العدد 1192 - السبت 10 ديسمبر 2005م الموافق 09 ذي القعدة 1426هـ

حين لا يساوي صوت المواطن علبة جبنة!

الديمقراطية "المباركة"... إلى أين؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أحد الزملاء "المدنيين" كان في زيارة إلى مصر الأسبوع الماضي للمشاركة في مراقبة الانتخابات، واتصل معلقا على مقالة الجمعة عن فضائح "الديمقراطية المباركة"، كشاهد عيان رأى بعينيه ما وصفه أنه ساحة حرب وليس انتخابات تشريعية! ما أضافه زميلنا هو أن الأموات في مصر أدلوا بأصواتهم لأول مرة في التاريخ! وقد تم رصد أسماء 5 آلاف متوفى، أحياهم الفساد الإداري "العظيم" وأخرجهم من قبورهم، ليعطوا أصواتهم لصالح الحزب الوطني الحاكم! ولفت النظر إلى شكوى المنظمات الحقوقية من عمليات التلاعب في الانتخابات وشراء الأصوات، موضحا أن "سعر الصوت الواحد كان 10 جنيهات"، أي 681 فلسا بحرينيا فقط "يعني الصوت الواحد أقل من سعر علبة أو كأس الجبنة، أو 3 سندويشات طعمية بالشطة لا غير!". وأضاف زميلنا المراقب البحريني قائلا: "الحزب الحاكم كان مستأثرا بالسلطة لعقود، ولا يريد أن يشاركه فيها أحد، ولولا قوة الاخوان المسلمين وحسن تنظيمهم في الشارع لما استطاعوا انتزاع هذه النسبة من المقاعد". وأشار إلى ما جرى في المنصورة تحديدا قائلا: "الاخوان كانوا يسيطرون على الشارع في المنصورة، فلا تكاد ترى امرأة غير محجبة هناك. وبالتالي كان من المتوقع أن يكتسحوا فيها، ولذلك تم افتعال بعض الحركات لإبطال النتائج، من ذلك أن يأتي "مبعوثان" من الحزب الحاكم ويفتعلا شجارا أمام بعض المقرات، فتنتشر الفوضى وتتدخل الشرطة لتفرض طوقا لمنع الناس من الدخول، فيضطر القاضي إلى إغلاق المركز الانتخابي"! الجماعات الحقوقية اتهمت السلطات صراحة بارتكاب مخالفات فظيعة من قبيل شراء الأصوات وتزوير النتائج، ومنع الناخبين من دخول مراكز الاقتراع بالقوة، والخطوة الأخيرة هي ظاهرة مضحكة جدا تحدث لأول مرة في تاريخ البشرية جمعاء، ولا أدري كيف سيستقبلها الحلفاء الغربيون، بالغضب والإزدراء... أم بالقهقهة والضحكات! من الممكن أن يتفهم الإنسان ان هناك حكومات ديكتاتورية ومستبدة، تريد الاستئثار بالحكم والسلطة والتلاعب بالمال العام، دون محاسبة أو مساءلة من الشعب. ويمكن أن يتفهم أن هناك معادلة مازالت تحكم السلطات في مصر المحروسة، منذ أيام البطالسة والفراعنة حتى أيام كافور والمماليك وانتهاء بالرؤساء "الجمهوريين"، الذين لا يتمكن من إزاحتهم عن عرش مصر إلا الملاك عزرائيل عليه السلام. وإذا كان من غير المتوقع أن يترك رئيس عربي كرسيه ويعود إلى بيته، مواطنا عاديا بعد أن ذاق حلاوة السلطة، إلا أن من الصعب جدا أن يصدق دعاوى الديمقراطية وبرنامج الإصلاح، ودعوة الناس للانتخابات، ثم تترصد الناس على قارعة الطريق لمنعهم من الإدلاء بأصواتهم، وتضربهم بالقنابل المسيلة للدموع لمنعهم من الوصول إلى صناديق الاقتراع... فهذه المهزلة تحدث لأول مرة في التاريخ! طبعا الأخوان المسلمون مهما زادت قوتهم أو تضاعف عدد المقاعد التي ينتزعونها في البرلمان، فانهم لا يملكون حلا سحريا لمشكلات متراكمة في حجم الاهرامات. وإذا أجادوا اختزال معركتهم مع النظام في شعار بسيط مثل "الإسلام هو الحل"، إلا انه لا يمكن اختزال كل المشكلات في صندوق صغير. ومع ذلك، فإن ما حققوه على رغم كل هذه الحرب ليس قليلا. كما ان القراءة الموضوعية للحدث المصري تبين إصرار المواطن المصري على المشاركة، بما يعكس حافة اليأس التي بلغها فأخذ يتعلق بأية قشة في اليم، في وضع ذهبت بعض التقارير الصحافية إلى وصفه بأنه حال من الانهيار. المشاركة هناك يمكن أن نقرأها باعتبارها نوعا من الاحتجاج على كل الأخطاء الجارية في مصر منذ آلاف السنين. وهو ما عبرت عنه الحركة المصرية برفعها الشعار الشهير: "كفاية" في وجه الحزب الحاكم، والرئيس الطامح للبقاء إلى الأبد في الحكم، وليتوالد من هذا الشعار "كفايات" أخرى: كفى تسلطا، كفى تقزيما، كفى فسادا، كفى انتهاكات وسجونا، كفى "مسخرة"، وأخيرا... كفى توريثا! كتابتنا عن مصر ليس كتابة مترفة عن بلد بعيد، وإنما هي قلب المنطقة، وتجارب التاريخ تؤكد انه إذا مرضت مصر، مرض كل العرب، وإذا تشافت تشافى الجسد العربي كله. يوم قاتلت الكيان الصهيوني رفع العرب رؤوسهم جميعا، ويوم أخرجها السادات من المعركة دفع العرب الأثمان، وكان أولهم لبنان. ديمقراطية مصر اشبه بالحمل الكاذب، صوت المواطن فيها أرخص ثمنا من "كأس الجبنة"، وبرامج إصلاح هزيلة، نخشى أن يتم تقليدها في المحيط... بدء بـ "ترزية القوانين" من عهد الملك فاروق، وانتهاء باستخدام السيوف والسكاكين!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1192 - السبت 10 ديسمبر 2005م الموافق 09 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً