قد يعجز اللسان عن القول والتعبير ويتحير المرء فيما إذا كان على صواب إن قال هذه الكلمة أو تلك، وخصوصاً حينما يرتبط الأمر بقضاء من الله وقدر قد لا يطيق قلبه ولا عقله تحمله، إلا أن الصدر يفيض بما فيه من هموم وآلام، وقد يضطره الأمر في آخر المطاف إلى فتح قلبه والإفصاح عما يجول فيه لمن حوله، عله في شكواه يجد من يسانده في محنته. فكان الحاج حسين صالح من قرية الدير يتكتم على همومه وآلامه التي حملها إليه طفله الصغير منذ أيامه الأولى في هذه الدنيا، والتي أطل عليها بمرض جلدي نادر جداً، إلا أن تطورات الحال الصحية للصغير والضغط المادي الذي يجعله عاجزاً عن تحمل مصروفات علاجه لدى أفضل الأطباء كما كان يتمنى، جعله يفتح قلبه لـ «الوسط» ويفصح عن أحوال ابنه الصحية آملاً في أن يجد يداً كريمة ترعى طفله (علي) وتعينه في تلقي العلاج المناسب. ذلك الطفل الصغير، كالعصفور الذي يتمنى الطيران محلقاً ومسروراً حتى يكبر ويترعرع منطلقاً، لكن المرض يحول دون ذلك.
منذ اليوم الأول
تبدأ فصول قصة الطفل علي منذ يوم ولادته الأول، إذ بانت على أحد أظافر يديه علامة أشبه برض أو ضربة صغيرة لم يعرها الأطباء في المستشفى أي اهتمام لدى ملاحظة ذويه لوجودها كما ذكر أبوه وأخذت هذه الحال في التطور مع مرور الوقت، إذ أصبحت أشبه بحروق جلدية وانتفاخات واحمرار شديد في كل أنحاء جسده الصغير، وأخذت أظافره تتساقط واحداً تلوى الآخر حتى انه لم يتبق منها سوى ظفر واحد حين تم اللقاء وكان أهله وأمه خصوصاً أصيبوا بحال من القلق الشديد، وخصوصاً ان جسده كان يلتهب ويدمي لمجرد أن يلامس أي شيء حتى قطع الملابس، ما اضطرهم إلى عرضه على عيادة خاصة علهم يجدون العلاج الملائم لهذه الحال.
مشوار العلاج
تم عرض الطفل على إحدى الاختصاصيات في الأمراض الجلدية التي أوصت بوجوب وضع الحالة تحت ملاحظة مستمرة وذلك بنقله إلى أحد المستشفيات، وبعد نقله إلى مجمع السلمانية الطبي أخذت حالته تسوء، إذ ان مكان المغذي بدأ يلتهب، وأخذت التقرحات تنتقل إلى فم الصغير وتدمي لسانه، فجزع أهله مما شاهدوه، الأمر الذي جعلهم ينقلونه إلى المستشفى الأميركي، وهناك تم تشخيص الحالة، وأكدوا أنها فطريات تتسبب في تحلل الجلد وأن مثل هذه الحال لم تمر في تاريخ المستشفى سوى ثلاث مرات فقط،
موازنة الأسرة المتواضعة
وكأي مواطن محدود الدخل لم يكن العلاج في المستشفى الخاص أمراً متاحاً أو مقدوراً عليه في موازنة الأسرة المتواضعة، فلم يبق الطفل في المستشفى الأميركي وفضل أن يعود به إلى مجمع السلمانية الذين طلبوا منه الانتظار شهراً آخر حتى يكبر الطفل ويصبح بالإمكان أخذ عينات أفضل للفحوص المخبرية على رغم أنهم أخذوا في السابق ولم يتم الاستفادة منها.
الأمل لايزال موجوداً
استمرت الأسرة في إعطاء الطفل المضادات الحيوية التي وصفها المستشفى من دون ملاحظة أي تحسن في حالته أو حتى استقرار ملحوظ، و بالتالي فإن الحال النفسية للأسرة ولأم الطفل كانت تسوء على الوتيرة نفسها، فقرر والد الطفل طلب العون من أصحاب الأيدي الكريمة لكي يتمكن من أخذ الطفل للعلاج في أي من الدول القريبة كالسعودية أو الأردن أو مصر إن أمكن، وإن كان على أمل في أن يجد طبيباً بحرينياً يعرف العلاج ويتابع الحالة بأقرب فرصة لأن الطفل في الوقت الحالي يقضي حياته ما بين نائم وباك.
حاولنا... والوزارة لم ترد،
لعل الرد الواضح سيكون من جانب وزارة الصحة بشأن الموضوع، فقد حاولنا الاتصال بالطبيب المعالج للتعرف على طبيعة المرض وأسباب عدم التمكن من شفاء الطفل حتى الآن، وعما إذا كان هذا المرض نادراً أم لا، لكننا لم نحصل على إجابة؟ تشير خالة الطفل إلى أن هذا المرض الذي أصاب الطفل علي، هو مرض غريب فعلاً، إذ تسوء حالته يوماً بعد يوم... حتى أظافره تتآكل وتسقط، وتنتشر التشققات في مختلف أنحاء جسمه، ونحن لا نريد من الوزارة إلا أن تتولى مسألة فحص الطفل وتحديد حالته والبدء في تسهيل إجراءات علاجه في الخارج إن كان العلاج لا يتوافر هنا في البلد. وبنظرة شفقة تختتم كلامها بالقول: «من الصعب أن تتحمل مشهد طفل يعاني من مرض لا يمكنه حتى من الأكل... فهو لا ينام ولا يلعب ولا يمكن أن يتحمل قلب إنسان هذه المعاناة». تلك كانت قصة «علي»... واسمه الحقيقي «علي الأكبر»... ينتظر ذووه أن تمتد الأيدي إلى علاجه من مرضه الذي ما فتئ ينهش جسده الصغير الغض، وفي هذا البلد الكريم، تتجه الآمال الى أصحاب الأيدي الكريمة التي تمتد بالعطاء والخير لكل محتاج
العدد 1199 - السبت 17 ديسمبر 2005م الموافق 16 ذي القعدة 1426هـ