العدد 2999 - الأحد 21 نوفمبر 2010م الموافق 15 ذي الحجة 1431هـ

متى تندمل الجراح الانتخابية قبل أن تتقيَّح؟

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من يتابع ما ينشر ويذاع محلياً وإقليمياً حول انتخابات 2010 ونتائجها، ويتأمل فيما يدلو به من فاز ومن لم يحالفه الحظ، يكتشف ودون الحاجة إلى بذل جهود تذكر، أن هناك ما يشبه الغصة في الأحاديث التي يدلو بها ممثلو قوى التيار الوطني الديمقراطي، في سياق تفسيرهم أو تعليلهم لما أسفرت عنه تجربة خوض انتخابات 2010 البرلمانية.

وتبلغ الأمور أقصاها عندما يضطر البعض منهم إلى استرجاع التاريخ والاستعانة به على هيئة إسقاطات لا تضيف للتجربة الحالية أية نقاط إيجابية، بقدر مساهماتها في إذكاء أشكال قديمة من أسباب الخلافات، التي كانت حينها تمزق صفوف قوى العمل السياسي البحريني.

الحقيقة المرة التي مازال المواطن المدافع أو المنتسب للتيار الوطني الديمقراطي مرغماً على تجرعها، هي أن خلافات الماضي بين قواه لاتزال تسيطر، ومن ثم تسير، علاقات الحاضر القائمة بين جمعياته، لكن بآليات الماضي وذهنيته. وإن كانت للظروف التاريخية التي حكمت تلك العلاقة، وأنبتت تلك الخلافات، ما يبررها، فإن القوانين التي تسيطر على حركة العاملين فوق مسرح العمل السياسي البحريني اليوم، تجرد فصائل التيار الوطني الديمقراطي من أي حق في استمرار فعل عناصر الطرد التي توجه العلاقات المتبادلة فيما بينها، ومن ثم وصولها إلى مرحلة تناحرية، بدلاً من احتفاظها بصفة الاختلافات الاجتهادية.

فإن كان للقوى القومية التي انسلخ «التجمع القومي» من جلدها، علاقاتها العربية المتينة التي أرغمته حينها على تغليب القومي على ما هو وطني، فإن تغير الظروف العربية وتراجع المد القومي يعطي اليوم لـ «لتجمع القومي» مساحة واسعة من الحرية تبيح له، إن هو شاء، نسج تحالفات وطنية راسخة لا تقلقها متطلبات العمل القومي، ولا تضعها في جبهة مواجهة مع القوى الأخرى المنتسبة لذلك التيار.

ولعل في سقوط الأنظمة القومية، وفشل تجاربها في إدارة السلطة وفقاً لما كان تدعو له برامجها القومية، درساً بليغاً في إحداث التوازن المطلوب بين الأهمية التي ينبغي أن ينعم بها ما هو قومي مقابل ذلك الوطني.

ولا يختلف الأمر عند الحديث عن جمعية المنبر التقدمي، ذات الجذور العلمانية المتحالفة مع الكتلة السوفياتية السابقة، ممثلة حينها في «جبهة التحرير الوطني» والتي كانت تضع (أي تلك التحالفات) في معاصم «جبهة التحرير» قيوداً عالمية ترجع، في أحيان كثيرة، المطالب الوطنية إلى الخانات الثانوية، وتضع، وهو أمر منطقي مفهوم انسجاماً مع الظروف القائمة حينها وصيغة التحالفات الفاعلة في تلك المرحلة، الأممي في المقدمة كي يزيح الوطني من مقدمة الأولويات، ويرغمه على القبوع في المربعات الثانوية. أما اليوم، وبعد تفكك الكتلة السوفياتية، واستقلالية أحزاب الحركة الشيوعية العالمية التي كان يقودها الاتحاد السوفياتي، لم يعد من المبرر أن نجد أية عوائق منطقية تحول دون لقاء «المنبر» وعلى أسس إستراتيجية مع قوى التيار الأخرى.

وليست جمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد»، وهي المنحدرة من صلب «الجبهة الشعبية في البحرين» بعيدة عن تينك الحالتين، فقد كانت التحالفات التي نسجتها مع العديد من أطراف ما كان يعرف باسم «اليسار الجديد»، الذي حاول أن يجد لنفسه موقعاً صحيحاً في حركة علمانية عالمية بعيدة عن التسلط السوفياتي الذي قارب في سلوكه من السياسات الاستعمارية، وغير تابعة للخط الشيوعي الصيني المنافس للكتلة السوفياتية، والذي لم يكن يختلف عنها سوى في من يسيطر على الحركة الشيوعية العالمية ويسخر نضالاتها لما يخدم مصالح الصين القومية. أما اليوم، ومع تبعثر حركة ذلك اليسار الجديد، وانحراف البعض منها وتنكره لما كان يدعو له، وغياب قطب عالمي قادر على إحداث التجديد المطلوب في الفكر الماركسي، فلم يعد من حق «وعد» أن تغلب أي مما هو غير وطني على الوطني.

تأسيساً على كل ذلك، ومن أجل سعي القوى الثلاث كي تندمل الجراح التي فتحتها انتخابات 2010 والنتائج التي أسفرت عنها، يطمح المواطن أن يرى التنظيمات الثلاثة ساعية إلى وضع أقدامها على طريق التأسيس لبلورة تيار وطني ديمقراطي سليم، وبمعالمه الواضحة الصريحة من خلال:

1. التعالي فوق جراحها، والعض عليها، وترك الماضي والنظر نحو المستقبل، دون اجترار ما جاء في تصريح صحافي هنا، أو سمع من قول هناك، والتوجه نحو بعضهم البعض يحملون في أيديهم صفحات بيضاء ناصعة يدونون عليها برامج المستقبل، عوضاً عن تسميع، أو إعادة لوك حادث الماضي.

وللمرة الألف، ليست هذه تمنيات طوباوية تتحدث عن حلم غير قابل للتحقيق، بقدر ما هي مواجهة دعوة صادقة، لمن يريد، من تلك التنظيمات، أن يكون منسجماً مع نفسه أولاً، ومخلصاً لجماهيره ثانياً، ونافضاً أحمال المرحلة التاريخية السابقة ثالثاً، وليس أخيراً.

2. قراءة مسار الانتخابات، بتجرد سياسي ناضج، بعيداً عن الانفعالات الذاتية التي ولدتها وقائع الانتخابات ونتائجها. ومن الطبيعي والمهم أيضاً أن تشمل تلك القراءة فيما تشمل، البرامج الوطنية لكل من تلك التنظيمات، وبرامج التحالفات التي فرضتها.

ولابد لهذه القراءة، إن هي شاءت أن تكون نتائجها مثمرة، ولصالح خط التيار الوطني الديمقراطي وجماهيره، أن تبتعد هي الأخرى عن التفتيش الضيق الأفق في ملفات الماضي، من أجل نبشها، على نحو سيء. إن من يقوم بذلك يكون، كما يقول المثل البريطاني، كمن يفتح علبة مليئة بالدود (Opening a can of Worms)، حيث لن ينوبه منها سوى عفونتها.

لقد سئم المواطن من الانتظار، وتكاد الجروح أن تتقيَّح وهي في انتظار أيدٍ مخلصة تعينها على أن تندمل قبل أن تتحول إلى صديد يتسرب إلى أعضاء الجسم فيشل حركتها، ويصل إلى العقول فيسمّمها، وتصعب حينها إزالته أو التخلص منه، دع عنك علاجه.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2999 - الأحد 21 نوفمبر 2010م الموافق 15 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 2:25 م

      إلى الأخ العزيز/ أبن المصلي

      أنا من ناخبي الوفاق الإسلامية ولا يجوز لنا أن نميز بين أطياف المجتمع البحريني هذا اسلامي وذاك علماني لأن يا سيدي كلنا مسلمون ومواطنون فقط لاغـــــــــــــــــــــــــير ويجب أن تتكامل الوفاق مع وعد لأن كلا الجمعيتين بحاجة ماسة لبعض حتى لا تتحل الوفاق المسئولية التاريخية وحـــــــــــــــــــــــدها في الإخفاقات المتكرر كما ذكر سماحة الشيخ عيسى قاسم دام ظله وأكرر كلام الشيخ (رغم الإخفاقات والمنغصات ....... الخ)
      وفق اللله الجميع لخدمة هذا الشعب والوطن.

    • زائر 4 | 7:12 ص

      الجمعيات العلمانية

      الجمعيات العلمانية هي الجمعيات الاسلامية التوجه حيث الكثير من أهدافها اسلامية 100% عكس الجمعيات التي يغلب عليها طابع التأخر الدي يعترفون به هم قبل غيرهم فنحن في ورطة بين اسم الاسلام وبين مصداقية الاسلام فالاسلام دين الاتحاد على المبادئ بينما نرى الاسلاميين السنة والشيعة ليس عندهم اهداف مشتركة في رأيي الجمعيات العلمانية أقرب الى الاسلام من الجمعيات الاسمية من طريقة العمل اما الالتزام الشخصي فهو شيئ أخر

    • زائر 3 | 1:46 ص

      الله...الله..في الوطن!

      1-إن المطالب الوطنية كانت لدى جبهة التحرير الوطني البحرانية - في مقدمة الأولويات لا المربعات الثانوية! ؛ بمعنى أن "جتوب" كانت-حسب الأولوية- أولاً وطنية و ثانياً قومية و ثالثاً أممية.
      2- للمرة الألف ؛ أطلب من الأخ العزيز المحترم عبيدلي العبيدلي ألاّ يخلط الحابل بالنابل، بمعنى أن يذكر المواقف الحقيقية و الصريحة لكل جمعية من التحالفات الجادّة و الإنتخابات و الملفات الوطنية الأخرى ؛ لكي تعرف الجماهير حقيقة مواقف الجمعيات !!
      تحياتي...
      عبدعلي فريدون

    • زائر 2 | 12:46 ص

      هل هناك من يملك الجرأة

      هل هناك من يملك الجرأة من الجمعيات الثلاث ليبدأ بمحاسبة ونقد التفس قبل الغير بدلاً من الإدعاء بأنه يملك كامل الحقيقة، ما لم تتم مراجعة النفس بصدق وجرأة وشفافية بدلاً من إلقاء التهم على الآخر سنبقى نراوح مكاننا، بل سيكون هناك المزيد من التراجع للخلف لصالح قوى السلطة ولصالح قوى الإسلام السياسي على السواء
      شوقي العلوي

    • زائر 1 | 10:50 م

      أبن المصلي

      الجمعيات السياسية المحسوبة على التيارات العلمانية بكل اطيافها عليها أن تدرك بأن توجهات الشارع البحريني على الأقل في الوقت الحاضر هو توجه أسلامي بالمطلق مجتمع مقتنع أن الأسلام هو المخلص الوحيد الآخد بيدهم الى الخير وأن النظريات المستورده ما نفعت تلكم الشعوب وفشلت فشلاً دريعا وسقطت وتهاوت لأنها في واقع الأمر اوهن من بيت العنكبوت وهذا هو واقع الحال لاتستغفلوا الشعوب في وقت اصبحت الدنيا قريه صغيرة بفضل تطور قطاع الأتصالات اذ عرفت الناس ما حل بتلك الشعوب بعد التحول الذي حدث في مهد الشيوعية

اقرأ ايضاً