العدد 3007 - الإثنين 29 نوفمبر 2010م الموافق 23 ذي الحجة 1431هـ

أطفالنا وعاداتنا

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

لايزال الجدال قائما بين علماء التربية وعلم الاجتماع الثقافي وعلم النفس التربوي وغيرها من العلوم ذات الصلة بشأن موضوع تنشئة الأطفال وتربيتهم الثقافية، حيث يختلفون في شرعية إكساب الآباء بشكل إلزامي أبناءهم العادات والتقاليد الموروثة.

ويذكر أن أطفالنا اليوم يكتسبون عادات في السلوك مختلفة بل وغريبة عنّا لعلّ ما يبعدها عن بيئتنا العربية الإسلامية أكثر ممّا يدنيها إليها، وذلك في وقت طغت فيه المدنيّة الحديثة على معالم حياتنا اليومية وانشغل الآباء عن أبنائهم بكثير من مشاغل الحياة العملية والترفيهية، فضعفت صلات الرحم بين الأقرباء جدا حتى ظهرت أحيانا طرائف من المضحكات المبكيات إذ يظنّ بعض الأطفال أن المربية المنزلية هي أمه بل لعلّ شعوره نحوها أقوى بكثير من شعوره نحو أمه الحقيقية، دون أن ننسى قضاء الأب وقتا كبيرا من يومه أو أسبوعه خارج البيت طلبا للرزق أو غير ذلك من أنشطته اليومية.

إن هذا التباعد بين الآباء والأبناء في مرحلة الطفولة يضعف اكتسابهم العادات والتقاليد الأسرية ويفقد الطرفين العلاقة الحميمية التي تميز علاقة الآباء بأبنائهم.

والأكيد أن وجود الآباء في أوقات مختلفة داخل البيت ومع الأولاد يساهم بقدر كبير في إكسابهم هذه العادات الاجتماعية ولكم سرّني خلال يوم العيد حين رأيت الآباء والأمهات يصطحبون أبناءهم حاملين الضحايا ليعزفوا بها على الشواطئ سمفونية الحية بية في مشهد ثقافي يعزز دور الآباء في تأصيل الثقافة الشعبية في سلوك أبنائهم. وما هذا سوى مثال واحد على ذلك والأمثلة كثيرة.

ورغم ذلك لانزال في حاجة كبيرة إلى دور أكبر للوالدين قصد ضمان نشأة متوازنة للأبناء تجمع بين الحداثة بما فيها من إيجابيات وتقاليدنا الأسرية وما تكتنز به من خيرات لها عظيم الأثر على مستقبل الأبناء.

نعم لعلّ أبرز مجال يمكن أن يتدخّل فيه الآباء لتعديل مكتسبات أبنائهم هو الوسائل السمعية البصرية والتلفاز وألعاب الكمبيوتر حيث لا ينكر أحد ما للتلفاز من أثر على مكتسبات الأطفال وليس فتحها للأولاد هو الحلّ وإنّما هو إعلان عن بداية مشكلة حقيقية متمثلة في الكم الهائل والمتنوع من البرامج وهنا يأتي دور الآباء في توجيه أبنائهم لاختيار ما يشاهدونه أو في اختيار ألعاب الكمبيوتر أو غيرها من وسائل الترفيه من هذا القبيل.

ولاأزال اذكر ابني الذي سألني ذات مساء عن سبب عزوف أطفال المجتمع الغربي عن السكن مع آبائهم بعد أن بلغوا سن الخامسة عشرة كما شاهد ذلك في قناة تلفزية أجنبية للأطفال ولئن كان سؤاله مشروعا فإن الإجابة عنه تحتاج إلى حكمة في توضيح الاختلاف الثقافي بيننا وبينهم، فإذا لم يجد أبناؤنا هذه الإحاطة والأجوبة المناسبة ربما فكروا يوما في مثل ذلك السلوك.

إنّ وقفة حازمة ومسكا بمحوّل القنوات التلفزيّة وضبطا حكيما لنوعية الألعاب والأفلام وجلوسا مع الأبناء وهم يتصفحون النت لأمر يفرض نفسه أكثر من أي وقت مضى ضمانا لاكتساب أولادنا عادات إيجابية.

كما يمكن للآباء أن يلعبوا دورا أكثر إيجابية داخل الأسرة ضمانا لاستمرار بعض العادات الحسنة من ذلك تخصيص اجتماع أسبوعي لأفراد الأسرة الضيقة - وهو ما سمعته من أسرة عربية مقيمة في البحرين - حيث يخصصون ساعة لاجتماع يتخلَّون فيه عن التلفاز والنت والتلفون وغير ذلك ليتفرغوا إلى سهرة تقليدية يتبادلون فيها الحكايات والطرائف إضافة إلى النقد والتقويم لبعض المواقف خلال الأسبوع، وتكون سهرتهم تلك على إيقاع الزمن الجميل الزمن الماضي بل وأحيانا يشتغلون بألعاب شعبية منزلية بشكل جماعيّ.

لعل مثل هذا السلوك الأسريّ وغيره من الأمثلة كثيرة كفيل بأن يمتّن علاقة الأسرة بعضها ببعض بمنأى عن التكنولوجيا في البيت التي باعدت بين أفراد الأسرة أكثر مما قرّبت بينهم.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3007 - الإثنين 29 نوفمبر 2010م الموافق 23 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 3:31 ص

      السيد هيثم المحفوظ

      موضوع جميل....لابد ان نحافظ على عاداتنا وتقاليدنا ونعرف اطفالنا بها.
      أشكر الكاتب على هذا الموضوع ونريد مواضيع أكثر وأكثر.
      موفقين

    • زائر 7 | 3:30 ص

      السيد هيثم المحفوظ

      موضوع جميل....لابد ان نحافظ على عاداتنا وتقاليدنا ونعرف اطفالنا بها.
      أشكر الكاتب على هذا الموضوع ونريد مواضيع أكثر وأكثر.
      موفقين

    • زائر 6 | 3:26 ص

      السيد مصطفى علي حسن

      بارك الله فيك اخي على هاده الموضوع المهم جدا جدا ...وكثير من الناس غافلون عن هدا .. شكرا وانشالله

    • زائر 3 | 11:27 م

      مصادر التأثير كثيرة

      أنا مع التعليق السابق أن أولادنا يتاثرون بالمدرسة
      لكن المقال يؤكد على دور الأبوين داخل البيت وبرأيي أ الأسرة الحديثة يجب أن تعطي وقتا أكبر لأبنائها في البيت لا في المجمعات والملاهي فقط
      فعلا المسألة معقدة مو بسهلة

    • زائر 2 | 7:14 ص

      الموضوع معقد

      شكرا اخي الكاتب ولكن نسيت المشكله الاكبر: كيف نحمي ابنائنا من تاثير اقرانهم في المدرسه؟
      للاسف اطفالنا شديدي التاثر بما يفعله ويقوله باقي الاطفال اكثر مما يقوله لهم اباءهم وامهاتهم, ومعظم السلوكيات الخاطئه والافكار المغلوطه يكتسبونها من زملائهم.

    • زائر 1 | 1:34 ص

      جميل أن نحافظ على عاداتنا

      يا ريت والله نعمل سهرات مثل ما قلت عنها أو حتى أي شيء يبعد الأولاد قليلا عن التلفاز والكمبيوتر

اقرأ ايضاً