المشترك لكل شعوب المنطقة. لابد لنا أن نؤسس خطابا سياسيا متجاوزا الرعيل السابق من الكتاب والساسة والصحافيين "منتهي الصلاحية" نحو أفق جديد يتلاءم مع ما يعيشه المجتمع من حداثة اجتماعية بارزة وواضحة للعيان. علينا أن نحاول ضبط الإيقاع السياسي في أنماط سياسية جديدة قادرة على إدارة إرث المرحلة السياسي بعلمية وعقلانية. * كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1121 - الجمعة 30 سبتمبر 2005م الموافق 26 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً