العدد 1208 - الإثنين 26 ديسمبر 2005م الموافق 25 ذي القعدة 1426هـ

تحديات التحول إلى الديمقراطية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

كيف تتحول نظم بلد ما من حال تعتمد نهجاً بعيداً عن الممارسة الديمقراطية إلى نهج يحترم حقوق الإنسان والديمقراطية؟ ما هي العقبات التي تواجه هذا البلد أو ذاك وكيف تم التغلب عليها؟ وكيف يتحمل هذا البلد أو ذاك المخاضات، والاهتزازات التي سيمر بها وهو في طور التحول إلى الديمقراطية؟ ربما أن البعض يود ألا تطرح هذه الأسئلة، معتبراً أن التحول يكفيه قرار صادر من أعلى الهرم السياسي، وانه يمكن الاستمرار باستخدام الوسائل السابقة ولكن في طور جديد. غير ان الواقع يقول لنا إن ذلك ليس ممكناً، وإن التحول نحو الديمقراطية يحتاج إلى أكثر من قرار يصدر من الهرم السياسي، اذ يحتاج الى آليات واستعدادات، وإلى سعة صدر لتحمل الاهتزازات والمطبات... ومن دون ذلك، فانه من غير الممكن التحول نحو الديمقراطية مهما كانت النيات سليمة، ومهما كانت المبادرات صادقة. ما حدث أمس الأول عند رجوع أحد علماء الدين البحرينيين المقيمين في قم المقدسة (الشيخ محمد سند الذي دعا الى إعادة الاستفتاء الذي جرى برعاية الامم المتحدة في 1970) يشابه ما حدث من أمور ودعوات أخرى. ولعل الجهات الرسمية تكون «معذورة» لأنها تطبق القانون الواضح تجاه قضية تتعلق بأمن النظام ومس الذات الملكية... كما لعل هذا الطرف أو ذاك يعتبر نفسه «معذوراً» عندما يفسّر هذا الموضوع أو ذاك وطريقة التعاطي. وبما أننا لسنا في صدد الحكم على النوايا، فإن علينا أن نتحدث بطريقة ترشدنا ­ كدولة وكمجتمع ­ لاعتماد وسائل أكثر فاعلية، وأكثر نجاحاً بهدف التحول نحو البيئة الديمقراطية. التحول نحو الديمقراطية بحسب الفهم الليبرالي يتحدث عن ضرورة إحلال حكم القانون، واعتماد الإجراءات الشفافة والسريعة لإجراء انتخابات وتنشيط المجتمع المدني والسماح للآراء المتعددة ضمن نطاق السلم الأهلي، وعدم الإضرار بالثوابت. والثوابت في هذا المجال إنسانية (عهود واتفاقات حقوق الإنسان)، ووطنية (ما يتفق عليه الإجماع الوطني ضمن إطار دستوري). التحول نحو الديمقراطية بحسب المفهوم الاشتراكي لا يعترف أساساً بالنهج الليبرالي، وينظر إلى هذه الإجراءات الليبرالية على أنها تهدف إلى تعزيز سلطة الطبقة البرجوازية والمتنفذة، ولذلك فإن الالتزام الحرفي بالإجراءات يعني ضياع حقوق العمال والكادحين الذين لا يمتلكون الوسائل التي تتوافر لمن لديه السلطة والنفوذ. هناك أيضاً المفهوم الجماهيري الذي يعتمد على تحريك الجمهور والشارع السياسي الذي يعتبر نفسه متضرراً أكثر من غيره، فإن كان الشارع إسلامياً سيمتلئ الخطاب الجماهيري بالمفردات والمصطلحات الدينية، وان كان إثنيا (كالأكراد مثلاً) فان الخطاب سيمتلئ بمصطلحات تناسب ذلك الشارع. المفهوم الجماهيري للتحول نحو الديمقراطية ينظر إلى الإجراءات بالطريقة نفسها (تقريباً) التي كان يعتمدها الاشتراكيون، إذ ينظر «الجماهيريون» إلى الإجراءات والترتيبات ما هي إلاّ «تسويف» يؤخر حلّ المشكلات العالقة، و«تسويق» لسياسات ترقيعية، وأن أي شيء آخر (مهما كان ذلك الشيء مبهماً أو غير واضح) فهو أفضل مما هو موجود بين اليد. المشكلة هي أن الطروحات الاشتراكية والجماهيرية لم تحقق تحولاً نحو الديمقراطية يشهد له، والاشتراكيون الذين تحدثوا أكثر من غيرهم عن الحقوق انتهت كثير من أنظمتهم إلى انتفاء الحقوق، وهو ما حدا بانقلاب الوضع في أكثر تلك البلدان في مطلع التسعينات من القرن الماضي. أما الاشتراكيون الذين نجحوا في أوروبا الغربية، فهم الذين استطاعوا أن يوفقوا بين الواقع والطموح، وتمكنوا من ترشيد الخطاب بحيث يشمل الجوانب التعددية ويلتزم بمفاهيم حكم القانون وإجراءات تنفيذ العدالة، التي ­ وإن كانت تبدو بطيئة ­ إلاّ أنها ستنجز أفضل على المدى البعيد. في كل الأحوال، إن «الفترة الانتقالية نحو الديمقراطية» تحتاج إلى «تحقيق العدالة الانتقالية»، وتحتاج إلى «تحالفات قوية» مع من لديهم النفوذ على مستوى الشارع بهدف إشراكهم في القضايا العامة، وتحتاج إلى إرادة صلبة لا تتنازل عن المضي قدماً نحو البيئة الديمقراطية، مهما تكن الهزات والمطبات (المتوقعة). كما أننا محظوظون أن لدينا تجارب ناجحة عدة في الشرق والغرب والشمال والجنوب، وما علينا إلا استلهامها ومن ثم «بحرنتها» خدمة لبلدنا الذي يحتاج إلينا جميعاً.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1208 - الإثنين 26 ديسمبر 2005م الموافق 25 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً