نحن في بلد صغير... اقتصاده متين... وزنه الاقليمي والدولي عظيم وأصحاب الملايين يرون في تربة هذا الوطن وجيوب أهله وفراغ شبابه وانعدام وسائل الترفيه لشريحة كبيرة من المجتمع... يجدون في كل ذلك أرضا خصبة للاستغلال بحجة العولمة والحقوق على رغم هذه الملايين التي رزقهم الله اياها جمعوها فلسا فلسا من خير هذا الوطن وثرواته... وتضخم الأرصدة كان أولا وأخيرا بتسهيلات من أولي الأمر باعتبار ان خير الوطن لأبنائه وهذا حق لا نقاش فيه ولا مزايدة... فالوطنية ملك للجميع والدفاع عنها أمر مطلوب لكل من تشرف بحمل هوية هذا الوطن المعطاء... ولكن الأمر المرفوض هو استغلال الناس في أمر اصبح مهما كأهمية الماء والهواء في ظل فراغ قاتل وعقبات ليس لها أول ولا آخر تجعل من وقت الشباب سلاحا خطيرا يهدد أمن المجتمع والأسرة والعادات والتقاليد.
يخرج لنا من نعتقد بأنه مسئول مؤتمن على هذه البلاد ليصرخ ويقول بأعلى صوته إن شرب الشيشة حرية شخصية... وان الدولة متطورة... وأن هذا تقدم! ورفاهية! تدخين الشيشة يا مسئولون من أكثر الآفات التي تشتكي منها المجتمعات العربية في هذه الأيام، وتؤكد الابحاث ان أخطار تدخين الشيشة أكبر كثيرا مما نتوقع كما ان تدخين الشيشة وهي العادة التي لم تعد تقتصر على الرجال بل امتد أثرها الى النساء بل وحتى الاطفال، وعلى رغم قلة الدراسات التي أجريت على التأثير الضار للشيشة في المجتمعات العربية فإن الدراسات التي تم نشرها حتى الآن تشير الى ارتباط وثيق بين تدخين الشيشة وسرطان الفم. ان هناك اعتقادا سائدا بين الناس بأن تدخين الشيشة أخف من تدخين السجائر وأقل ضررا، اذ ان دخان الشيشة يتم تنقيته بواسطة مياه الشيشة الا ان الدراسات اثبتت عكس ذلك، اذ بينت ان تدخين حجر الشيشة الواحدة هو بمثابة تدخين علبتي سجائر! كما ان مدخن الشيشة يمتص غاز ثاني اكسيد الكربون أكثر من مدخن السجائر وبذلك يكون أكثر عرضة للاصابة بأمراض القلب والرئتين. ويحذر الخبراء النساء الحوامل من تدخين الشيشة لما له من تأثير ضار على نمو الأجنة. ومدخنو الشيشة أكثر عرضة للاصابة بقرحة المعدة نظرا إلي كثرة الكوليسترول والحموضة عند مدخني الشيشة، ويشكو مدخنو الشيشة دائما من آلام في الرأس ودوران وزغللة في النظر، وخفقان في القلب كما يؤدي تدخين الشيشة الى بعض أمراض الجهاز التنفسي مثل انسداد الشعب الهوائية ناهيك عن انتشار بعض الأمراض المعدية نتيجة لقيام أكثر من مدخن بالتناوب على الشيشة نفسها.
اننا نعرف ان أولي الأمر حفظهم الله في هذا الوطن يجعلون المواطن نصب اعينهم ومصالحه في مقدمة اهتماماتهم والمحافظة على عادات وتقاليد هذا الوطن وأهله في أعلى سقف سياستهم. ولكننا نرى بعض المسئولين في بعض الوزارات المعنية لا يقدرون خطورة الشيشة على الناس فبسبب الفراق القاتل يبحث الشباب عن البديل الذي لن يتعدى المقاهي التي ستقدم الهدية مع جرعة من سموم الشيشة والدخان وهم بذلك يوسعون سوقهم بدخول شريحة جديدة لهذا العالم الذي يملأ الدنيا أمراضا سرطانية اعاذنا الله وحمانا وحماكم منها، ويفتح ساحة جديدة لضياع كثير من شبابنا وانحرافهم وخصوصا لأولئك الذين لا دخل لهم ولا يحملون في جيوبهم الا القليل من الدنانير اخذوها عنوة من آبائهم وأمهاتهم الذين وجدوا في هذه المناسبات غمامة سوداء تمنوا لو انقشعت قبل ان يكتشفوا انهم في ورطة لا مخرج منها الا بخسائر صحية وأخلاقية ومالية، واذا كنت قد وضعت العناوين بفكرة فتح مقهى جديد لتقديم الشيشة فإنني أكتب من واقع ان أكثر من صديق ومراجع يفكر الآن بجدية في فتح مقهى شعبي لا تتوافر فيه الا العناصر المؤذية كالشيشة والدخان والفضائيات التي لا تخلو من (الرقص والمسخرة).
نبيل خلف
العدد 1168 - الأربعاء 16 نوفمبر 2005م الموافق 14 شوال 1426هـ