العدد 2430 - الجمعة 01 مايو 2009م الموافق 06 جمادى الأولى 1430هـ

الولاءات بشكلها الجديد... اعقلها وتوكّل

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حَدَثَان اصطبغا بالمشهد العراقي مؤخرا. الأول إعلان الناطق باسم وزارة الداخلية العراقية عبدالكريم خلف اعتقال خلية لتنظيم القاعدة من ستة أشخاص، ثلاثة منهم (شيعة) من محافظة الديوانية، والثلاثة الآخرون (سُنّة) من محافظة الأنبار.

الحدث الثاني هو توالي عمليات التفجير الإرهابية منذ الثامن من مارس المنصرف ولغاية تفجيري مدينة الصدر قبل أربعة أيام. وهي ذات التفجيرات (كمّا ونوعا) التي عانقها العراق طيلة أربعة أعوام خَلَت.

في قراءة الحدث الأول لا يُمكن فكّ رموزه إلاّ بالتّناص والتأويل. فمن أصول تنظيم القاعدة هو استباحة (الدّم الشيعي) كيفما اتفق. وهو أصل لا يستحي التنظيم من الجهر به نَزَقَا في كلّ مورد وخطاب.

حين يُعلَنُ أن ثلاثة من شيعة الديوانية ضمن خليّة (قاعديّة) مُتورّطة في سبعة وعشرين هجوما إرهابيا بسيارات مُفخّخة، فهذا يعني أحد أمور أربعة. إمّا أنهم مُتحوّلون في العقيدة والفكر. وإمّا أنهم طالبو مال. وإمّا أنهم مُكرَهِين، وصُيِّروا كمتاريس مواجهة. أو أنّ تلك الخليّة مُجتمعة قد تعالت على التناقض العقيدي والآيدلوجي وعلى جِراح الماضي لتُهَمْهِم مُقاتِلَة المحتل.

هذه التخريجات لا تُزيل يوتوبيا الضّم بين أناس شيعة وآخرين من «القاعدة». وهنا يجب القول بجملة مسكوكة: أن التحولات في العقيدة ما بين تسنّن شيعي، وتشيّع سُنّي قابلة للتحقق كون حركة المذاهب وتأثّرها من بعضها البعض هو ضمن السياق التاريخي لعملية الاجتهاد الفقهي والقناعات الشخصيّة.

لكن الإشكال هنا ليس في ذلك، وإنما في تقارب أنوية التّضادّ المطلق والتناقض المُؤصّل عقيدة وفكرا وميولا واتجاهات، لتتحول إلى مشروع يتناهض وينعقد للإيغال في الإجرام واستباحة أعراض الناس ودمائهم. إنه تحالف خَديج يُؤشّر إلى حالة طارئة لكنها خطيرة.

في امتداد تاريخ التجاور الاجتماعي العراقي ما فَتِئ البنان يشير إلى رائعة مُخلّدة من التصاهر والاندماج في مذهبية العراقيين وإثنياتهم والتي كانت هاجعة وكأنها مارد مُروّض بشكل أبدي.

لكن الاحتلال الأميركي للعراق، وسلسلة الجرائم التي ارتكبها الأميركي وتنظيم القاعدة والميليشيات خلال الحرب الطائفية منذ فبراير/ شباط 2006 جعلت ذلك المارد الهاجع والمُروّض يُستَفَز وينهض بعصبية كريهة، ويُحاكي دفائن التاريخ المذهبي ويستحضر ثارات الأقدمين.

والأكثر أن ذلك المارد لم يضبط حركته المذهبية والإثنية الخاصة بالكيانات والطوائف، بل تمادى لأن يشطر نفسه للجميع وعلى الجميع. وأصبح الشيعي يقتل سُنّيا والسُّنّي يقتل شيعيا.

ثم انتقل الصراع وتطوّر لنرى استعانة السُنّي بالشيعي لقتل سُني، واستعانة الشيعي بالسّني لقتل شيعي! وهي أبهى صور الابتذال الضارب في كلّ اتجاه. وربما كان ذلك العَتَه هو ما يصيب المجتمعات حين تغرق في السؤال عن نفسها بلغة الـ(نحن) والـ(هُم).

في الحدث الثاني قولٌ متّصل. فمنذ الثامن من مارس/ آذار المنصرف والعراق يسبح في دم عبيط حين أقدم إرهابي على قتل ثمانية وعشرين عراقيا، وجرَح ثمانية وخمسين. وبعد ثمان وأربعين ساعة من ذلك أوقع إرهابي آخر يرتدي حزاما ناسفا ثلاثة وثلاثين قتيلا.

وبعد أسبوعين أجهزت سيارة مُفخّخة كانت مركونة في منطقة الشعب على عشرين عراقيا وأصابت أربعين آخرين بجروح. ثم انفجار آخر أوقع سبعة وعشرين قتيلا وأصاب خمسين في مجلس عزاء بمنطقة جلولاء شمال شرقي بغداد.

وفي الثالث والعشرين من أبريل/ نيسان جاءت انفجارات ديالى فأوقعت ثمانية وثمانين قتيلا بينهم عدد كبير من الزوّار الإيرانيين. ثم انفجار الكاظمية المقدّسة الذي أوقع ستين قتيلا. ثم انفجارات مدينة الصدر قبل أربعة أيام والتي أودت بحياة واحد وأربعين عراقيا.

هذا الانزلاق الأمني الخطير يُمكن ربطه بعدة شواهد كلها تشير إلى أن الوضع الأمني في العراق هشّ وكأنه مسنود بورق الكارتون. والأكثر أن هامش اليقين فيه قائم على علاقات مُستترة وغامضة بين أطراف أنهكها العِرَاك وأرادت أن تستريح ولو بغفوة.

فحِين تطلب الحكومة العراقية تعديل بنود الاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة ورفع الحصانة عن الجنود الأميركان تحدث انفجارات. وحين يُعتقل أحد قيادات الصحوة تحدث انفجارات. وحين يُسرّح ضباط محسوبون على ميليشيات مُسلّحة معينة تحدث انفجارات. إنها صفقات في سوق سوداء.

هذا يعني أن خريطة العراق الأمنية لا زالت منهوبة، ومُقسّمة على أطراف متناحرة. وهذا يعني أيضا أن كلّ مرحلة هدوء تعكس صورة من هِدَانة تلك الأطراف من تحت الطاولة. ولكن لا يعلم أحد على ماذا اتفقوا، وما هي حجم الأكلاف المتبادلة!

وفي مرحلة أخيرة فإن ذلك يعني أن خيوط التفجير وبوصلتها وخرائطها ومساراتها وأهدافها جاهزة. يتم تحريكها كلما آن أوانها. فالأميركي يلجم الحكومة العراقية بها ويُرهبها، ويُفاضل بين وجوده وبين التردّي الأمني لترسو مناقصة الإقامة مرة أخرى عليه وإليه. وهكذا يفعل الآخرون، ليبقى العراقي ينتظر دوره في مسلخ لا يعلم كيف سيُذبَح فيه.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2430 - الجمعة 01 مايو 2009م الموافق 06 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً