العدد 1142 - الجمعة 21 أكتوبر 2005م الموافق 18 رمضان 1426هـ

الحياة لا توزع منحاً أو هبات

للشاعر والفنان البريطاني وليام بلايك، مقولة تكتنز بالكثير من الدلالات، نصها: «لا يبالغ طائر في تحليقه إذا اكتفى بجناحيه». إلا أن كثيراً من البشر اليوم «يستكثرون» عليك تحقيق نجاح أو إنجاز في حقل من الحقول، على رغم أنك حققت ما حققته بفضل من الله أولا، وبما أوتيت من إمكانات سخّرتها ووظفتها في طرقها الصحيحة وعملت على تطويرها، واستثمرتها وراكمتها لتكون لك عوناً ودليلاً في تجاوز ما أنجزته إلى الأفضل والأميز.

الحياة لا توزع منحاً أو هبات، ما لم تبادر أنت بجهدك وسعيك نحو انتزاعها بما أوتيت من كفاءة وقدرة على فعل الانتزاع، ليس بمعناه الفظ ومدلوله التسلطي، ولكن بمعنى التهيئة النفسية والعقلية والجسدية، كأدوات فاعلة لتحقيق فعل الانتزاع ذاك. ولأن الحياة لا توزع منحا أو هبات ذات اليمين وذات الشمال، ولأن كثيرين ينتظرون مثل تلك المنح والهبات من دون مبادرات أو محاولات أو حتى مجرد حركة، تحضر النعوت والتوصيفات، ويرتجل النظر ارتجالاً إلى الذين أنجزوا بجهدهم وعرقهم وإمكاناتهم، مثل أولئك المنتظرين لمنح وهبات الحياة، يغلب عليهم الشعور بطول الأمد والبقاء، بحيث لا يجدون بأساً في ضياع السانح من الفرص، على العكس تماماً من الصانعين لتلك المنح والهبات، ما يستدعي التأمل والوقوف أمام كلمة لأحد الحكماء: «لا شيء يجعل المرء أوفر إنتاجاً أكثر من شعوره باقتراب اللحظة الأخيرة».

تتيح لك أجواء الشهر الفضيل أن تكون أكثر توازناً وإدراكاً ووعياً لعاقبات القول والفعل، بما تتوافر فيه من أجواء إيمانية تبعث على الطمأنينة والارتياح والتوازن النفسي والقدرة على ضبط الانفعالات وما يرتبط وينتج عنها، على رغم أن الواحد منا يمكنه أن يجعل من الشهر الكريم نقطة انطلاق لسلوك وتعاط موحد مع ضبط الانفعالات تلك، وتحقيق التوازن الذي يكاد يكون مفقوداً طوال شهراً في العام.

أسوق تلك المقدمة لأشير مرة ثانية وثالثة وربما عاشرة إلى المستوى الذي لا يفرّق فيه بعض البشر بين طبيعة الأجواء الإيمانية واشتراطاتها وغنائمها في فترة من العام دون أخرى، ويبدو أنهم غير مستعدين إطلاقاً الى الدخول في تلك التجربة لأنهم أساساً غير مؤسسين ومهيئين لمثل ذلك التوازن، فتراهم يشطحون ويتجاوزون ويسلطون ألسنتهم فيما يضر ولا ينفع، يفرّق ولا يجمع، بتعمّد تصعيد قاموس الشتائم من دون أن يطرف لهم جفن، فيما هم من المفترض أن يكونوا في موقع المسئولية بغض النظر عن رؤيتنا لنتاج وحركية ودور تلك المسئولية التي هبط عليهم «ببراشوت»، فقراءة سريعة لما تتضمنه أعمدتهم من شتائم بالجملة والمفرق، ومن همز ولمز، وتغذية لنار الفتن التي جبلوا عليها، بلغة مريضة سقيمة يترفّع عنها حتى الذين لم يؤتوا نصيباً أو حظاً من التربية، تكشف عن درجة متقدمة وحرجة من المرض بلغوها.

بعض الزملاء أشار إلى ان تجاهل تلك العيّنة من البشر وأنصاف الكتّاب، هو أفضل طريقة للتعريف بوزنهم ومكانتهم التي لا تساوي شيئاً بتعمّدهم لأسلوب الشتائم المستمرة لسبب أو من دون سبب، وقد يكون جانب من الإشارة صائباً، إلا أنه على خلاف ذلك في جانب منه، إذ ترك تلك العيّنة من «الكتّاب» - وأضع الكلمة بين هلالين كي أميز بينهم وبين الكتّاب الحقيقيين الفاعلين، الذين يرجون الخير كل الخير للوطن والساحة الشعرية الشعبية في البحرين - تعيث في أعمدتها فساداً يمنحها مثل ذلك الصمت بطاقة دعوة للاستمرار من دون رادع، ويبدو أن الأيام القليلة المقبلة ستكشف عن ضرورة تسمية الأشياء بأسمائها تصريحاً لا تلميحاً، «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» (الشعراء:).

لن نكل ولن نمل من مناكفة واستفزاز وزارة الإعلام، مادامت مصرة على التعامل مع ما ينشر من ملاحظات ومؤاخذات على أدائها بأذن من طين وأخرى من عجين، إذ لم يعد مقبولاً أو مقنعاً في ظل التحولات الإعلامية المتسارعة وإشاعة الفضاء، لاتزال الوزارة تتعامل بعقلية ورؤية بدايات السبعينات من القرن الماضي، في ظل تكدّس الكفاءات البحرينية المهمّشة والمعزولة عن أداء دورها الحقيقي الذي يرجى من خلاله تحريك الراكد في ساحة المملكة.

محاولة الوزارة تهميش شريحة كبيرة من الشعراء الشعبيين والباحثين في هذا المجال، يكشف عن الإصرار على الكيل بمكيالين غير منصفين في واقع الأمر، فإلى متى تظل وزارة الإعلام تتذكر وجود تلك الشريحة في حال عقدت النية لإحياء المهرجانات لينفض بعدها السامر وكأنّ الأمر لا يعنيها في شيء حتى قيام مهرجان آخر في العام الذي يليه؟

العدد 1142 - الجمعة 21 أكتوبر 2005م الموافق 18 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً