العدد 1204 - الخميس 22 ديسمبر 2005م الموافق 21 ذي القعدة 1426هـ

الاغتيال السياسي سلوك دموي من عصر قديم

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

آخر جرائم الاغتيال السياسي في العالم العربي، حدثت في لبنان، إذ اغتيل النائب والصحافي اللبناني جبران تويني بتفجير سيارة مفخخة لدى مرور سيارته في منطقة المكلس ببيروت، ما أدى الى استشهاده واثنين من مرافقيه. وقبل اغتيال تويني، كان عدد من الشخصيات السياسية والاعلامية اللبنانية، تعرضوا للاغتيال في الفترة الماضية، كان في مقدمتهم الرئيس رفيق الحريري والنائب باسل فليحان وعدد من المرافقين، ثم الصحافي والكاتب سمير قصير، وبعده الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي. ومثل لبنان، كان العراق مسرحاً لعمليات اغتيال سياسي كثيرة، وخصوصاً بعد احتلاله العام ،2003 فقتل فيه الكثير من رجال السياسة والفكر والعلماء غيلة في عمليات توزعت ما بين اطلاق الرصاص مباشرة على تلك الشخصيات، أو تفجير سياراتهم، أو الهجوم على بيوتهم أو بواسطة الهجمات الانتحارية، وقد قتل بعضهم بدم بارد أمام ذويهم. وعلى رغم ان الاغتيال السياسي في العراق، طال شخصيات سياسية مهمة مثل رئيس المجلس الأعلى للثورة الاسلامية محمد باقر الحكيم، ورئيس مؤسسة الخوئي العالمية عبدالمجيد الخوئي اللذين اغتيلا في العام ،2003 وعدد من قادة هيئة علماء المسلمين اغتيلوا أخيراً، فان أكثر عمليات الاغتيال هناك، توجهت بصورة أساسية إلى الخبرات والكادرات العراقية، التي بدت وكأنها أهداف سهلة من جهة، وأن المطلوب تصفيتها في إطار تدمير قدرات العراقيين. وبينت تقارير صحافية ان الاعتداءات على أساتذة الجامعات العراقية، أدت إلى اغتيال أكثر من ثلاثمئة شخص منهم في عامين فقط، بينهم أكثر من مئة وستين أستاذاً، ونحو سبعين من علماء الدين السنة وأئمة الشيعة، وهي عمليات توازي في أهدافها عمليات اغتيال كبار الضباط السابقين في الجيش العراقي، والذين تؤكد تقارير عدة ان تصفيتهم تجري لأهداف سياسية. وبينت التقارير، انه جرى تصفية عشرات من كبار الضباط السابقين أكثر من نصفهم كانوا ضباطاً في سلاح الجو العراقي. ويتماثل الاغتيال السياسي في العراق من حيث اتساعه وشموله مع الاغتيال السياسي الذي تمارسه «اسرائيل» ضد الفلسطينيين، وقد شمل في السابق اغتيال قادة وناشطين من المقيمين في الخارج أمثال غسان كنفاني وأبوجهاد وأبوإياد وهايل عبدالحميد، قبل أن تتمركز عمليات اغتيال الفلسطينيين في الداخل، ليتم من خلالها قتل وتدمير النخبة القيادية للفلسطينيين من رجال السياسة إلى الكادرات العسكرية، مروراً بالكادرات العلمية والتقنية. كما طالت الاغتيالات الاسرائيلية المراكز القيادية العليا لدى الفلسطينيين ومنهم الرئيس ياسر عرفات وزعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبوعلي مصطفى، ومؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين وآخرين كثر جرى اغتيالهم في السنوات الثلاث الاخيرة. والتوقف عند ظاهرة الاغتيال السياسي في البلدان الثلاثة، يقارب التوقف عند غيرها من البلدان، وهو يشير إلى طبيعة القوى الظلامية التي تقوم بها، إذ هي في الغالب جماعات مغلقة سواء كانت من الأجهزة الاستخبارية أو الجماعات الارهابية والمتطرفة، وكذلك جماعات العصابات المنظمة المأجورة، التي تقوم بأعمال الاغتيال لصالح غيرها. ويشير الواقع أيضاً إلى حقيقة أخرى أساسها عجز جماعات الاغتيال السياسي عن إقناع المستهدفين بآرائها ومواقفها، الأمر الذي يجعلها تأخذ قرار تصفيتهم جسدياً في إطار حسم اختلاف المواقف أو الآراء معهم، وعلى أمل فتح المجال من أجل تنفيذ استراتيجيتها وخططها، أو انتقاماً من تلك الشخصيات، إذا كانت قد سببت لجماعات الاغتيال ومن يقف خلفها خسائر أو إرباكات سياسية، وبالتالي فان تصفية المختلفين والمخالفين سيحقق للقتلة بعضاً من «الانتصار» على خصومهم. وطبقاً لما تؤشر له الحقائق المحيطة بنهج الاغتيال السياسي، فان هذا النهج ينتمي إلى عالم جرى تجاوزه في مستوى العلاقات الانسانية والدولية، إذ تنحو الشعوب والجماعات، ويتجه العالم نحو الحوار العام في قضاياه ومشكلاته. حوار تتشارك فيه الشعوب والدول والجماعات والمنظمات على اختلافها وتناقض مصالحها من أجل التوفيق بين الاهداف والمصالح في إطار وحدة عالمية، تتجاوز الرغبات الأنانية للذين مازالوا يعيشون في الماضي من دول وجماعات ترى أن عمليات الظلام، والتي ينتمي إليها الاغتيال السياسي هي الطريق الوحيد لتحقيق المكاسب. وهي في هذا المنحى تتقاطع مع محتوى الارهاب الذي لا يرتكبه اليوم إلاّ الظلاميون من الجماعات المغلقة، وأجهزة الدول التي تماثلها.

العدد 1204 - الخميس 22 ديسمبر 2005م الموافق 21 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً