العدد 1192 - السبت 10 ديسمبر 2005م الموافق 09 ذي القعدة 1426هـ

قراءة تحليلية لورشة عمل إصلاح التعليم والتدريب

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

جاء الحوار الوطني الشامل لإصلاح منظومة التعليم والتدريب بحقائق ومعلومات وإحصاءات تعكس واقعا مخيفا، ويبشر بمستقبل واعد، في مجالي التعليم والتدريب وخصوصا في جامعة البحرين والتعليم الثانوي المهني والصناعي. فقد أطلق ولي العهد رئيس مجلس التنمية الاقتصادية صاحب السمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة في قصر الشيخ حمد بالقضيبية يوم الأربعاء 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي المشروع الثالث، الذي يمثل أحد أضلاع المثلث الذهبي أمام تجمع شمل نحو 200 شخصية من مختلف المواقع، إذ جاء خطابه الافتتاحي للورشة موضحا أهم الانجازات التي تحققت في المملكة. وذكر أنه لايزال هناك الكثير من المنجزات في طريقها إلى التحقق والازدهار ولن يتحقق ذلك الا من خلال الإصرار ومواجهة التحديات لتحقيق مزيد من الطموحات، مشيرا بذلك إلى الفرصة الذهبية لبناء اقتصاد قوي قادر على المنافسة مع أكثر دول العالم تقدما. وهذا بطبيعة الحال يتطلب الاهتمام بدرجة أكبر بالمورد البشري ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تنمية القوى البشرية الوطنية العاملة والمخلصة للوطن. سأركز هنا في مقالي هذا على تحليل واقع الورقة الخاصة بوزارة التربية والتعليم والتي قدمتها مديرة إدارة التخطيط والبرمجة فائقة الصالح والتي شملت الكثير من الإحصاءات الخاصة بمجال التعليم والتدريب، إذ أشارت إلى أن "عدد الطلبة والطالبات في مدارس البحرين في العام 2005 - 2006 يصل إلى 124 ألفا و10 طلاب، وأن أداء مخرجات النظام التعليمي في المملكة اقل من الدول مقارنة بمستوى إتقان الكفايات في المواد الدراسية الأساسية، ولاسيما في المواد الدراسية الآتية: اللغة العربية واللغة الانجليزية والرياضيات والعلوم، إذ إن هذه الكفايات أقل من المتوقع في جميع المراحل التعليمية، كما أن مستوى إتقان الكفايات بالنسبة إلى البنين أقل من البنات، والسبب تركيز المناهج على المعرفة وليس المهارات، ونوعية طرائق التدريس غير مشوقة، إضافة إلى ضعف تدريب المتعلمين وإدارتهم. كما أشارت إلى أن أداء الطلبة البحرينيين في الاختبار الدولي "TIMSS" للصف الثاني الإعدادي في مادتي الرياضيات والعلوم يأتي في المراتب المتأخرة، إذ حصلت البحرين على درجة 37 في مادة الرياضيات بواقع 401 نقطة، وعلى 33 درجة في مادة العلوم بواقع 436 نقطة. إذ أشارت الدراسة إلى أن غالبية طلبة المدارس لديهم ضعف في إتقان اللغة العربية والرياضيات والعلوم في جميع مراحل التعليم، وأن هناك فجوة بين الجنسين في الاختبار الدولي "TIMSS" لصالح البنات، إذ حققت البنات نتائج أفضل من البنين، كما توجد بين الجنسين في الصفوف الأولى للنظام التعليمي. كما بينت الاختبارات التي قامت بها الوزارة أن أداء الطلبة في المهارات المعرفية جيد، ولكن ضعيف في المهارات التطبيقية في الرياضيات واللغة العربية. وأشارت الدراسة إلى أن الوزارة تقوم حاليا بتعيين المعلمين على أساس تاريخ تقديم الطلب وسنة التخرج وليس على أساس المهارات والكفايات التي يتقنها المتقدم إلى الوظيفة، وعلى رغم ارتفاع عدد معلمي الوزارة فإن متوسط ساعات التدريس بالنسبة إلى المعلم انخفض وينعكس هذا الانخفاض على إنتاجية المعلم. كما أن 90 في المئة من المعلمين تقريبا يحصلون على تقدير "ممتاز"، إذ يتم تقييم أداء المعلمين من قبل المعلم الأول أو من قبل مدير المدرسة في المدرسة نفسها من دون الاعتماد على التقويم الخارجي. كان ذلك أهم ما جاء في تقرير وزارة التربية في ورشة إصلاح التعليم، وكما ترون أن التقرير يعتمد بدرجة كبيرة على التشخيص، وقديما قيل إن التشخيص نصف العلاج، التقرير لم يتطرق إلى الأسباب بشكل عميق، كما أنه خلا من وجود استراتيجية التعاطي مع الوضع الراهن في ظل وجود خلل كبير في منظومة التعليم والتدريب. سأتطرق خلال هذا المقال إلى تحليل بعض جوانب التشخيص التي جاءت بها الوزارة، بعدها سأتطرق إلى الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة من وجهة نظري الشخصية. كشفت الدراسة أن أعداد التلاميذ في ازدياد مطرد، وبالتالي لابد أن يقابله زيادة مطردة أيضا في أعداد المدارس بشكل يتناسب مع زيادتهم، يعني تقليل أعداد التلاميذ داخل الصف الواحد حتى ينال الطالب القدر الكافي من الرعاية والاهتمام من قبل المعلم، ولاسيما أننا نؤمن بوجود الفروق الفردية بين الطلبة، وأن حاجة كل تلميذ تختلف تبعا لمستواه وقدراته، وهذا ربما يكون غائبا، وعلى رغم الاهتمام الكبير الذي توليه الوزارة في مجال التربية الخاصة، فإننا نسجل ملاحظاتنا بأنه لايزال لا يفي بالغرض، إذ إن مجال التربية الخاصة، على رغم أهميته، لايزال قاصرا فقط على المرحلة الابتدائية، وكأنما ذوو الاحتياجات الخاصة لا يكونون بحاجة إلى اهتمام ورعاية إلا في سنوات دراستهم الأولى "الابتدائية"، وعلى الوزارة أن تسرع في مد التربية الخاصة إلى المرحلتين الإعدادية والثانوية. الأمر الآخر والمهم هو مناهجنا التي لاتزال "مكانك سر". تستبدل الطبعة بحيث تتجدد وتتغير، لكن على مستوى المحتوى والمضمون لاتزال تعاني من الفقر والعوز، على رغم التطور الحاصل. مناهجنا مازالت في واد غير الوادي الذي يعيشه الطفل البحريني، كما أنها لا تواكب التطورات ولا تستوعب الحراك على جميع الأصعدة. الفروق الكبيرة والفجوة الحاصلة التي تحدث عنها التقرير بين الجنسين لصالح البنات ناتجة بطبيعة الحال، عن سببين رئيسيين على الأقل، ولابد من الاعتراف بذلك، السبب الأول يكمن في أساليب وطرائق التدريس المتبعة، ومن المعروف أن المدرسات في الميدان يبذلن مجهودا أكبر في التنويع من الأساليب واستراتيجيات التدريس، وينعكس ذلك إيجابا على أداء الطالبات، وثبت بالتجربة أن للاستراتيجيات المتبعة في التدريس مردودا إيجابيا على بقاء المعلومات في الذاكرة مدة أطول، إلى جانب التشويق وجذب الانتباه، في حين أن العكس هو الصحيح بالنسبة إلى المدرسين والطلاب، إذ الروتين الممل وأساليب التلقين والحفظ. السبب الآخر يتعلق بالطالبات أنفسهن إذ أيضا من المعروف أن دافعيتهن للدراسة والتعليم تفوق دافعية الطلاب، كما أنهن يذاكرن ساعات أكبر منهم، وبالتالي أداء أفضل، إلى جانب طبعا، طبيعة المناهج التي لا تميز بين البنين والبنات، على رغم كون خصائصهم العمرية تبدو مختلفة تماما، ففي الوقت التي تتفاعل فيه البنات مع الجانب المعرفي يتفاعل البنون بصورة أكبر مع الجوانب المهارية، في الوقت الذي تعاني منه مناهجنا الدراسية من شحة توافر الجانب المهاري، وبالتالي مزيد من التعطل، وخصوصا عندما يفتقد خريج الثانوية العامة الكفايات اللازمة لدخوله سوق العمل. إذا أردنا أن نحلل أسباب ضعف أداء بعض المعلمين أو المعلمات في التنويع في أساليب واستراتيجيات التدريس فإننا نتذكر على الفور المأساة التي طالما عانى منها الطالب طوال فترة دراسته في الجامعة، إذ إنها قصرت في إمداده بالزاد الكافي لمواصلة دربه حتى وصوله إلى بر الأمان، وعندما التحق بالميدان وجد الجفاء ذاته من قبل الوزارة، اللهم إلا من ورشة هنا أو مشغل هناك، وعليه أن يعمل على تدريب نفسه بنفسه. وبالتالي ليس هناك جدول زمني محدد ومدروس يعمل على رفع الكفاءة المهنية للمعلم فور التحاقه بالتدريس، وإذا ما وجد فإنه يبقى ضعيفا وهزيلا، والأولى أن تكون هناك خطة معدة مسبقا لتدريب وتطوير أداء المعلم تمتد لعدة سنوات بناء على الاحتياجات التدريبية وحاجة الميدان، وتتولى ذلك الإدارة التدريبية بالتعاون مع الإدارات المختلفة كإدارة المناهج وإدارات التعليم في جميع المراحل. المعيار الذي تتبعه الوزارة في التوظيف في الآونة الأخيرة معيار الأقدمية كما أشارت إليه الدراسة، بعيد كل البعد عن مستوى الكفاءة أريد أن أعلق هنا بأن هذا المعيار قد فرض على الوزارة فرضا وله أسبابه الخاصة، وسأتطرق لذلك، ولاسيما بعد أن زادت فيه أعداد المعلمات العاطلات عن العمل بصورة رهيبة، وخصوصا اللاتي تخرجن منذ فترة، في الوقت التي شممنا رائحة المحسوبية والطائفية البغيضة بحيث إن البعض يتخرج وعلى الفور يجد له وظيفة بانتظاره، وأخريات لابد لهن من الانتظار لأجل غير محدد، وعند السؤال والاستفسار يأتي الجواب من المسئولين في الوزارة بأن هؤلاء اللاتي تم توظيفهن أثبتن كفاءتهن من خلال الاختبارات والمقابلات التي أجريت لهن، فجاء معيار الأقدمية ليحل محل المعايير الأخرى في محاولة من المحاولات للوقوف في وجه الفساد، طبعا إلى جانب توافر الكفاءة المطلوبة من خلال الاختبارات المقدمة والمقابلات فلا أحد يزايد على أهمية توافر الكفاءة. الكفاءة من المعايير المطلوبة ولكن تبقى مسألة الكفاءة مسألة نسبية بمعنى ما اعتقد بأن فلانا ذو كفاءة عالية ربما البعض يجده غير ذلك وهكذا حتى لو أننا استخدمنا أداة معينة للكشف، لا بد لها أن تبنى بشكل دقيق بحيث يمكن للأداة من التميز بين الأداءات المختلفة، فكثير من الأحيان تفرز لنا بعض الأدوات على رغم ثقتنا بها فرزا غريبا عجيبا وتجعلنا في حرج. بخصوص النقطة التي تناولها التقرير وهي على رغم أن معدل ساعات التدريس بالنسبة إلى المعلم انخفض فإن هذا الانخفاض انعكس على إنتاجية المعلم، استغربت كثيرا لهذه النتيجة وخصوصا أن أكثر المعلمين في الميدان يشتكون من كثرة الأعباء والتعب الذي ينالهم من جراء الحصص والتدريس بل ان غالبيتهم يؤكدون أنهم يريدون أن يبدعوا ولكن لا وقت لديهم، ويمكنني أن أرد أصل ذلك إلى غياب التخطيط وفن إدارة الوقت سواء على مستوى المعلم أو على مستوى الإدارات المدرسية، إلى جانب عدم توافر البرنامج اللازم للعمل على زيادة إنتاجيتهم، أو ربما الجوانب النفسية التي يعاني منها المعلمون أثرت بشكل أو بآخر على دافعيتهم وبالتالي تأثر الإنتاجية. غالبية المعلمين يحصلون على تقدير 90 في المئة فما فوق، وكما أشارت الدراسة إلى أن التقرير يكون صادرا من المعلم الأول أو من مدير المدرسة وهذا الأمر مرده أمران، الأول يتعلق بأن الغرض الأساسي من ذلك هو لضمان استمرارية العمل وبالتالي حي

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1192 - السبت 10 ديسمبر 2005م الموافق 09 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً