العدد 1164 - السبت 12 نوفمبر 2005م الموافق 10 شوال 1426هـ

رحلة الحلم الصغير "الإخراج" من حلب إلى هوليوود

يقتحم اسم مصطفى العقاد الذاكرة العربية والعالمية ليضع الكثير من التداعيات لما يمكن للمخرج أن يكون من دور لتنقية الصورة العربية الإسلامية، ومصطفى العقاد أحد المخرجين الذي عملوا تحت سقف هذا الهدف، أي استغلال الإعلام كسلاح ضد الغرب. وهو المخرج الأميركي من أصل سوري الذي أنتج أفلام "الرسالة"، "عمر المختار" والكثير من أفلام ما تعرف بالقناع التي اشتهر بها وأفلام الهوليوود. وقد لا يتذكر البعض الاسم، لكن يكفي أن نقول إنه مخرج فيلمي "الرسالة" و"عمر المختار"، وليسألوا عما أنجزه المخرج الكبير بعد هذين الفيلمين في ظل المخرجين العالميين الكبار. مصطفى العقاد، مخرج سينمائي سوري، ولد في حلب العام ،1933 سافر إلى الولايات المتحدة لدراسة السينما العام ،1954 درس الفنون المسرحية في جامعة كاليفورنيا وتخرج منها ،1958 أخرج العام 1976 فيلم "الرسالة"، وهو أول فيلم عن الإسلام يتوجه إلى الجمهور الغربي. وصدر بنسختين عربية وإنجليزية من بطولة أنطوني كوين وايرين باباس، أخرج سنة 1980 فيلم "عمر المختار" بالإنجليزية، الذي يتناول نضال الشعب الليبي ضد الاحتلال الإيطالي، له عدة أفلام اشتهرت في هوليوود، أهمها فيلم الرعب "هالوين" "1978". إن ما تعمل به الآن السينما العالمية من تناول للقضايا العالم العربي والإسلامي من طمس وتشويه صورتها، لزم على المخرجين العرب أمران هما ضرورة المشاركة بأعمال تنافسية تاريخية حضارية، ونقل حال النص إلى حال الصورة. وإذ نتناول المعركة الحضارية على هذا المستوى الذي يؤمن به مصطفى العقاد "ان السلاح الذي يخوض به معركته مع الغرب، هو سلاح الإعلام"، وأنه السلاح الوحيد الذي يمكن أن يغير صورة العربي عند الإنسان الغربي، ويقول إنه حين يؤكد هذا الحديث فهو يعرف نسيج المجتمع الغربي الذي عاش فيه زمنا طويلا، ليس على هامشه ولكن في هوليوود خصوصا. ونتناول ماهية ما تناوله مصطفى العقاد في أفلامه من التاريخ الذي نقله للسينما يزداد السؤال عن ماهية التاريخ لتتفجر الكثير من القضايا، منها ما يتعلق بضرورته، ومنها ما يتعلق بكيفية كتابته، ولكن ما يعنينا هنا - في مجال السينما كفن بصري - هو التاريخ المصور؛ فالتاريخ قد خرج من سيطرة الكلمات "الكتابة/ التدوين" إلى دائرة التحقق البصري، إلى كونه متعينا، متحققا كصورة أمام أعيننا. وتتضح صورة هدف مصطفى العقاد من خلال فلميه "الرسالة" و"عمر المختار" والذي لم ير النور لحد الآن "صلاح الدين" فإنهم جميعا أعمال من الطراز الأول الذي قدمهم للإنسان الغربي ليرى صورة الإنسان العربي ورموزه، وحال الرمز التي نقلها العقاد لم تكن عبثية، وإنما نقلها بدقة وبصورة تنافسية لمستويات الدراما الغربية. فإن من فيلم "الرسالة" تزداد الحاجة إلى سؤال صاحب الفيلم عن تفسير، وفيلم "عمر المختار" أسد الصحراء، سنجد أن شخصيتها قد خرجت من كونها إحدى شخصيات كتب التاريخ التي ندرسها / نقرؤها، إلى كونها شخصية مجسدة فاعلة، وبعد عرض الفيلم في أوائل الثمانينات، أصبح عمر المختار حديث العالم العربي، وأصبحت تلك الحقبة التاريخية محط الأنظار ومركز الاهتمام، ولايزال الفيلم حتى يومنا هذا يحظى بأكبر قدر من المشاهدة لدى عرضه على الشاشات التلفزيونية. لنتأمل دوافع مصطفى العقاد في اختيار شخصية عمر المختار كمحور لفيلمه، إذ يقول في أحد اللقاءات: "اخترت "عمر المختار"، لأنه موضوع معاصر، موضوع يهم العالم العربي الآن. "عمر المختار" هو عن الجهاد والاستشهاد، فهذا الرجل - عمر - كان في السبعين من عمره، وكان لايزال يكافح مع إدراكه في كثير من الأحيان أنه لن يتمكن من التغلب على القوة الفاشية... أعتقد أن في الفيلم ما يفيد التذكير بأوضاعنا الحالية التي هي أحط فترات تاريخنا الحديث، ولهذا اخترت "عمر المختار"". كان هذا الحديث العام ،1981 وأعتقد أننا كنا أفضل حالا مما نحن فيه الآن! إن فيلم عمر المختار - بغض النظر عن الملاحظات الخاصة به - يمثل إحدى وجهات النظر التي يجب أن نتعامل معها حيال السينما، فالفيلم يبدأ بعمر المختار المعلم الذي يعلم الأطفال ويعلمهم أول ما يعلم القرآن، وكانت أهم اعتراضاته على الشروط الإيطالية في جزء آخر من الفيلم أن الإيطاليين كانوا يرغبون في السيطرة "الإشراف" على المدارس الدينية "الزوايا" فقال: "أنتم تريدون أن تعلمونا ديننا؟!". واليوم في الألفية الجديدة بعد مرور أكثر من عشرين عاما على الفيلم، نجد أن المقولات نفسها تعود لتطلقها الإدارة الأميركية في تعاملها مع العالم الإسلامي والعالم العربي! وعرض فيلم "عمر المختار" في إحدى دور العرض بالقاهرة ،1981 وكان كان المتلقون في حال من الغضب والانفعال؛ بل إنهم كانوا يصرخون حيال قتل الإيطاليين للمجاهدين الليبيين، كانت حال توحد بين المتفرجين وشاشة العرض، فهذا الفيلم من النوعية التحريضية التي عندما تراها لا يمكن أن تعود كما كانت من قبل، فهي تحرك المشاعر والفكر والسؤال. ويمكننا أن نقول إن هذا الرجل استطاع ومن خلال أحلامه الصغيرة أن يكتب اسمه في التاريخ، إذ يقول مصطفى العقاد: "حلب، هذه المدينة الصغيرة التي أحملها في قلبي دائما هي مدينتي، ولدت ونشأت فيها، كان لدينا جار يعرض الأفلام السينمائية وكان يأخذني في الصغر لأتابع كيفية عرض الأفلام وكيفية قص المشاهد الممنوعة، ومع مرور الوقت أصبحت مولعا بالسينما، وعندما بلغت الثامنة عشرة من عمري قررت أن أصبح مخرجا سينمائيا وفي هوليوود تحديدا، ويا له من رد فعل كان لأهالي حلب بعد أن بحت لهم بأحلامي فقد أضحيت أضحوكتهم، إذ قالوا: "احلم على قدك، اذهب إلى الشام أو مصر لتدرس الإخراج هناك" لكني كنت مصمما على هوليوود!"

العدد 1164 - السبت 12 نوفمبر 2005م الموافق 10 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً