العدد 1144 - الأحد 23 أكتوبر 2005م الموافق 20 رمضان 1426هـ

الاقتصاد البحريني... مفتاح الحل لأقفال السياسة الوطنية

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

في مقالهما المهم بعنوان: "اقتصاد مفتوح. .. مجتمع مغلق" يذهب جورج داونز وبروس مسكيتا إلى الاعتقاد بأن تحرير الأسواق هو أول خطوة باتجاه الديمقراطية، إذ ان الانفتاح الاقتصادي يقود إلى ظهور الطبقة الوسطى المثقفة وذات العقلية التجارية، وهذه الطبقة مع الوقت ستطالب بالمزيد والمزيد من السيطرة على مصيرها. وإذا ما قمنا باستثناء "الصين" لسبب بسيط وهو نمو جيل جديد من المثقفين الصينيين المستبدين، والذين توصلوا إلى استراتيجية مكنتهم من التمتع بمزايا النمو الاقتصادي وفي الوقت نفسه تأجيل ظهور ديمقراطية منافسة حقيقية، فإننا نستطيع تعميم هذه الرؤية بشكل مقبول. بحسب المقال المهم السالف الذكر ليست الحياة السياسية الديمقراطية أكثر من نشاطات، مثل نشر المعلومات، وتنظيم الأحزاب وضم الناس إليها، واختيار القادة، وجمع التمويل، وعقد الاجتماعات، والمظاهرات. وهذه المجموعة من الرموز السياسية هي رهينة بالسوق في المفهوم الليبرالي الحديث، طبعا لابد من التفريق بين الشكل المتوحش لليبرالية السوق وبين البيئة المدنية للتنافسية في المجتمع المدني الحديث.

ثنائية السياسة والاقتصاد

ببساطة، أن نتحدث عن ملف من ملفات البحرين السياسية الشائكة على شاكلة "توزيع الدوائر الانتخابية، زيادة أعضاء مجلس النواب على حساب الشورى، الرقابة المالية وعودتها لمجلس النواب، ملف الطائفية" فإننا بحاجة إلى زخم كبير من القراءات والردود والمحادثات والتجاذبات بما يتضمن بعض الاتهامات الكبرى "الاستغلال، والتخوين، واللاوطنية، وعدم فهم التجربة، والموالاة للخارج، والطائفية، والميل نحو برامكة البحرين - مصطلح عن تلك الطبقة المستفيدة من بقاء الحال كما هو عليه في السلطات السياسية العليا من منتفعين طفيلين وخصوصا في أجهزة الإعلام البحرينية". لكننا نستطيع أن نجد المئات من الوسائل الناجعة لتصحيح هذه الإشكالات إذا ما كانت الحداثة الاقتصادية والخيار التنموي الاقتصادي هو محور همنا الوطني العام والشغل الشاغل لمجمل حواراتنا الوطنية. ثمة طريقتين نستطيع أن نصل من خلالهما لحل هذه المعوقات التاريخية في التاريخ والحاضر السياسي البحريني، الاولى أن ننطلق من خيار التنمية السياسية نحو خيار التنمية الاقتصادي، وهو الغالب على البيئة السياسية البحرينية وعلى مجمل الخطاب السياسي فيه. أما الخيار الآخر - المهمل - هو أن ننطلق من خيار التنمية الاقتصادية نحو خيار التنمية السياسية. وهذا الخيار في حقيقته ذو حدين، فإما أن تستطيع التجربة البحرينية بعناصرها الثلاثة "الحكومة، والمعارضة، والصحافة" استثمار هذا الخيار الاستثمار الأفضل، وإما أن تتحول الصورة السياسية إلى صين أخرى "اقتصاد مفتوح... ومجتمع مغلق". إن المنظومة الاقتصادية الحديثة في مفاهيم الليبرالية الجديدة تفترض تنظيم بيئتها الاجتماعية بشكل ذاتي، أي أن "السوق ينظم نفسه بنفسه"، وهو بهذا لا يحتاج إلى مزيد من التدخل والنقاش والحوار والتجادل بين القوى المشاركة في تجربة السوق، مذ خرجت أطروحات "ديفيد ريكاردو" و"آدم سميث" لتفترض أن السوق يسير بمفهوم عقلاني وينظم أموره بعقلانية خلافا لما كان يتجه فيبر في فصله بين المجتمع المادي والعقلاني، كان خيار السوق الحرة والنظم الاقتصادية المفتوحة هو الخيار الأمثل والأسرع في نمو التجارب السياسية سواء على الصعيد الداخلي - داخل هذه الأسواق الناشئة، أو داخل المنظومة الدولية في تموضع هذه الدولة داخل النظام الاقتصادي العالمي.

اتفاق التجارة الحرة

لابد من التنبه إلى أن اتفاق التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والبحرين، سيمثل زاوية تاريخية في الحياة السياسية البحرينية، وليست تلك المناقشات في الكونغرس الأميركي حيال توقيع الاتفاق سوى فصل أول من مسرح سياسي قادم قد تتعدد مشاهده إن أحسنت القوى السياسية والنقابية والعمالية البحرينية فهمه واستثماره. البحرين في خضم سعيها لإعادة شيء من مركزها التجاري المفقود، والذي سرقته الجارة الشقيقة "دبي" ستحتاج إلى الكثير والكثير من الإجراءات والاتفاقات الاقتصادية الإقليمية والدولية. هذه الاتفاقات والشراكات الاقتصادية تشترط نظما عمالية ونقابية ذات أبعاد سياسية معروفة دوليا، تضمن على المدى البعيد ضمان استراتيجية بقاء هذه الاستثمارات وديمومة مردوداتها على المدى البعيد، وهذا ما يشكل تدخلا مباشرا في الشأن السياسي البحريني ومستويات حراكه الداخلية. وهذا ما يضمن على المدى البعيد تحقيق الكثير من المطالبات والأمنيات التي من الصعب الخوض فيها أو تحليلها أو تفكيكها في خضم العمل السياسي الكلاسيكي.

قراءة من العلية

جورج داونز "أستاذ السياسة وعميد كلية العلوم السياسية في جامعة نيويورك" يميل إلى الاعتقاد بأن الأمر يرتبط ببعدين مهمين لابد من التنبه لهما، أولهما أن الإصلاحات السياسية العربية "الرمزية" في الدول العربية لا تشكل نموا ديمقراطيا حقيقيا ما بقت عاجزة عن إدراج فلسفة التغيير، وهذه الزاوية تحديدا هي فلسفة السوق المدنية. وثانيهما، أن بدء عجلة الإصلاحات الاقتصادية دون نمو الجانب السياسي في عملية متوازنة ومتقابلة ينبئ بفشل التجربة الاقتصادية مهما بلغت قوتها في المراحل الأولى، وخصوصا أن الاستثمارات لا تتبع سلوكا عقلانيا في الغالب إلا بعد خيارات تبيئتها، فالاستثمار مهووس بالاختراق والهجرة، إلا إذا كانت فرص النمو في البقاء مغرية. وهذا ما يتطلب منا خوضا أكثر تخصصية في البعد الاقتصادي البحريني، ومن هنا يبدأ الاقتصاديون، ويصمت الإعلاميون

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1144 - الأحد 23 أكتوبر 2005م الموافق 20 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً