العدد 2435 - الأربعاء 06 مايو 2009م الموافق 11 جمادى الأولى 1430هـ

المفكر برهان غليون: البلدان العربية لم تستوعب مفهوم المواطنة بعد

في برنامج «مدار الوسط» الذي يبث على «الوسط أون لاين» اليوم

الوسط - محرر الشئون المحلية 

06 مايو 2009

تركز حلقة برنامج «مدار الوسط» التي تبث على موقع «الوسط أون لاين» اليوم (الخميس) وتقدمها الزميلة ريم خليفة على موضوع المواطنة في العالم العربي ومدى تجذر مفهوم المواطنة في مجتمعاتنا العربية وما إذا كانت متطلبات المواطنة من الناحيتين القانونية والثقافية متوافرة على أرض الواقع أم لا. كما تطرقت الندوة إلى كيفية النهوض بمستوى المجتمع ليلعب دوره بصفته مجموعة من المواطنين مكتملي الحقوق، لكل هذا استضاف البرنامج المفكر العربي برهان غليون، في هذا الحوار:

* لنتحدث قليلا عن مفهوم المواطنة والعروبة أيضا، هذان المفهومان اللذان نجدهما نوعا ما بدآ يتلاشيان على مستوى الشارع العربي، كيف تقيّمون الوضع الحالي؟

- المواطنة هي مفهوم حديث ارتبط بنشوء دولة ذات طابع قانوني جديد تساوي بين المواطنين، وتعتبر حرية المواطنين واستقلالهم الشخصي هو هدف وغاية للدولة، غاية الدولة هي ضمان حرية الناس بشكل أنه تفكر وتشارك من خلال تفكيرها الشخصي والمستقل في الحياة السياسية للبلاد.

نحن حقيقة في البلدان العربية لم نستوعب بما فيه الكفاية، على رغم أن تاريخ الحداثة أصبح له أكثر من قرن ونصف القرن، لكننا لم نستوعب بعمق معنى المواطنة، مبينا أن المواطنة ربطت بالوطنية، وبالاستقلال عن الاستعمار، لأننا عاشرنا وعايشنا تجربة استعمارية بغيضة طبعا، وكانت بالنسبة إلينا الوطنية أسبق من المواطنة، يعني فهمنا الأمور كرد فعل على سيطرة خارجية أكثر من بناء مجموعة من العلاقات والقواعد التي تضبط علاقة الأفراد بين بعضهم بعضا وعلاقة الأفراد بالدَّولة، يعني المساواة، تطبيق القانون، الحريات، ضمان حرية الفرد.

الآن بدأنا نحن في فترة من الفترات، في الحقبة التي نسميها الحقبة الليبرالية، بدأنا نطبق حدّا أدنى من القانون من قوانين المواطنة، وكان الجذر الحقيقي هو الشعار الذي أطلقه سعد زغلول والذي تبنته كل الحركات السياسية العربية يومها «الدِّين لله والوطن للجميع»، بمعنى أنه لا ينبغي أن نفرّق بين الدين، الدين هو علاقة بين الفرد وربه، لكن العلاقة على مستوى الدولة والسياسة هي علاقة مساواة، بصرف النظر عن انتماء الدين.

* لكن ما أثر المواطنة في ظل الهجمة الحالية التي تمرّ بها المنطقة، إذ نجد مفاهيم جديدة ظهرت كالمفاهيم الطائفية، المناطقية، غيّبت هذا المفهوم نوعا مَّا؟

- هذا الذي أردت قوله، ففي فترة من الفترات بدا وكأنه بدأنا نستوعب المفهوم، لكن في الحقيقة أتت الحركات القومية التي ركزت أكثر على الصراع ضد الإمبريالية وضد الاستعمار، يعني على الهوية الجماعية وليس على الفرد، المواطنة مرتبطة بأن الدولة محور اهتمام تنمية الفرد، وتنمية استقلال الفرد وحريات الفرد، حتى يكون الفرد مبدعا ومشرفا.

الحركة القومية من جهة، والضغوط الاستعمارية من جهة جعلانا نبتعد عن مفهوم المواطنة، ومن جهة ثانية فشل أيضا مشروع الحداثة العربية. نحن نعيش أزمتين حقيقيتين، الأزمة الأولى هي الاستيعاب الضعيف والسطحي لمفهوم المواطنة باعتباره مساواة بين أفراد أحرار أمام القانون ومشاركتهم في السياسة وبالتالي الديمقراطية، ونحن لم نشهد كثيرا تطور هذا الوضع، والوجه الثاني للأزمة، أوالأزمة الثانية هي انهيار المشروع الذي بدأناه بإقامة دولة وطنية تحترم الأفراد أو على الأقل تخلق السيادة التي تسمح بخلق مواطنة في المستقبل.

* لكن هناك من يجزّئ هذه الهوية، لنقل هناك من يقول هناك هوية مغاربية، هوية خليجية، في حين أن في هذه المناطق توجد إثنيات وثقافات غير عربية، كيف ترون ذلك؟

- عندما نقول الهوية العربية، نحن نقصد هوية ثقافية، هناك مجموعة من الناس من أصول عربية أو يشعرون بأنهم عرب حتى لو كانت أصولهم غير عربية، الهوية ليست لها علاقة بالعرق، الهوية تمثُّلٌ وتصوُّر للقيم الأساسية التي تضبط شخصيتي. أنا أقول أنا عربي معنى ذلك أن هناك مجموعة من القيم ينبغي أن أتبناها، والتزامات تجاه الآخرين الذين أعتقد أنهم يشبهونني أو أنهم عرب.

الآن هناك هوية غير ثقافية، هوية وطنية, ولابد أن نميّز بين الهوية الثقافية للعربي والهوية الثقافية للفُرس، بين الهوية الثقافية للآشوريين إلى آخره، كل الناس عندهم هوية، لكن هناك هوية وطنية مرتبطة بحدود الدولة التي أعيش فيها والتي يمكن تجتمع فيها عدة هويات ثقافية.

الآن هناك أيضا مشكلة... العلاقات بين الهويات الثقافية الموجودة داخل دولنا غير مضبوطة وغير مفهومة، وهي عملية صراع إما بسبب أن الهويات الثقافية تتمثل نفسها كهويات حصرية، يعني أنا أجد أنه مثلاَ بسورية أو بلبنان الهوية الوحيدة المعترف بها كهوية ثقافية هي العربية، أو أنا أعتبر أن الهوية الوحيدة المعترف بها أو التي أقدّمها الهوية الأخرى هي الهوية الطائفية أو إلى آخره.

مشكلتنا هي فشلنا في بناء هوية وطنية وهي هوية فوق الهوية الثقافية، هي ليست مطابقة للهوية الثقافية، هي هوية مرتبطة بممارسة السلطة وبعلاقة الدولة بالسلطة وبنمط الدولة.

* لننتقل إلى منطقة الخليج تحديدا، هناك من يتحدث عن عروبة منطقة الخليج، لكن هناك جارة كبرى مثل إيران دائما تحاول أن تتدخل في شئون هذه الدول في المنطقة، كيف يمكن التعاطي مع موضوع الهوية في ظل ذلك؟

- باعتقادي أن هناك حقيقة تهديد للهوية العربية في الخليج لسببين، ليس فقط لتدخل إيران، يمكن تدخل إيران هو ليس العنصر الحاسم وإنما بسبب سياسات العمالة واستيراد السكان بكميات هائلة.

أعتقد أن هناك مشكلة كبيرة، لأن هناك إحلالا لثقافة ولجماعة سكانية مختلفة كليّا داخل البلدان، حتى الآن نحن نعيش متجاورين ونعتقد أن هذا إقامة مؤقتة، لكن هي ليست إقامة مؤقتة لأنها في النهاية تطبع البلد بطابعها أيضا.

* وهذا قبل أن تتدخل الأمم المتحدة وأنظمة أخرى في الخارج للضغط على أنظمة دول مجلس التعاون...

- باعتقادي أنه في يوم من الأيام حتى لو لم تضغط، ستضغط الأمم المتحدة قريبا أو في سنوات قادمة إذا رفعت الولايات المتحدة الغطاء عن الموضوع، عن الحماية عنها، ولكن حتى هؤلاء المستوطنون في النهاية سيفرضون وجودهم، يمكن في لحظة من اللحظات أنهم يكونون القوة الرئيسية في البلاد ويفرضون أيضا وجودهم وحضورهم بدعم من دولهم الأصلية، وعلينا ألا نتجاهل هذا الشيء.

أنا باعتقادي أن إنقاذ الخليج من أن يخرج من الإطار العربي هو في إعادة بناء التكتل العربي على عرش جديدة، والمسئولية لا تقع على الخليج، هنا تقع أيضا على البلدان العربية الأخرى، وتقع علينا نحن كمثقفين في بلورة رؤية جديدة لعروبة تختلف كليّا عن عروبة القومية والايديولوجية التي عشناها في الخمسينات.

العدد 2435 - الأربعاء 06 مايو 2009م الموافق 11 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً