العدد 1181 - الثلثاء 29 نوفمبر 2005م الموافق 27 شوال 1426هـ

متى تنتهي "بهدلة" المواطنين على الحدود؟

قائمة "الممنوعين" واقع لا خيال

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

جميل أن نقرأ تصريح وزير الداخلية في "الوسط" يوم أمس، بعدم وجود قوائم من المواطنين الممنوعين من السفر، فهو يشيع جوا من الطمأنينة لدى الجمهور، بأننا تجاوزنا "أمن الدولة" فعلا لا قولا وشعارات فحسب. وجميل أيضا أن الوزارة خاطبت خلال الفترة الماضية حرس الحدود في الدول الخليجية التي يتعرض عدد من المواطنين البحرينيين للتوقيف عند حدودها. وجميل أكثر أن البحرين "تبذل جهودا كبيرة لحل بعض الحيثيات في هذه القضية من خلال التعاون مع الأجهزة الأمنية في الدول الخليجية الشقيقة". وفي الوقت الذي لا نشك في صحة هذا الكلام وصراحته، إلا أن هناك إشكالا لابد من طرحه من باب المصارحة أيضا، فإذا كانت الصحافة تنشر بين فترة وأخرى قصص معاناة هؤلاء المواطنين وتظلماتهم، فلاشك أن هذه القصص ليست مفبركة أو من نسج الخيال. تصريح الوزير الذي نفى وجود "قائمة ممنوعين"، تضمن اعترافا بتعرض عدد من المواطنين للتوقيف. فالمسألة إذا ليست خيالا أو ادعاء من قوى المعارضة بكل تأكيد. إضافة إلى قصص هؤلاء، لعلنا نتذكر منع عدد من قادة الجمعيات البحرينية من دخول الكويت قبل عام تقريبا، قابلتها خطوة مماثلة بمنع مواطنين كويتيين من دخول البحرين. وإذا كان هذا التعامل على مستوى قادة الجمعيات والرموز السياسيين البارزين، الذين تتلقف الصحافة أخبارهم، فمن يسمع معاناة المواطنين "العاديين" من ضحايا "أمن الدولة" سابقا، الذين مازالت أسماؤهم على "القائمة السوداء"، لمجرد أنهم تعرضوا سابقا للاعتقال، أو "تدخلوا في السياسة" في يوم من الأيام؟ في موضوع "الممنوعين من السفر"، أود أن أقدم شهادة ميدانية لما يحدث على الحدود. والأمر عموما أكبر من قضية شخصية، لأنه يمس أعدادا كبيرة من المواطنين. والمعاناة بدأت منذ تسعة أعوام، مع الخروج من السجن السياسي بعد خمسة عشر عاما. في المنفذ الجوي، لم تكن هناك "بهدلة" أو أية "إجراءات" والحق يقال، ولكن هذه البهدلة تنتظرك على الجسر، كلما أردت الحج أو العمرة أو زيارة الأهل والأصدقاء في الطرف الآخر من الحدود. في العام 1999 تحديدا، كانت رحلة الحج، ضمن حملة مكونة من أربعة باصات، "أي ما لا يقل عن 200 شخص"، وتم الاستدعاء إلى مكتب الأمن للتحقيق. وإذا أردت أن تشرح للضابط الآخر أن قضيتك منتهية منذ سنوات، وأنه أعيد لك الاعتبار بأمر المحكمة، وأصبحت قضيتك السياسية من التاريخ، فإذا الضابط يرفع يده لتسكت، راسما بيده إلى حلقه إشارة إلى الإعدام! هذه الحركات والتحقيقات و"البهدلات" تتجدد كل عام، مع كل زيارة أو عمرة، حتى تكره السفر عبر ذلك المنفذ الحدودي. وفي كل مرة تثير هذه الإجراءات أسئلة المرافقين وتنشر مشاعر القلق بين الناس، ومن الصعب أن تقنع عسكريا ينفذ الأوامر ويلتزم بالتعليمات، بما تمر به البحرين من تحولات وانفتاح سياسي، وأن الحكومة "تصالحت" مع الشعب، وأن المواطن صاحب الاهتمامات السياسية هنا لم يعد ملاحقا أو مطلوبا أمنيا فلا داعي للبهدلة على حدود الآخرين. آخر هذه الوقائع، ما جرى يوم الأربعاء، التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك، في الطريق إلى الأراضي المقدسة ضمن حملة من خمسين شخصا، ثلثهم من الرجال، والبقية من النساء والأطفال والصغار. كلهم تم تأخيرهم بسبب ورود اسم محدثكم على تلك القائمة التي مازالت تضم مئات البحرينيين "السياسيين" وليس المجرمين أو المطلوبين للعدالة حتما. تصريح نائب وزير الداخلية السعودي أمس أيضا، حمل الكثير من الود بقوله: "إننا نكن كل الحب والتقدير للشعب البحريني الشقيق... ونعتبر السعودية هي وطن البحرينيين... فكيف نمنع أشقاءنا من دخول وطنهم الثاني؟". وهو كلام يوضع على الجرح فيطيب، وهي المشاعر التي نكنها لأشقائنا الخليجيين... ولكن تبقى هناك مشكلة معلقة بحاجة إلى متابعة وحل جذري. وزارة الداخلية في البحرين نفت وجود "قائمة ممنوعين"، والجانب السعودي الشقيق نفى أن تكون لديه قوائم ممنوعين بحرينيين، لكن يؤسفني أن أقول إن الوقائع تخالف ذلك. فهناك مآس إنسانية تحدث على الحدود، والحديث ليس عن خمسة أو عشرة أفراد، وإنما عن مئات من العاملين في الإمارات والكويت وغيرهما. المشكلة ليست في النوايا، فالكل يشهد بطيب العلاقات وتميزها بين البلدين الشقيقين، ولسنا نشكك في كلام الوزير ونائب الوزير، المشكلة في وجود قوائم قديمة موروثة من فترة "أمن الدولة"، مازالت منسية في أنظمة الأمن الإلكترونية لدى منافذ الدول الشقيقة، وقد آن الأوان لتنظيف هذه الأنظمة الإلكترونية من تلك القوائم السوداء... وتلك مهمة عاجلة لا تنتظر مزيدا من التجاهل أو النسيان

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1181 - الثلثاء 29 نوفمبر 2005م الموافق 27 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً