العدد 2429 - الخميس 30 أبريل 2009م الموافق 05 جمادى الأولى 1430هـ

الأسمنت رأس جليد الأزمة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما أن يثار موضوع الأزمة المالية وتأثيراتها على الأسواق الخليجية، حتى تتصدر دبي قائمة الدول التي تطرح على بساط تلك النقاشات، وتستأثر دبي، أكثر من سواها من الدول الخليجية، بل وحتى العربية الأخرى بنصيب الأسد من الانتقادات التي تصل إلى حد التشفي. مثل ذلك أمر طبيعي، ومتوقع، نظرا لما حظت به إمارة دبي من اهتمام الأوساط المالية جارة معها الأوساط الإعلامية، التي سلطت الكثير من الأضواء على المشروعات الناجحة التي نفذتها دبي خلال الثلاثين سنة الماضية. ويمكن القول إن دبي دفعت الثمن باهضا لقاء تلك النجاحات التي حققتها. هذا لا يعني استثناء دبي من الأزمة، لكنه بالقدر ذاته، والمنطق ذاته يجعل دبي أكثر الدول الخليجية أهلية للخروج من الأزمة ذاتها التي بدأت تطل برأسها اليوم على أسواق خليجية أخرى مثل السوق السعودية.، وتحديدا في الأسواق ذات العلاقة بالعقار.

فوفقا لما بثه موقع مجلة «إريبين بزنس.كوم»، () بدأت تلوح مظاهر تلك الأزمة من خلال الضغوط التي بدأت تتعرض لها «مصانع الحديد السعودية المهددة بالإفلاس»، الأمر الذي أغرى أحد المصانع العمانية على أن يقدم «عروضا لمستثمرين سعوديين للاستحواذ عليه». يجري ذلك في وقت ينقض فيها مستثمرون صينيون للتفاوض بشأن شراء «مصانع الحديد بأسعار متدنية، بعد أن أكدوا في دراساتهم أن الأسعار الحالية لمصانع الحديد السعودية المعروضة للبيع مرشحة لأن تنخفض في حال عدم الاستعجال».، وفقا لصحيفة الرياض المحلية.

ونقل الموقع أيضا أن البنوك المحلية في السعودية قد أجبرت «ثلاثة مصانع وطنية تعمل في مجال صناعة الحديد تقدر طاقتها الإنتاجية بنحو 700 ألف طن إلى خيار بيع مصانعها، بعد تأزم ظروفها وقدرتها على سداد ديونها في ظل الأزمة التي تعيشها مصانع الحديد السعودية».

على نحو مواز نقلت وكالة أنباء رويترز في 30 أبريل/نيسان 2009 عن إحدى شركات الأسمنت في المنطقة الشرقية السعودية أنها «قررت إغلاق خط إنتاج لأربعة شهور بعدما تسبب قرار حكومي بحظر التصدير في تضخم المخزونات، وقالت الشركة في بيان بموقع البورصة على الإنترنت إن الخط الذي ينتج 3500 طن يوميا سيغلق لعمل صيانة دورية».

وأظهرت الوكالة أن أرقام جميع شركات الأسمنت السعودية، قد عانت من «تراجع في صافي الربح عنه في الفترة ذاتها من العام الماضي وهو ما عزته إلى تضخم المخزونات لأسباب منها حظر التصدير».

وتؤكد «إريبين بزنس.كوم» أن «قطاع الأسمنت هو القطاع الوحيد الذي سجلت كل شركاته تراجعا خلال الربع الأول مقارنة بالربع المماثل من العام الماضي، وسجلت شركة أسمنت الشرقية أعلى نسبة تراجع من بين شركات القطاع بتراجع 38 في المئة».

وأزمة الأسمنت، ومعه الحديد ليست سوى مؤشر يدلل على أزمات صناعات أخرى، ومن الطبيعي أن تتصدر هذه الأزمة الأزمات الأخرى نظرا لارتباطها المباشر مع صناعة الإنشاءات والعقار، وهي أول الصناعات الخليجية المتأثرة بالأزمة. وفي السياق ذاته، فليس بروز الأزمة وفي هذه المرحلة المبكرة، على المستوى الخليجي، سوى إنذار للدول الأخرى، وعلى وجه الخصوص تلك التي تحاول تجاهل الأزمة أو التقليل من أخطارها والمآزق التي سوف تتولد عنها. يمكننا هنا الاستعانة بما أوردته صحيفة البيان الدبوية التي أشارت إلى مشهد انخفاض أسعار «سوق مواد البناء الرئيسية بالدولة».

عندما نقرأ أزمة الأسمنت في سياق الأزمة العامة المحدقة بالمنطقة، نكتشف أنها ليس سوى رأس الجبل الذي يخفي تحته أزمة ضخمة مقبلة علينا أن نتوقعها ونهيأ اقتصادنا ومواطننا لها.

أزمة الأسمنت، هي في جوهرها أزمة طلب على الأسمنت، ويعود تراجع الطلب إلى أزمة العقار الذي قاد كساده إلى توقف بعض المشروعات الضخمة، وخاصة تلك أخذت شكل المدن، من مستوى مشروع «نخيل» في دبي، أو «مدينة الطاقة» في قطر، مما أدى إلى تقلص عمليات البناء التي خفضت معها كميات الأسمنت المتوقع طلبها من السوق.

أزمة العقار، هي الأخرى مرتبطة بسوق أخرى هي سوق المصارف التجارية والمالية والاستثمارية التي بخرت الأزمة المالية العالمية نسبة عالية من سيولتها أولا، وقلصت ذيول الأمة من ثقتها في الاستثمار أو الإقراض ثانيا، الأمر الذي حرم بدوره مشروعات التطوير الكثير من السيولة التي تحتاجها للاستمرار في تنفيذ مشروعاتها، الأمر الذي دفعها بدوره إلى التخلص من نسب عالية من موظفيها بلغت في بعض الشركات إلى 25 في المئة. هذا بدوره أرغم الشراة، نظرا لتراجع دخولهم السنوية، إلى التراجع عن الاستثمار في العقار، الذي كان أكثر الأسواق إغراء للمستثمرين، أفراد ومؤسسات، وتوسعا للمطورين.

وهكذا أخذت كرة الثلج في التدحرج آخذة في طريقها كل ما يمكن أن يعترض سبيلها أو أن يحاول إيقافها. فبدأت مشروعات المؤسسات تتوقف أو تتراجع، ودخول الأفراد تتآكل. ضاعف من التأثيرات السلبية للأزمة التراجع الحاد في أسعار النفط، الأمرالذي جرد أكبر المستثمرين في السوق والذي هو الدولة من نسبة عالية من السيولة التي بحوزتها، مما دعاها على التريث، والاستغناء عن بعض المشروعات، وتأجيل مواعيد تنفيذ البعض منها، وإعادة النظر في تلك المستجدة.

ليس القصد من وراء رسم هذه الصورة القاتمة الوصول إلى استنتاج مفاده استحالة الحل، أو حتى صعوبته، بقدر ما عولفت النظر إليه، من أجل حث الخطى لمعالجة الأزمة في مرحلة مبكرة قبل استفحالها، ومن ثم تفاقمها الأمر الذي من شأنه مضاعفة متطلبات التصدي لها وزيادة الخسائر الناجمة عن طول فترة تجاهلها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2429 - الخميس 30 أبريل 2009م الموافق 05 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً