العدد 1181 - الثلثاء 29 نوفمبر 2005م الموافق 27 شوال 1426هـ

مسرحية المحاكمة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

انتهى الفصل الثاني من مسرحية "الفتنة" محاكمة رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين. وأعلن رئيس المحكمة عن افتتاح الفصل الثالث في 5 ديسمبر/ كانون الأول المقبل. المسرحية "الفتنة" كما تبدو الأمور طويلة وتعرض على مراحل بهدف اختبار مدى استعداد الشارع العراقي أو رفضه لمثل هذا النوع من المحاكمات التي لم يتعود عليها سابقا. فالمحاكمة علنية والاتهامات تتصل بجرائم سياسية ارتكبها النظام السابق وتحصل في ظل الاحتلال الأميركي وضمن شروط فرضتها مجموعة ظروف ليست بعيدة عن الانقسامات الأهلية. وكل هذه العناصر جديدة على شارع "رأي عام" تدرب على نمط محدد من العلاقات القهرية والأجهزة المخابراتية. الشارع العراقي بما يحمله من توترات سياسية تتحكم فيها الانفعالات العشائرية والطائفية والمذهبية والمناطقية معطوفة على انقسامات أهلية/ حزبية ليس مستعدا لتقبل، وبروح رياضية، هذا النوع من محاكمات مباشرة تنقلها الكاميرات من القاعة إلى الفضائيات في مختلف أرجاء العالم العربي/ الإسلامي. كل ما يحصل في قاعة المحكمة من استعراضات كلامية تتضمن لائحة اتهامات تقابلها لائحة تنفي أو توضح أو تدافع أو تفسر ماذا حصل ولماذا حصل... يزيد الطين بلة ويفاقم أزمة الشارع العراقي ويدفعه إلى طور أعلى من التوتر والاضطراب والتعصب. المحاكمة مشروع فتنة وربما هذا هو قصد الاحتلال الأميركي من عقدها تحت الأضواء. فواشنطن تعلم أن المجتمع العراقي غير جاهز سياسيا ونفسيا وثقافيا لتقبل مثل هذا النوع من المحاكمات العلنية. وتعلم إدارة "البيت الأبيض" أن نقل المحاكمة مباشرة من القاعة إلى الشارع العام والأحياء الخاصة والبيوت ومناطق العشائر والطوائف والمذاهب سيزيد التوتر الأهلي ويعمق الانقسام في المشاعر وسيرفع من درجة الكراهية والتشنج ويؤسس لاحقا خنادق تقوم على الشك والتنابذ. الهدف إذا من وراء عقد محاكمات مكشوفة للرأي العام ليس القصد منه تطوير الشفافية وإنما التشفي من المجتمع العراقي واللعب على مشاعره وتحطيم ما تبقى من صلات الرحمة التي توحد المصير. وإدارة الاحتلال درست قبل اتخاذ قرار المحاكمة العلنية مختلف الاحتمالات ووجدت أن ردود الفعل السلبية ستكون الأقوى وربما تساعد على المزيد من التفكك والتشرذم بين أطياف بلاد الرافدين. وحين توصلت إلى ترجيح هذا الاحتمال قررت إجراء محاكمة علنية بقصد إلهاب المشاعر ودب بذور الفتنة وزرع الشقاق بين مؤيد للمحاكمة وقرار الإعدام ومعارض لها بذريعة أنها تجري تحت سقف الاحتلال. قرار التأجيل إلى الخامس من ديسمبر لذرائع مختلفة سيزيد من عناصر التوتر في وقت توصلت فيه الأطراف العراقية إلى صوغ بيان ختامي مشترك بعد جلسات حوار ساخن جرى في القاهرة. كذلك توقيت موعد عقد الفصل الثالث من المسرحية قبل عشرة أيام من الانتخابات التشريعية، التي أخذت تحظى بموافقة معظم التيارات الرئيسية السياسية، سيترك بصماته السلبية على التحالفات والقناعات والاختيارات. قرار التأجيل صحيح ولكن توقيت المحاكمة خطأ يضاف إلى أخطاء سابقة قصد منها ليس تعليم الناس أصول الديمقراطية والعدالة وإنما تحريك المشاعر بالاتجاه الخطأ والذهاب بعيدا في مسلكيات التشفي والثأر والكراهية التي تتحكم بانفعالاتها نوازع موروثة لا تسمح للأطياف الأهلية بقراءة وقائع المحاكمة من زاوية قانونية وقضائية شفافة تريد فعلا البحث عن الحقيقة وتحديد الطرف المسئول عن الجرائم. محاكمة صدام تحولت إلى مهزلة وهي أخذت تعطي تلك الثمار المسمومة التي إذا تركت من دون مراقبة وانتباه ستزيد من تسميم الأجواء الأهلية المشبعة أصلا بالشكوك والتنابذ والكراهية. وحتى لا يأكل أهل العراق تلك الثمار المسمومة لابد من وجود توافق وطني مشترك على أصول المحاكمات. وهذا لا يتم قبل إجراء الانتخابات التشريعية وتعديل الدستور ووضع أطر وبرامج تضمن وحدة الدولة ومستقبلها. فالتوافق هو الشرط السياسي الموضوعي لنجاح محاكمات رموز النظام السابق. وهذا التوافق لا تكتمل عناصره بوجود احتلال لا وظيفة له سوى اللعب بمشاعر الناس وتأليب القوى على بعضها خدمة لسياسة "فرق تسد"

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1181 - الثلثاء 29 نوفمبر 2005م الموافق 27 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً