العدد 1150 - السبت 29 أكتوبر 2005م الموافق 26 رمضان 1426هـ

لا يبقى للفلسطينيين إلا البقايا

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في المشهد الفلسطيني، لاتزال "إسرائيل" تتصرف وكأنها لم تنسحب من غزة، وتعمل على تعطيل التوصل مع الفلسطينيين الى اتفاق حول مسألة المعابر والطريق الرابط بين القطاع والضفة، بحسب تقرير المبعوث الخاص للجنة الرباعية الدولية الى إسرائيل، لأنها تنطلق من عقدة الحقد على الشعب الفلسطيني بإثارة المتاعب اليومية في تصرفاتها الأمنية، انطلاقا من عقدة اليهود التاريخية على العرب والمسلمين. وهي بالإضافة الى ذلك، تواصل عمليات الاغتيال لمجاهدي الانتفاضة وكوادرها، وعمليات الاجتياح لأكثر من قرية أو مدينة في الضفة، وعمليات الاستباحة لقطاع غزة في غاراتها الجوية والمدفعية التي تطال المدارس طورا، والجمعيات الخيرية تارة، بما قد يؤدي الى قتل المدنيين من أطفال وشيوخ ونساء، تحت مبررات مفتعلة واهية، ولم نر ولم نسمع أية إدانة أو إنكار من أميركا أو من أية دولة أوروبية لهذه الأعمال التي ساهمت وتساهم في قصف التهدئة التي توافق عليها الفلسطينيون انتفاضة وسلطة لأن إسرائيل تريد إبقاء المقولة التي تعتبر المسألة الفلسطينية أمنية لا سياسية، لتبرر بذلك امتناعها عن المفاوضات النهائية المباشرة إلا بشرط إسقاط البنية التحتية للانتفاضة، بما يؤدي الى الحرب الأهلية بين الفلسطينيين، وهو ما يحقق لإسرائيل الانتصار من دون حرب. وهكذا، انطلقت عمليات رد الفعل الفلسطيني على اغتيال القيادات الجهادية، في عملية استشهادية في الخضيرة، كرسالة للعدو بأن عدوانه لا يمر بدون عقاب... وهنا، نجد أن الدول الكبرى ومعها السلطة الفلسطينية تستنكر هذه العملية وتعتبرها إرهابية، من دون الدراسة الواقعية للأسباب التي دفعت إليها، لأن هذه الدول وفي مقدمتها أميركا ترى الحق لإسرائيل في التصرف بإبادة الشعب الفلسطيني، ولا ترى للفلسطينيين الحق في الدفاع عن أنفسهم على رغم أنها تتحدث عن الحريات وعن حقوق الإنسان، ما يوحي بأن ذلك من حق اليهود عندها لا من حق العرب والمسلمين. إنها العنصرية الأميركية المنفتحة على العنصرية الإسرائيلية، وهذا ما سمعناه من الرئيس الأميركي في زيارة رئيس السلطة الفلسطينية لواشنطن، في إدخال وعد الدولة الفلسطينية في المتاهات الزمنية، بحيث تتجاوز مرحلة الرئيس الأميركي الحالي الى مراحل أخرى، ريثما تستكمل إسرائيل مشروعها الاستيطاني والجداري الذي لا يبقي للفلسطينيين إلا البقايا من الأرض غير الصالحة لإقامة دولة قابلة للحياة. لقد صنع الأميركيون وحلفاؤهم عنوان مكافحة الإرهاب من أجل مكافحة المقاومة ضد الاحتلال وتأكيد حرية الشعوب، فهم يطلقون إرهاب الدولة ويشرعونه باسم الديمقراطية والحرية لإسقاط الديمقراطية الشعبية والحريات السياسية والاقتصادية. ونحن في مناسبة يوم القدس العالمي، نجد أن أكثر الدول العربية والإسلامية تهرول نحو إسرائيل، تحت تأثير الخضوع للضغط الأميركي عليها، ونخشى أن تتحرك اللعبة الدولية لتهويد القدس والمسجد الأقصى بالذات، من خلال إعطاء الشرعية الإسرائيلية لليهود في الدخول إليه تحت مبرر العبادة، الأمر الذي ينبغي للمسلمين إذا كانوا يحترمون إسلامهم أن يبادروا الى التخطيط للمواجهة في سبيل حماية مقدساتهم الدينية التي تمثل هويتهم الإسلامية، باعتبار أن القدس هي الرمز المقدس للإسلام كله وللمسلمين كلهم. أما العراق الغارق في أنهار الدماء التي تسيل من المدنيين الأبرياء بفعل حركة الإرهاب التكفيري، فإنه لايزال يعيش الانقسام السياسي الذي يأخذ عناوين التنوع المذهبي، حتى يكاد الوضع يتحرك نحو سقوط وطني طائفي لا يشعر العراقيون معه بالوحدة، ويخشى معه أن تتجذر الصفة الطائفية التي تدخل في نسيج الإنسان العراقي بكل حدة وضراوة، بحيث بدأ الحديث عن مشكلة الشيعة مع السنة، ومشكلة السنة مع الشيعة، لا مشكلة الشعب مع الاحتلال الذي يتدخل سفيره بطريقة وبأخرى في مفاصل الواقع السياسي والإداري، ما قد يوحي بأن الدولة لا تملك الحرية الحقيقية في إدارة شؤونها على رغم الشكل الظاهري للحرية. إننا ندعو العراقيين الى الارتفاع الى مستوى المرحلة التاريخية التي تنتظرهم للحصول على الحرية والاستقلال، وطرد المحتل من أرضهم بمختلف الوسائل، وعليهم أن يعرفوا أن المحتل لم يكن ولا يكون منقذا للشعوب، بل هو يتحرك ضمن خططه في الاستغلال في رعاية مصالحه على حساب مصالح الناس. لقد غرقت أميركا ومعها بريطانيا في وحول الواقع العراقي بفعل مقاومة الشعب، وقد أصبحت تعاني من الرأي العام عندها الذي يطالبها بالانسحاب من العراق لأن حربها لم تكن حربا مشروعة، بفعل انطلاقها من كذبة كبرى وخروجها عن الشرعية الدولية للمجتمع الدولي، وللخسائر الكبيرة التي منيت بها في الأرواح... إن على الشعب العراقي أن يأخذ بأسباب وحدته الإسلامية والوطنية، حتى مع اختلاف وجهات النظر السياسية، بعيدا عن كل ما يخل بالوحدة. أما في لبنان، فلاتزال الخطة الأميركية ومعها فرنسا وبريطانيا تتحرك من أجل مصالحها الخاصة على صعيد الأمن والسياسة والاقتصاد، للاستفادة من بعض التعقيدات اللبنانية للضغط على المنطقة ولاسيما سورية التي تطالبها بالخضوع لمطالبها، في الموقف من دعم الانتفاضة وقياداتها في مسألة تحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني الذي تدعمه أميرك، لتطرد المجاهدين من أرضها وتعتبرهم إرهابيين على الطريقة الأميركية، كما تطالبها بدعم احتلالها للعراق الذي تعاني منه الكثير بفعل خسائرها هناك، وباتهامها بالتدخل المخابراتي في الشئون اللبنانية، بالإضافة الى الشروط التعجيزية المفروضة عليها من هذا الموقع أو ذاك. إن ما نريد تأكيده للبنانيين أن القضية المركزية في السياسة الأميركية في لبنان ليست لخدمة لبنان في حريته واستقلاله، بل هي نزع سلاح المقاومة وتطويق سلاح المخيمات لحساب إسرائيل، واللعب بالورقة اللبنانية للضغط على سورية في مطالبها في المنطقة، لأنها تحرك كل ضغوطها من أجل خدمة استراتيجيتها الواسعة. وعلى ضوء هذا، فلابد من دراسة الخطوط السياسية الأميركية ومعها الفرنسية على أساس مصالح أميركا وفرنسا لا على أساس مصالح لبنان. لذلك، فلابد من حوار وطني جدي بين اللبنانيين لدراسة الواقع السياسي والأمني، ولا سيما في علاقته بسورية، من خلال توثيق الروابط التاريخية من جديد. وإننا نقدر العنوان الكبير الذي طرحته مختلف الشخصيات السياسية في رفض العقوبات الاقتصادية والأمنية والسياسية على الشعب السوري، لأن ذلك سيتحول الى مشكلة كبرى للبنان أيضا، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن الروابط التاريخية بين البلدين تفرض الحفاظ على المسيرة الواحدة في نطاق المواجهة للعدو وللتحديات الكبرى التي تريد العبث بالقضية الكبرى التي توحدهما في قضايا المصير، مع ملاحظة حيوية مهمة وهي أن الجميع متفقون على ضرورة أن ينال المجرمون - أيا كانوا - عقابهم في خط العدالة القائمة على المعطيات القضائية المستندة الى الحجة والبرهان في تأكيد الجريمة. إن المرحلة الصعبة تحمل الكثير من التحديات والأخطار على صعيد المنطقة، من خلال التحالف الأميركي الإسرائيلي الذي يبتعد بقرارات الشرعية الدولية عن إسرائيل في إرهابها ومشاريع أسلحة الدمار الشامل، ويركز على القرارات المتصلة بالواقع العربي ولاسيما لبنان، والواقع الإسلامي ولا سيما إيران. * مرجع ديني

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1150 - السبت 29 أكتوبر 2005م الموافق 26 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً