العدد 1189 - الأربعاء 07 ديسمبر 2005م الموافق 06 ذي القعدة 1426هـ

درويش: اللغة هي أيضاً عرضة للشيخوخة المبكّرة

الوسط-المحرر الثقافي 

تحديث: 12 مايو 2017

وقع الشاعر العربي الكبير محمود درويش الأسبوع الماضي، في العاصمة الأردنية (عمّان)، مجموعته الشعرية الجديدة «كزهر اللوز أو أبعد» في حضور مكثف لعدد من المثقفين والكتّاب. المجموعة صدرت في بيروت قبل أكثر من شهر عن «دار رياض الريس»، وينحو فيها الكاتب منحى جديداً في تعاطيه مع الأساليب الشعرية، وتعد مغايرة لتجاربه السابقة. وتنشر «الوسط» الكلمة التي ألقاها درويش في حفل التوقيع: الشكر والامتنان لكل من أسهم وشارك في هذا اللقاء: لمسرح البلد، ولأمانة عمّان، وللعاملين في الحقل الثقافي، وللأصدقاء والزملاء والكتّاب والشعراء في هذا البلد العزيز الكريم الذي نتمنى له الطمأنينة والخير والازدهار. أما التحية الخاصة، فإنها موجّهة الى القارئ المجهول، الذي تربطني به علاقة سرية لا مجاملة فيها، ومعاهدة أدبية لا وصيَّ عليها غير الثقة المتبادلة والمشاركة الطوعية في حركة النص الشعري في اتجاهين: من الذات الكاتبة إلى الذات القارئة التي تمنح النص حياته الثانية، حتى تعيد كتابته المجازية بطريقتها الخاصة كلما وجدت فيه صوتها وصورتها، إذ لا حياة حقيقية للقصيدة من دون تحرّك القارئ. فالذات الكاتبة ليست ذاتية إلا في الظاهر، إنها طرف في عملية مركّبة يشكل المتلقي أو القارئ طرفاً حيوياً في تحققها. من هنا، أجد في نفسي القدرة على البوح بأنني بعيد، إلى حد ما، عن ساحة الشكوى العامة من خطر القطيعة الذي يهدد العلاقة بين الشاعر والقارئ. فالقارئ، أعني قارئ الشعر المتمرس الموهوب، وهو ليس كتلة جامدة، بل حيوية متجددة متعددة، هو الذي يشجعني على تطوير أدواتي وأساليبي بقبوله اقتراحاتي الشعرية المتغيرة. من العبث أن يعيد الشاعر قول ما قاله، وبالأسلوبية ذاتها، مئات المرات. فاللغة هي أيضاً عرضة للشيخوخة المبكرة. وإذا كان للشاعر من مهمة تجاه لغته، بالإضافة الى مهماته الأخرى، فهي إعادة الحيوية والفتوّة الى الكلمات كلما أصابها الإرهاق، وإنعاشها بالدهشة كلما وقعتْ في العادي الرمادي. «إن الشاعر هو وسيلة وجود اللغة». وحين نتحدث عن دور الشاعر في المجتمع، فإننا ننحني احتراماً لمشاركته في المظاهرة والإضراب تعبيراً عن التزامه الأخلاقي والوطني والإنساني، لكن ذلك لا يعفينا من مساءلته عن مسئوليته الجمالية تجاه الشعر عندما يكتب الشعر. فالشاعر يُعرَّف بالشعرية فيه، لا بالمواطنة فحسب. القضايا الكبرى قد تخلق وقد لا تخلق شاعراً كبيراً، لكنها تظل قضايا كبرى. والقضايا المقدّسة لا تشكل حصانة جمالية لفن يتسلّقها كالملصق والشعار. فالشعر، مهما قال وهدّد وتوعّد وقاتل وناضل، لا يُعرَّف إلا بخصائصه الجمالية التي لا تنفصل عن جماليات الحرية، والحب، والمقاومة النوعية لما يجعل الموت أفضل من الحياة، وما يجعل الكينونة عدوَّ الكائن. لا يملك أحد منا تعريفاً كاملاً أو ناضجاً للشعر. هذا الكلام الخارج عن العادي والمألوف، الباحث عن التعرّف الى نفسه في ما لا يعرف مما سبق. لكن يدفعنا إلى القول: هذا شعر أو هذا كلام يشبه الشعر. فهو دائما جديد مفاجئ يأتي باللامتوقع واللامنتظر. لا يكتمل إلا لينقص... ولا كمال له إلا في وعي النقصان. لذلك هو صعب وممكن... لأن الحياة على هذه الأرض صعبة وممكنة، ولأن المجهول هو جار الحلم. لا علاقة بين قولي هذا وكتابي هذا. فبين ما نريد أن نكتب وبين ما نكتب فجوة لا نجتازها إلا بإعادة التجربة، وبين صورة الشاعر عن نفسه وصورته في مرآة الناس مسافات لا يختصرها الشاعر إلا بتطوير أدوات النقد الذاتي، وبالتمرد الدائم على نتاجه. فإن تضخيم الذات بالنرجس ليس هو الدفاع السليم عن طبيعة الشعر المنفتحة على العالم. أن نكتب كأننا نكتب للمرة الأولى، وأن ندرك أن أوراقنا البيضاء ليست بيضاء، بل ملأى بآلاف النصوص السابقة، وأن في داخل كل شاعر خارجاً مزدحماً بالناس والأشياء، وأن الذات الفردية، فردية وجماعية في آن واحد، وهي أحد المخاوف الضرورية لكتابة قصيدة جديدة. لن أتحدث عن كتابي، لأني لا أغبط الشعراء الذين يمتلكون الفصاحة الكاملة حين يتحدثون عن شعرهم، ويعانون كامل الركاكة حين يتحدثون عن غيرهم. ولأنني لن أعرفه من فرط ما استقلَّ عنّي. ولكنني سأسأل نفسي: كيف أتعلّم كتابة الشعر في هذا الهزيع من ا





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً