العدد 1189 - الأربعاء 07 ديسمبر 2005م الموافق 06 ذي القعدة 1426هـ

علاقة المثقف بالسلطة والتباساتها في سورية

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

كان رضوان زيادة أحد المثقفين السوريين الذين شاركوا بنشاط في الحراك الثقافي والسياسي في سورية خلال الخمس سنوات الماضية، ولعل تلك التجربة في بعدها الشخصي والعام، كانت بين أسباب دفعته للاتجاه نحو بحث علاقة المثقف بالسلطة في التجربة السورية، وهو في توجهه، ذهب إلى الأبعد من بحث تلك العلاقة في الفترة المعروفة بـ «ربيع دمشق»، ليبدأ في متابعة تلك العلاقة في اتجاهاتها العامة منذ نهاية القرن التاسع عشر وصولاً إلى «ربيع دمشق» العام 2002 في كتابه «المثقف ضد السلطة: حوارات المجتمع المدني» من خلال فصلين ومجموعة ملاحق، تمثل وثائق اساسية في علاقة المثقفين بالسلطة في سورية، والتي كانت علاقة صراعية على نحو عام. لقد بدأ المؤلف بحثه في علاقة المثقف بالسلطة في الفصل الأول بالتوقف عند «الاصول الاجتماعية للنخبة السياسية في بلاد الشام» متوقفاً عند الأبرز في تحولات بلاد الشام نهاية القرن التاسع عشر في محاولة تمهيدية لرؤية دور المثقفين في ظل الحكم العثماني لبلاد الشام، ثم انتقل بعدها إلى عرض ملامح من دور المثقفين في الحياة السياسية السورية في الفترة الممتدة ما بين دخول القوات الفرنسية إلى سورية 1918 وخروجها العام ،1946 والتي توزع فيها حضور المثقفين بين دور المناضل والسياسي، إذ لعب بعض المثقفين دور المناضل في مواجهة الانتداب الفرنسي، فيما لعب آخرون دور رجل السياسة في التأسيس للحياة العامة الجديدة، فيما دمج بعض المثقفين بين المناضل والسياسي، وهذا ما فعله عبدالرحمن الشهبندر الذي لعب دوراً مزدوجاً في الحياة العامة السورية مناضلاً في ثورة سورية الكبرى 1925 ­ ،1927 ورجل سياسة أسس وقاد حزب الشعب ،1924 وكان في ذلك واحداً من المثقفين الذين عملوا على تطوير الحياة الفكرية والسياسية، ومنهم ميشيل عفلق الذي أسس حزب البعث العربي العام ،1943 وكذلك انطون سعادة الذي أسس الحزب السوري القومي الاجتماعي ،1932 ومصطفى السباعي مؤسس جماعة الاخوان المسلمين السورية، التي ظهرت تشكيلاتها الأولى العام .1935 وتغيرت بعد الاستقلال ملامح مشاركة المثقفين في الحياة العامة السورية، فتعزز حضورهم السياسي أكثر، واتخذ هذا الحضور بعداً اجتماعياً وثقافياً وسط ايديولوجيات متصارعة من الاتجاهات القومية والليبرالية والماركسية والإسلامية، وسيطرت الصراعات الايديولوجية على ساحة الثقافة والسياسة في فترة الخمسينات وسط تجربة ديمقراطية ضمنت الحريات العامة، قبل ان تتكرر في مرحلة الانفصال بعد انقطاع محدود في عهد الوحدة السورية ­ المصرية (1958 ­ 1961)، وهو ما جعل المؤلف يطلق على هذه الفترة مسمى «مثقف الثورة: نهاية المعرفة وحضور الايديولوجيا»، والتي كان من تعبيراتها انقسام وتشظي واحتراب بين المثقفين على نحو ما حدث في صفوف مثقفي البعث ورجال السياسة فيه (ص 50 ­ 51). ولاحظ المؤلف، ان استيلاء البعث على السلطة في سورية العام ،1963 أدى إلى إقامة نظام يقوم على «الحزب الواحد وعسكرة المجتمع دون اكتراث بالتعددية الحزبية وبالبرلمان والانتخابات الديمقراطية»، مستعيناً بالعسكريين من الاكثرية الريفية الذين الحقوا «المثقفين» بصفوفهم، او قاموا باقصائهم، ما ولد نزعة نقدية في النتاج الثقافي والفكري والسياسي السوري في الستينات وبداية السبعينات عبر انتاج مثقفين مثل الياس مرقص وياسين الحافظ سامي الجندي، قبل ان تؤول الحال إلى صمت المثقفين وغيابهم طوال عقدين ونصف بدأت في اواسط السبعينات في ظل أزمة عامة شاملة في الحياة السورية، كان انهيار الحياة الثقافية وتدهور حضور ودور المثقف بين تعبيراتها البارزة. غير ان تبدلات بدأت في حراك المثقفين السوريين مع بداية تغييرات سياسية في سورية، رافقت تولي الرئيس بشار الأسد سدة السلطة العام ،2000 وعكست نزوع المثقفين إلى استعادة حضورهم ودورهم في الحياة عبر اللجوء إلى إثارة المجتمع وتحريكه، وكان اطلاق المنتديات وإصدار البيانات وأولها بيان الـ 99 ولاحقاً بيان الألف بداية الطريق الذي سمح بدخول المثقفين وبعض وجوه النخبة السياسية ­ الاجتماعية باب طرح ومناقشة قضايا عامة، كانت في قائمة المحظورات لعقود طويلة. ووسط حال من التعقيدات والصراعات، أخذ يتبلور توجه جديد داخل الحراك السوري لإقامة تجمعات مدنية وسياسية وحقوقية، ولدت في اطارها «لجان إحياء المجتمع المدني»، التي ضمت حشداً من مثقفين لهم جذور مختلفة، و«التجمع من اجل الديمقراطية والوحدة» الذي شكله نشطاء من خلفية ناصرية، واطلق النائب المعارض رياض سيف وثيقة «حركة السلم الاجتماعي» قبل ان تستعيد السلطة سياستها القائمة على القبضة الأمنية مجدداً لإنهاء ما سمي بمرحلة «ربيع دمشق» عبر شن حملة اعتقالات وسط حملة إعلامية ­ دعاوية شرسة ضد المثقفين والنشطاء في ربيع العام .2001 وبخلاف الفصل الاول الذي تضمن عرضاً عاماً عن تطور موقف المثقفين من السلطة وخصوصاً في العام الاول من عهد الرئيس بشار الأسد (2000 ­ 2001)، فقد ذهب المؤلف في الفصل الثاني إلى التحليل مقدماً خلاصات رؤية المثقفين ورهانات المجتمع المدني في تمايزاتها الفكرية والسياسية من هيغل إلى دوتوكفيل وهايرماز وغرامشي الذي رأى ان أداء المثقفين في المجتمع المدني، يتجاوز أداء الأدوار الوظيفية إلى تنظيم الهيمنة الاجتماعية وسيطرة الدولة (ص 100). وخلص المؤلف إلى قول، ان المثقفين السوريين لاحظوا في نشاط المجتمع المدني، انه يعيد للمجتمع قدرته على ممارسة وظائفه السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مواجهة ما آل اليه الوضع في ظل سلطة البعث، وان ذلك يمثل توطيناً لمفهوم المجتمع المدني في الواقع السوري، عارضاً بعض ملامح الجدل الثقافي السوري حول المفهوم، كما بدا الأمر عند المفكرين الطيب تيزيني وصادق جلال العظم وحامد خليل، ثم أضاف إلى خلاصته السابقة، ان المثقفين ساروا في دعوتهم إلى المجتمع المدني من أجل الاستقلال عن الدولة، لكنهم انتهوا إلى ان أصبحوا جزءاً من مشروع الدولة التي يرفضونها ويدعون اليها (ص 107) لقد غطى الكتاب الصادر في نهاية العام 2005 من خلال العرض والتحليل مساحة مهمة من علاقة المثقف بالسلطة في سورية، والقى الضوء على مفهوم المجتمع المدني بما فيه تجسيده في الواقع السوري، وأضاف إلى ذلك مجموعة من الوثائق التي صدرت في سورية ما بين 2000 و2001 التي تعكس حراك المثقفين والنشطاء ومطالبهم، وهذا يعني ان ثمة سنوات بين صدور الكتاب ومجريات الحوادث والتطورات التي توقف عنها، وحصلت تطورات دراماتيكية وسريعة في الأربع سنوات الأخيرة. شهدت فيها سورية فصولاً مهمة في حراك المثقفين وسط سلسلة من التطورات الداخلية والإقليمية والدولية، تركت آثارها وبصماتها على حراك المثقفين ومطالبهم، وولدت صراعات وتوافقات مع النظام في آن معاً، كما هو حال حوادث القامشلي ،2004 واجتياح العراق ،2003 والتمديد السوري للرئيس اللبناني اميل لحود وما جلبه من تداعيات لبنانية وسورية، وحوادث سبتمبر / ايلول الأميركية 2001 وتداعياتها وخصوصاً في موضوع الحرب على الارهاب، وهي أمور، ربما كان من الضروري تناولها في الكتاب لصلتها العميقة بموضوعه، وهو أمر ادركه المؤلف بصورة ما، عندما ضم الى الوثائق «إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي» الذي يمثل خلاصات الحراك الثقافي والسياسي ازاء ما افرزته تلك المرحلة من مطالبات المثقفين في سورية

العدد 1189 - الأربعاء 07 ديسمبر 2005م الموافق 06 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً