العدد 3025 - الجمعة 17 ديسمبر 2010م الموافق 11 محرم 1432هـ

تدمر عاصمة الصحراء السورية... ودمشق عاصمتها الحضارية

خلال مهرجان «طريق الحرير» 2010... سورية متحف بـ«سماء مفتوحة» (4-4)

ما بين الساحل والصحراء تستمر حكايات قوافل المشاركين في مهرجان طريق الحرير 2010 في لياليهم السبعة في سورية، حيث حطت رحالهم في ليلتهم الخامسة بعد حلب واللاذقية في تدمر، تلك الزمردة الخضراء وسط رمال الصحراء، والتي تدين بوجودها لمياه ينابيعها وغزارة آبارها وسعة واحاتها، كما أنها ودون أدنى شك تدين بازدهارها اقتصادياً لموقعها على طريق الحرير التجاري، إذ يعتبر طريق الحرير عبر تدمر هو الأقصر مسافة والأسهل والأفضل عبورا، بالإضافة إلى أنه الأكثر أماناً للقوافل.

تدمر والحجارة الناطقة

في «بالميرا» أو تدمر تختلط عليك المشاعر والأحاسيس وأنت في حضرة التاريخ وفي حضرة الآثار التي بقيت شاهدا وحيدا على ما كان يحدث في تلك المنطقة، كذلك تلح عليك الأسئلة لدرجة تتمنى معها لو أن هذه الحجارة، تستطيع الآن أن تجيبك عليها فتريحك من عناء الخيال والتفسير.

عندما تسير وسط تلك الأعمدة التي مازالت شامخة وبقاياها المتناثرة، وفي رحاب المعابد والمقابر، فيرافقك الشعور بالعزة والفخر، كونك في مملكة الزباء «زنوبيا»، وهي كما يعرفها الجميع ملكة فاح أريجها عبر التاريخ فهي غزيرة المعارف، بديعة الجمال، مولعة بالصيد والقنص، تحسن أكثر اللغات الشائعة في عصرها، وكتبت تاريخاً للشرق بسبب حكمتها وسياستها وشدة بأسها.

الحاجة ليلى وجِمالها الخمسون

جالت قوافل الحرير في يومها الخامس وسط «عروس الصحراء» تدمر، حيث تعرفوا على آثارها المنتشرة على مساحة واسعة وتتكون من شوارع ممتدة تحيط بها الأعمدة والبوابات والمعابد، بالإضافة إلى مسرح وحانات ومساكن وقصور وخزانات. ثم زارت القوافل متحف تدمر الذي يضم آثار المدينة العريقة من تماثيل مجسمات ومخطوطات ونقوش ومدافن.

جولة المشاركين في طريق الحرير في تدمر لم تنتهِ، بل كانوا على موعد في فترة الظهيرة لركوب في قوافل جمال حقيقية، طبعاً من تملكتهم الشجاعة من المشاركين ركبوا الجمال التي جهزتها وزارة السياحة السورية لضيوفها في المهرجان... وسط تلك الجمال الضخمة التي يقودها شباب أقوياء البنية برزت سيدة بدوية عجوز تقف وسط الجمال ممسكة بحمارها، اقتربنا منها وسألناها عن سبب تواجدها وسط تلك الجمال فقالت: أنا اسمي الحاجة ليلى، وتلك الجمال الخمسون هي ملك لي، ومن يقودها هم أبنائي وأحفادي... وقد أتيت معهم للترحيب بضيوف سورية الأعزاء».

بعد ركوب قافلة الجمال استمرت رحلة ألف ليلة وليلة في تدمر، حيث كانت القوافل المشاركة على موعد مع أروع غروب للشمس في منطقة الشرق الأوسط، وذلك من على تخوم قلعة الحصن الشهيرة.


زنوبيا أولاً و«المنسف» ثانياً

من على قلعة الحصن ووسط منظر الغروب انتهى صباح قوافل الحرير في تدمر، إلا أنهم لم يكونوا على علم بأن اليوم لم ينتهِ فالمساء مازال يحمل لهم بالمفاجآت المميزة، حيث بدأت المفاجآت بمسرحية رائعة بعنوان «زنوبيا» قدمتها فرقة «أنانا» الاستعراضية السورية على مسرح تدمر.

من أجواء المسرح والاستعراضات المعاصرة، حل أفراد طاقم قوافل الحرير ضيوفاً على عائلة بدوية ليتذوقوا طبق «المنسف» اللذيذ (وجبة دسمة مكونة من اللحم والفريك)... استمتعت القوافل بتلك الليلة البدوية التي قدم فيها مجموعة من الشباب مقطوعات موسيقية وشعرية مصحوبة بعزف الربابة (آلة موسيقية بدوية).

باتت قوافل الحرير بعد يومها الحافل في أحد فنادق تدمر الراقية، وفي الصباح كانوا على موعد لإكمال جولة تدمر، حيث زاروا المدافن العمودية التي تعد أقدم أنواع المدافن وتعود للقرن الأول قبل الميلاد وهي مربعة الشكل ويقوم كل منها فوق مصطبة مدرجة ويتألف كل منها من عدة طوابق بينها درج حجري.


منتجع زنوبيا والحمامات الكبريتية

عند المدافن العمودية اختتمت القوافل جولتها في تدمر دافنة معها عشقها لـ»الزمرة السورية تدمر»، ومتوجهة إلى محطتها الأخيرة وهي العاصمة دمشق.

في طريق بين تدمر ودمشق توقفت قوافل الحرير عند «منتجع زنوبيا»، حيث استمتعت بملامسة المياه الكبريتية الصحية التي تشتهر بها تلك المنطقة والتي لها من الفوائد الكثيرة لجسم الإنسان.

من أجواء البادية انتقلت قوافل الحرير إلى أجواء مدينة دمشق وقبل الوصول إلى تلك المدينة مرت القوافل بمنطقة معلولا التي تعتبر من أقدم البلدات التي ما تزال مأهولة بالسكان منذ تشييدها في الألف الأول قبل الميلاد على أيدي الآراميين وتشتهر بوجود معالم دينية مسيحية تاريخية وما يزال سكانها يتكلمون الآرامية لغة السيد المسيح (ع) حتى اليوم وتتميز بمساكنها المتعاشقة مع صخورها حيث جال الإعلاميون في الفج وكنائسها القديمة لاسيما دير مار تقلا ومار سركيس .

وصول قوافل الحرير لدمشق كان مربكاً نوعاً ما للجهة المنظمة للمهرجان، حيث كان من المتفق عليه مسبقاً بأن تقيم القوافل في ليلتها الأخير في قلب العاصمة دمشق، إلا أن الظروف تغيرت، وذلك نتيجة لتزامن مهرجان طريق الحرير مع دورة الألعاب الشتوية التي كانت ترعاها حرم الرئيس السورية السيدة أسماء الأسد، لذلك فقد كانت غالبية الفنادق الفخمة محجوزه، مما اضطر وزارة السياحة للجوء إلى فنادق معلولا لإقامة القوافل... هذا الإرباك لا ننكر أنه أثارنا غضب غالبية المشاركين في المهرجان، إلا أنهم ما أن حل المساء في معلولا شموا أجواءها العليلة إلا رضت أنفسهم، واستعدوا للقاء دمشق القديم في صباح اليوم التالي.


ختامها مسك في السيدة زينب

«العشاء الأخير»... هو عنوان اليوم الأخير لقوافل الحرير في سورية، حيث كان الجدول مكتظا بالأعمال، فبدأناها بجولة في أسواق دمشق القديمة والتي منها: باب توما، الحميدية، بالإضافة إلى زيارة الجامع الأموي في دمشق حيث يوجد هناك مقام النبي يحيى بن زكريا (ع)، ومن ثم زرنا مقام السيدة رقية (ع) ومقام السيدة زينب (ع) ووقفنا عند ضريحهما الشريفين.

من الصعب عليك أن تعود إلى ديارك وأنت خالي الوفاض، لذلك فدمشق وأسواقها القديمة كانت الأنسب لقوافل الحرير لشراء الهدايا التذكارية والحلويات الشامية الأصيلة.

عند مقام السيدة زينب اختتمت غالبية أفراد قافلتنا البحرينية طريقها في مهرجان الحرير، فيما تابع الآخرون جولاتهم منفصلين فزاروا جبل قاسيون وبرودان... تمنى الجميع أن تطول الأيام في سورية فنحن لم نشبع بعد من حب الشام وأهلها، ولكن الحنين لأرض مملكة البحرين الحبيبة كان هو شغلنا الشاغل على رغم جمال وروعة سورية... لن نقول وداعاً للشام، بل إلى لقاء آخر أيتها الشام الحبيبة.

العدد 3025 - الجمعة 17 ديسمبر 2010م الموافق 11 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً