العدد 2995 - الأربعاء 17 نوفمبر 2010م الموافق 11 ذي الحجة 1431هـ

ملتقى الباحة الأدبي الرابع يرصد «تمثيلات الآخر في الرواية العربية»

حظيَ محور الآخر بالعديد من الدراسات والبحوث، التي قدمت مؤخراً في ملتقى نادي الباحة الأدبي الرابع الذي حمل عنوان (تمثيلات الآخر في الرواية العربية)، وطرق هذا الموضوع ما يقارب 30 باحثاً من مختلف الأقطار العربية، وتنوعت بحوثهم المقدمة ما بين متعمق في قضية الآخر، وما بين دراسة وصفية في بعضها. ويأتي الحديث عن الآخر بعد أن غدا أمراً ملموساً في الرواية العربية لاسيما الآخر الغربي، والآخر الشرقي أيضاً، الذي اعتبره كثير من هؤلاء الباحثين أن ما عدا «الأنا» فهو آخر. وقد اكتسبت مفردة «الآخر» في الخطابات الثقافية والأدبية والفكرية وغيرها من الخطابات الأخرى مسرحاً لرؤى متقاطعة، تبدأ من مرحلة «التعريف» بماهية هذا الآخر وكنهه، إلى فرضية التلاقي معه، أو ضرب القطيعة بيننا وبينه، وكيفما ذهبت المباحث نحو تحديد «هوية» هذا الآخر، إلا أن هناك «شبه» اتفاق على أنه المختلف ثقافيّاً ودينيّاً وربما عرقيّاً، بما يجعله على الساحل «الآخر» بما يستوجب جسراً ما للوصول إليه أو التواصل معه، أو حتى «هدايته» برأي بعض الخطابات الأخرى... ولذلك قاربت البحوث المقدمة في ملتقى نادي الباحة الأدبي (24و25 أكتوبر2010)، جميع أهداف، ومحاور الملتقى التي حددها النادي مسبقاً التي كان من أبرزها:

مقدمات نظرية.

بواكير معالجة الآخر في الرواية العربية.

الموقف من الآخر دراسات تطبيقية.

فروق الجندر في الرواية العربية.

قضايا ما بعد الاستعمار (نصوص ودراسات)


حليفي سيرورة تمثيل الآخر في السرد العربي

وقد افتتحت الندوة بمداخلة الدكتور شعيب حليفي في ورقته «سيرورة تمثيل الآخر في السرد العربي» قائلاً بأن التخييل استطاع، وهو يقترن بجميع الحقول والأشكال التعبيرية، أن يخلق تمثيلات في حياة الإنسان، تنمو داخل الصور والأفكار والنوايا، لذلك فإن كل التمثيلات المتحققة في مجتمع ما، لدى جماعة ما، هي تركيب للتمثلات التي يخلقها الإنسان عن ذاته وما حولها، وعن الآخر وما ينتجه. وكأنما حاجة الإنسان إلى تمثيل نفسه وغيره لأجل امتلاك مواقف وهوية تملأ الفراغ المفترض، كما كانت الأسطورة في مرحلة تاريخية معينة، تمثلاً إنسانياً مشتركاً للعالم. ويرى أن التمثيل ليس تشبيهاً بسيطاً أو مركباً، بصورة أو كتابة، لإدراك معانٍ مجردة فقط، ولكنه نسق فسيفسائي وثيق الارتباط بالواقع في كل حركاته الموروثة والجارية، وبالذهن والشعور والخيال والرمز ضمن أبعاد دينية وتاريخية واجتماعية وثقافية. ويشغل الآخر، في هذه التمثيلات، حيزاً كبيراً كرَّس صُوراً ثابتة وأخرى متغيرة تتحكم فيها كل العوامل التاريخية والجغرافية، بما فيها من ردود الفعل والتخيلات.


عبدالله إبراهيم... السرد والتمثيل الاستعماري

وتطرق عبدالله إبراهيم إلى السرد والتمثيل الاستعماري للعالم، حيث يرى أن الظهور المتزامن للاستعمار والرواية كان نتيجة لسلسلة من التواطؤات بين مصالح اجتماعية باحثة عن عوالم أخرى خارج المجال الغربي، ونوع أدبي حديث يبحث عن مكان في عالم أدبي مزحوم بأشكال التعبير الأدبي. ويرى إبراهيم في بحثه أن رواية «آيات شيطانية» لمؤلفها الهندي «سلمان رشدي» قد تعرضت لمسألة التابع المحاكي لقيم الإمبراطورية البريطانية، الذي يرى أن وجوده يتحقق بمقدار ذوبانه في الثقافة الاستعمارية ومحاكاتها. فيما ناقش الطاهر رواينية من الجزائر «الروائي والتاريخي في كتاب الأمير لواسيني الأعرج جدل الأنا والآخر وتحيين التاريخ»، فهو يرى أن التاريخ يشكل استثماراً في الكتابة الروائية عند واسيني الأعرج ورصيداً مرجعياً مهيمناً؛ إذ لا يكاد أي عمل من أعماله الروائية أن يتحرر من الماضي، وألا ينغمس بطريقة ما في التأمل التاريخي، حيث يتحول هذا التأمل في الغالب إلى حوار بين الواقع والممكن، وهو ما يؤكده خطاب المناصصة في الصفحة الأخيرة لغلاف رواية «كتاب الأمير» فهذه الرواية تستند فقط إلى المادة التاريخية وتدفع بها إلى قول ما لا يستطيع التاريخ قوله، وفي هذا إشارة إلى تأويل التاريخ، وإلى جعل علاقة النص والسياق ممكنة.


محمد العباس «الآخر الغربي في الرواية العربية»

ويصف الناقد السعودي محمد العباس في ورقته التي حملت عنوان «الآخر الغربي في الرواية العربية» ما حمله مقطع ظهور (شمخات) في (ملحمة جلجامش) دلالة كبرى على أهمية الجنس في تحويل حياة البشر من البدائية إلى الحياة المدنية، حيث يرى أنها أوكلت لها مهمة إغواء الكائن المتوحش (أنكيدو) وترويضه، من أجل تأهيله إلى حياة مختلفة عما اعتادها. وبعد أن (أغدق عليها ممارسة حبه لستة أيام وسبع ليال) كما تقول الحكاية، وهو يدخل من خلال هذه المقدمة إلى مضمون بحثه من خلال «دماء جين مورس... وروائح ماري كلير» الشخصيتن المؤثرتين في رواية الحبيب السالمي «روائح ماري كلير»، ورواية الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال».

وأكد الباحث المشارك محمد رشيد ثابت أنه كثيراً ما يتردد في أعمال الروائي إبراهيم الكوني منذ السبعينيات من القرن الميلادي المنقضي تعيين الذات بعين الآخر والعكس كذلك، فتعقد من خلال هذه الأعمال علاقات تقابل بل تنازع بين وعي الذات المنشأة بالصحراء وقيمها ووعي الآخر بالمدينة والواحة وقيمها كذلك، فيتشكل من خلال مختلف معينات هذه الذوات صراع متعدد المظاهر في تلك الأعمال، حيث تلاحظ حدة هذا الصراع بين صورة فضاء المدينة والواحة في عين الذات الصحراوية من جهة وصورة فضاء الصحراء في عين الآخر الحضري من جهة ثانية. في حين درس الناقد سعد الرفاعي رواية «الآخرون». وسعت دراسته إلى استعراض مفهوم الآخر في الرواية وبيان النظرة إليه من وجهة نظر الأول المنتمي إلى عالم الآخر في ذات الوقت.

وتطرق الناقد معجب العدواني إلى مفهوم الرواية بعد الاستعمار، وذلك من خلال حديثه عن أن النظريات النقدية الحديثة تتفق في كونها تنطلق من انعكاس مباشر لفلسفات تحمل البعد الإنساني وترغب في تفعيله، ولذا جاءت نظريات ما بعد الحداثة تتويجاً للمساعي التي دعت إليها تلك الاتجاهات الفلسفية منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، وكانت بذلك نتاجاً طبيعياً وابناً شرعياً لتطلعاتها، مع كون بعض المنظرين يرى اقتصار دور ما بعد الحداثة على العالم الغربي المتطور، في حين كان لتيار ما بعد الاستعمار صفة الشمولية الكونية في الكشف عن ملامح ظلم المستعمِر، ومحاولات إنصاف المستعمَر، إلا أن تيار ما بعد الاستعمار لم يقتصر على ذلك، فقد تميز عن غيره من التيارات النقدية باستلهامه للفن الروائي بوصفه مصدراً من مصادر نشوئه، ولذا كان مطلب هذه الورقة يتمثل في السعي إلى تقصي ملامح العلاقة الوثيقة بين هذا الاتجاه النقدي والفن الروائي، لهذا فإن التركيز المقترح سيكون على محورين: الأول الرواية بوصفها جنساً أدبياً، والثاني الرواية بوصفها عملاً إبداعياً، ويكون ذلك من خلال تتبع نوعين روائيين: رواية تجسيد الاستعمار وتكريسه، ورواية تفكيك الاستعمار. وحملت ورقة الباحث حسن النعمي عن خطاب العنصرية في الرواية السعودية، حيث ربط بين الرواية والخطاب العنصري في سياق العلاقة الجدلية بين الرواية والمجتمع. فالرواية هي العين الناقدة والنافذة في طبقات المجتمع، وليست مجرد نص للتوثيق والتاريخ. من هنا تتعقب الرواية الظواهر ذات النزعات الإشكالية لمسألة بواعثها ومكوناتها. من بين هذه النزعات التي تطفو على سطح المجتمع، التمييز العنصري بين فئات المجتمع. غير أن العنصرية خطاب عام، قبل أن يكون خطاباً خاصاً، فهي خطاب تمتد جذوره إلى بدء أزمة الإنسان مع التصنيف العرقي، هي خطاب عام في الثقافات الإنسانية يقف ضد وحدة الإنسان وفكرة الأصل الواحد.

وبيّنت الباحثة شيمة الشمري من خلال ورقتها أن الرواية مرآة أدبية للمجتمع غالباً؛ إذ هي قراءةُ ظاهرِه، وكشف مستورِه، وملامسة جراحِه، ورصد حكاياتِه الظاهرةِ والباطنة، وقد سارت رواية «نزل الظلام» للروائي ماجد الجارد، وفق ذلك، وإن كانت قد اختطت لها فرادة في تعاطيها لموضوع نادراً ما يتداوله الروائيون وهو الإعاقة البصرية «العمى» على أساس أنه المحور الرئيس للعمل الروائي، لذا فقد سارت الرواية من خلال تصوير معاناة الكفيف مذ ولادته، حتى قرار أسرته إلحاقه بالنزل (معاهد المكفوفين فيما يبدو) ثم معاناته بعد ذلك، ومواقفه هناك. وتسير الرواية من خلال رصد يبتعد عن التراكمية في السرد والأحداث، إلى تشكيل مجموعة من الصور التي تمثل بدايات بعض النماذج التي تأتي من الأسرة، لتعيش حياتها في النزل.


العتيبي سؤال الهوية ومعنى الآخر

وأشارت الباحثة مها العتيبي إلى سؤال الهوية ومعنى الآخر من خلال قراءة في نماذج مختارة من رواية المرأة في الخليج العربي، حيث ترى أن سؤال الهوية قد شكل مساحة مهمة من السرد في رواية المرأة الخليجية، لا سيما أن البحث عن الهوية، يظهر بوصفه موضوعاً أساسيّاً للروايات، حيث تستثمر روايات القلق السري ووجهة البوصلة ومزون وردة الصحراء والطواف، حيث الجمر غياب الهوية الفردية للمثقفات للحفر في الموروث التاريخي والاجتماعي والثقافي، والبحث عن إجابات حقيقية لأسباب الاستلاب الثقافي والقهر الاجتماعي الذي أحاط بالشخصيات المثقفة ما انعكس على تشكل هويتهن الفردية. وهنا لا بد لنا من الإشارة أن نزوع الروايات لفكرة البحث عن الهوية قد شكل موضوعاً رئيساً تتكئ عليه بعض الروايات أكثر من سواها، فهو عند فوزية رشيد ونورة الغامدي وفوزية شويش السالم أكثر وضوحاً منه عند بدرية الشحي إلا أن ذلك لا يمنع كونه موضوعاً رئيساً للروايات الأربع المذكورة. وفي ورقة قدمها الناقد علي الشدوي بعنوان «مدخل إلى الآخر في الرواية» بين أنه إذا كان هناك آخر في الرواية، كما يوحي عنوان هذا الملتقى، فإلى أي شيء يعود ذلك؟ حيث يتبادر إلى الذهن بشكل متتالٍ؛ كون الرواية مكتوبة على الشكل الذي يوجد فيه الآخر. يرتبط بهذا السبب النموذجُ الثقافي الموجود سلفاً في الثقافة التي تُكتب في إطارها رواية ما. وإذا ما عملنا على تطوير هذا السبب في شكل أكثر تقنية فسنقول بـ «النمط»؛ الموجود في ثقافة الكاتب الأصلية؛ أي الصورة المبتسرة التي تنقل إلى الآخر رسالة واحدة يُعتقد أنها «جوهرية». ويرى أن للرواية طابع الوسيط. لكن هل نتحدث عن الرواية فعلاً؟ ألا نخلطها بالروائي ومقاصده؟ إننا نعتقد أن الرواية تتحدث عن نفسها، لكن في الوقت نفسه يجب أن نعترف أن وراء كتابتها شخصاً يريد أن يتواصل معنا. غير أننا يمكن أن نفرز من هذا الخلط تعارفاً أولياً ما دامت الرواية تُكتَب، والراوي يَكتُب في إطار ثقافة ما.


أمين معلوف والانفتاح على الآخر

وقدمت الباحثة حصة الدوسري بحثاً بعنوان «الموقف من الآخر في التجربة الروائية لأمين معلوف من خلال رواية موانئ المشرق»، وبينت من خلالها أن أمين معلوف العربي المقيم في الغرب جمع في شخصه الهويتين الشرقية والغربية، فقد حرص من خلال معظم أعماله الروائية والفكرية على نقل صورة هذه الهوية المتعددة الانتماءات، منادياً بضرورة الانفتاح على الآخر، وإشاعة روح الإخاء والتسامح بين الشعوب المختلفة، ومن أكثر أعماله الروائية التي جسدت هذه الصورة وقامت على هذه المبادئ هي روايته «موانئ الشرق». وترى بأن معلوف حاول أن يقدم رؤيته الخاصة لواقع الهويات في عصر العولمة الذي يفرض الانفتاح على الآخر والتعايش معه.

العدد 2995 - الأربعاء 17 نوفمبر 2010م الموافق 11 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً