العدد 1126 - الأربعاء 05 أكتوبر 2005م الموافق 02 رمضان 1426هـ

"جارية" أوروبا

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أخيرا وافق الاتحاد الأوروبي على بدء مفاوضات قبول تركيا عضوا في القارة. وبدء مفاوضات الانضمام قد يمتد لمدة طويلة يتوقع ألا تقل عن عشر سنوات. وهذا يعني أن الوقت الممتد زمنيا قد يؤسس اعتراضات جديدة تعطل القرار أو تؤجله إلى فترة لا يعلم إلا الله متى تنتهي. بغض النظر عن النتيجة النهائية للمفاوضات سيبقى السؤال يدور حول الهوية التركية المطلوبة شرطا لقبولها. والدور المطلوب منها في القارة. والموقع الذي ستحتله في الاتحاد. وكيف سيتم التعامل معها في إطار سلسلة حلقات من الدول تنظر بعين الريبة لوافد غريب مشكوك في أمره. وفي النهاية ما معنى أن تقبل تركيا في الاتحاد أو لا تقبل مادامت النظرة إليها تأتي من زاوية غير مطمئنة لموقعها ودورها. وما الفائدة من دخول تركيا النادي الأوروبي "المسيحي/ العلماني" إذا أصر الاتحاد على التمسك بمقولة أبناء الست وأبناء الجارية. فتركيا مهما فعلت ستبقى "جارية" أوروبا ينظر إليها نظرة استعلائية من دول أقل شأنا. وستبقى تركيا تنظر إلى الاتحاد نظرة دونية الاحساس بالنقص على رغم مكانتها التاريخية ودورها المميز في صنع تاريخ أوروبا الحديث. فتركيا "العثمانية" كانت الدولة الأولى في العالم إلى فترة طويلة واستمرت تحتل المواقع المتقدمة والمركزية في مصاف الدول الكبرى إلى أن قامت جمعية "الاتحاد والترقي" بالانقلاب على السلطنة في العام 1907/ .1908 ومنذ الانقلاب العسكري على شرعية الدولة ورموزها التقليدية وبدء الجنرالات في تقطيع أوصالها والقطع مع تاريخها بدأت تركيا بالهبوط والتراجع وصولا إلى الدرجة التي استقرت عليها الآن. سياسة القطع مع التاريخ التي لجأت إليها النخبة العسكرية/ العلمانية أسهمت في تعطيل الدور القيادي لتركيا "العثمانية" ودفعت بالدولة نحو الانهيار والتفكك وتحولت من قوة تحسب أوروبا لها ألف حساب إلى شريد يبحث عن لجوء سياسي/ اقتصادي في منظومة قلقة وتعيش حالات اضطراب ولم تتفق على هويتها الثقافية الجامعة. تركيا الآن دولة تابعة بعد أن كانت في عهد السلطنة دولة متبوعة. وهي طلبت عضوية الاتحاد وقدمت التنازلات تلو التنازلات ولم تنجح حتى اللحظة في كسب عطف أوروبا. فالدولة قطعت على مستوى الدستور كل ما يتصل بتلك الأعراف المورثة والتقاليد العثمانية ولكن المجتمع لايزال يعيش في وقت غير مقطوع عن الإسلام. فالمجتمع يمانع والدولة تدفع باتجاه قارة كانت على عداء سياسي/ تاريخي مع قوة نجحت في مواجهة أوروبا منفردة في يوم من الأيام. معركة تركيا إذا مزدوجة. فهناك مواجهة خفية بين الدولة "النخبة العسكرية" والمجتمع "الإسلامي" على تحديد الأسس التاريخية لهوية الجمهورية. وهناك مواجهة معلنة بين تركيا "الدولة والمجتمع" وقارة مترددة في قبول وافد غريب لا يمتلك تلك الشروط "المواصفات" المطلوبة لتعطى له بطاقة هوية أوروبية. ومشكلة تركيا لا تقتصر على معركتها المزدوجة وإنما تمتد لتتصل بتلك الهوية الجامعة التي يطلق عليها مجازا "أوروبية". فالهوية الأوروبية حتى الآن لاتزال في طور الإنجاز وهي لم تتبلور في صيغة واضحة المعالم. فالدول الأوروبية "المركزية تحديدا" مختلفة حتى الآن على الدستور. وهناك اعتراضات من جهات مختلفة عليه. وبعض الدول تطالب بإلغاء الكثير من الاتفاقات التي توافق عليها الاتحاد. وبعضها الآخر ينظر بريبة إلى سياسات البعض الآخر. بريطانيا مثلا لا تثق بفرنسا. وفرنسا تتخوف من نمو قوة ألمانيا. وأوروبا الجنوبية تعيش عقد نقص من تفوق أوروبا الشمالية. وأوروبا الشرقية الوافدة حديثا من معسكرها الاشتراكي لم تستقر على صيغة تضمن لها موقعها الخاص في إطار الاتحاد. وهكذا. في مثل هذه الفضاءات المتوترة التي قد تتحول في لحظة ما إلى نقطة طلاق بين الدول يفتح الباب على زاوية ضيقة لا تسمح لدولة كبيرة "تركيا" بالدخول منها. فالزاوية ملتوية وحادة وأصغر بكثير من حجم تركيا ووزنها وموقعها ودورها واقتصادها وأيضا كثافتها البشرية "الدولة الثانية بعد ألمانيا"... ومع ذلك تصر حكومة أنقرة "الإسلامية" على إدخال رأسها من فتحة الباب وإبقاء جسمها خارج المنظومة إلى فترة زمنية ليست قصيرة. هناك مشكلة مركبة وخطورتها أنها تبدأ في بروكسل "عاصمة الاتحاد" وتنتهي في الأناضول. وهذه هي البداية وربما تمتد سنوات طويلة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1126 - الأربعاء 05 أكتوبر 2005م الموافق 02 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً