العدد 3027 - الأحد 19 ديسمبر 2010م الموافق 13 محرم 1432هـ

منوشهر متقي «خارج» الخارجية الإيرانية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

منوشهر متقي اليوم «خارج» الخارجية الإيرانية. خُروجه (أو إخراجه) من وزارة الدبلوماسية الأولى في الجمهورية الإسلامية كان مُلفِتاً جداً، كون القرار الرئاسي الذي صدَر بذلك الشأن قد وُقِّع من قِبَل الرئيس أحمدي نجاد وسَمِعَه الوزير متقي وهو في مُهمِّة رسمية في السنغال؛ حيث كان يسعى جاهداً لتقديم توضيحات للرئيس عبدالله واد بشأن شُحنة أسلحة إيرانية ضُبِطَت في مرفأ لاغوس في طريقها إلى غامبيا، حيث كان المسئولون السنغاليون يخشَوْن من أن تكون تلك الأسلحة مشحونة لصالح الانفصاليين في منطقة كازامانس بالجنوب السنغالي.

الوزير متقي اعتبر تلك الإقالة «إهانة» غير مسبوقة وُجِّهت له عن قصد، رغم علمه المُسبَق بأنه لن يستمر على رأس الخارجية الإيرانية في ظل خلافاته المستمرة مع الرئيس أحمدي نجاد ونوّابه. كان متقي يعتقد أن الوقت كان كافياً لدى الرئاسة الإيرانية في أن تتريَّث ريثما يرجع هو من دكار حتى يتسلَّم قرار إقالته. لكن القرار صَدَر وسَمِعه متقي من وسائل الإعلام الإيرانية والعالمية. إنها حقاً خطوة من الرئيس تجاه وزيره لا يُفهَم منها سوى أن الأول كان يُريد أن يقيل الثاني بطريقة فيها من الجَزَاء والعقوبة ما يُوازي حجم الخلاف النَّاشِب بينهما منذ أمَد.

أمران مُلفِتان صاحبا تلك الإقالة. الأمر الأول: ظهور الوزير المُقال منوشهر متقي في مراسم عزاء عاشوراء التي أقامها المُرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي بحضور كبار قوم السياسة الإيرانية كأمين عام مجلس صيانة الدستور آية الله الشيخ أحمد جنتي، ونائب الرئيس محمد رضا رحيمي ووزير الاستخبارات الشيخ حيدر مصلحي، ووزير الدفاع الجنرال أحمد وحيدي، والمُدَّعي العام للجمهورية الإسلامية آية الله الشيخ محسني إيجي والذي كان قد أقاله من قبل الرئيس أحمدي نجاد من على رأس وزارة الاستخبارات الإيرانية.

الأمر الثاني: هو امتناع منوشهر متقي عن حضور مراسم توديعه وتقديم المشرف الجديد على الخارجية علي أكبر صالحي والتي جَرَت في مبنى وزارة الخارجية الإيرانية بحضور النائب الأول لرئيس الجمهورية الإسلامية محمد رضا رحيمي ومساعد وزير الخارجية مير موسوي برقعي ورئيس مَجْمَع دار التقريب بين المذاهب الإسلامية آية الله الشيخ محمد علي التسخيري. لكن المُلفِت أيضاً هو غياب علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى للشئون الدولية (والمتواجد حالياً في تركيا) عن تلك المراسم والتي تعنيه بحكم المُسمَّى.

وما بين هاتين اللفتَتَيْن تُثار عدد من الاستفهامات. حضور متقي لدى المرشد وغيابه عن الرئيس. رسالة مُقتَضَبة وجافَّة وناشِفَة من الرئيس لمتقي في قرار الإعفاء، وإطراءٌ كبير من لدُن نائب الرئيس لذات الشخص عندما قال في مراسم التوديع بأن «الحكومة مازالت بحاجة إلى خدمات متقي الذي نتمنى أن يبقى عضواً في مجلس الوزراء ويستمر بتقديم الخدمات اللازمة إلى هذه الحكومة» وأن الأخير «كان حتى آخر لحظة يتمتع بروح مُفعَمَة بالحيوية والنشاط والعمل الدبلوماسي». (راجع تصريحات رحيمي في وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية).

فهل حضور متقي مع المُرشد وتغيِّبه عن الرئيس هو استقواء بالأول على غلواء الثاني. وهل جفاء الرئيس (نجاد) معه، وإطراء نائب الرئيس (رحيمي) له ودعوته البقاء في التشكيلة الوزارية يُؤشِّر على انقسام داخل الحكومة ما بين محافظين تقليديين وآخرين تعميريين؟! وما هي القشَّة التي قَصَمَت ظهر العلاقة الرجراجة بين الرئيس ووزيره الذي اصطبغت الخارجية الإيرانية بأدائه طيلة الأعوام الخمسة المنصرفة.

الظاهر من كلّ تلك الضُّروب والتكهنات من أن إقالة متقي لا تخرج عن أمرين: الأول: بقاء متقي على اعتراضاته السابقة حول قيام الرئيس أحمدي نجاد بإنشاء منظومة دبلوماسية موازية للخارجية الإيرانية عبر تعيينه مدير مكتبه اسفنديار رحيم مشائي مبعوثاً خاصاً للرئاسة في منطقة الشرق الأوسط، وتعيين نائب الرئيس ورئيس منظمة التراث الثقافي والسياحة الإيرانية حميد بقائي مبعوثاً خاصاً للرئاسة في آسيا، وتعيين نائب المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني للشئون الإعلامية أبوالفضل ظهرة واند مبعوثاً خاصاً للرئاسة في أفغانستان، وتعيين محمد أخوند زادة مبعوثاً خاصاً للرئاسة في منطقة بحر قزوين (الخزر)، فضلاً عن قيام المستشار الأعلى للرئيس هاشمي ثمرة بأدوار مماثلة وفي مواضع مُختلفة.

لقد كان منوشهر متقي يعتبر تلك التعيينات بمثابة وزارة خارجية رديفة وموازية لوزارته تُؤثر سلباً على أدائه، وتدفعه في أحيان كثيرة لتقديم توضيحات بشأن تصريحات ومواقف تحدَّث بها آخرون في شأن السياسة الخارجية هو في غنى عنها (موضوع إبادة الأرمن مثالاً) في الوقت الذي لا يستطيع البرلمان الإيراني استجوابهم أو محاسبتهم نظراً لكونهم لا يحملون حقائب وزارية، وإنما تعيينات رئاسية فقط. مع العلم بأن الوزير متقي قد غضّ الطرف عن الأداء الدبلوماسي لرئاسة منظمة الطاقة الذرية الإيرانية في الملف النووي الإيراني والذي يخضع إلى إدارة وإرادة مباشرة من المرشد الأعلى للثورة.

الثاني، هو عدم تثمير الوزير متقي لتصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بشأن الملف النووي الإيراني عندما قالت بأن «الولايات المتحدة ليس لديها مانع في أن تحافظ طهران على قدرات تخصيبية إذا ما أوضحت وضعها مع الوكالة الدولية للطاقة النووية». ثم عدم اقتناص متقي أيضاً فرصة وجود الوزيرة الأميركية في اجتماعات حوار المنامة لفتح خط اتصال مباشر مع الأميركيين في الوقت الذي كان فيه الإيرانيون يتهيأون لمحادثات جنيف النووية.

وقد أشارت كلينتون إلى ذلك الأمر أمام الصحافيين في طريق عودتها إلى واشنطن عندما ذكرت أنها وخلال ملتقى حوار المنامة قامت من مقعدها لكي تُغادر المكان، وكان الوزير منوشهر متقي يجلس على بُعدِ مقعدَيْن منها، ويصافح الناس، وعندما شاهدها توقف وبدأ يبتعد، وعندها قامت بالنداء عليه «مرحباً أيها الوزير»، فأعرض متقي بوجهه عنها وأعطاها ظهره ومضى. (راجع صحيفة الشرق الأوسط 14 ديسمبر/ كانون الأول 2010 - العدد 11704).

على أيّة حال، فإن الأمر الأول هو الأميل لتفسير ما جرى من إقالة للوزير متقي. لأن مسألة الإعراض من متقي تجاه كلينتون، فعلها تالياً سعيد جليلي في جنيف مع وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشئون السياسية وليام بيرنز عندما رفض الاجتماع به منفرداً. وبالتالي فإن رجحان الأمر الأول يبدو غالباً، وخصوصاً أن نجاد أراد أن يُكْمِل عملية استيلائه على مناشط الحكومة بجعل عمل الخارجية الإيرانية متناغماً إلى حدّ التماهي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بوجود علي أكبر صالحي الذي تحمل شخصيته بُعْدَيْن أساسيين بالإضافة لعمله الدبلوماسي. فهو وبحكم عمله في الوكالة طيلة ثلاث حُقَب رئاسية، فهو مواكِب للحالة الأمنية والاستخباراتية المُصاحبة للملف النووي، وثانياً فهو قريب من المحتوى العلمي لذلك البرنامج ولطبيعة عمله التقني والفني؛ فهو يُعتبر أستاذ لأغلب علماء إيران النوويين.

في كلّ الأحوال، فإن متقي ينتظر تعييناً جديداً من المرشد الأعلى ملثما حصل لأغلب الذين اختلفوا مع الرئيس أحمدي نجاد داخل حكومته، من وزير الثقافة (السابق) صفّار هرندي، ثم وزير الاستخبارات (السابق) محسني إيجي، مروراً بوزير داخليته (السابق) الشيخ بور محمدي. وربما تعيد تلك التعيينات جزءاً من التوازن أمام الرئيس وحكومته، وخصوصاً أن التعيينات التي كان يُصدِرها المرشد الأعلى تكتسب أهميّة خاصة ومفصليّة في الدولة ومؤسساتها.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3027 - الأحد 19 ديسمبر 2010م الموافق 13 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • Ebrahim Ganusan | 6:11 ص

      ليست أكثر من لعبة تدوير كراسي

      بالأمس عزل خامنئي صهر نجاد رحيم مشائي بفتوى وأعاده نجاد اليوم مبعوث له ...... وهرولة متقي خلف خامنئي لكي يقول لست ضدك ووزرني ونصبني بعد أن أسقطني نجاد

    • زائر 14 | 4:31 ص

      إلى مازن البحراني 2

      وكتب نعوم تشومسكي عن فلسطين واسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط في الوقت الذي في الولايات المتحدة مشاكل ولم يقل أنه يتدخل في الشئون الداخلية للدول وكتب روجيه جارودي عن خارج فرنسا وروبرت فيسك عن خارج بريطانيا وكتب هنريك إم برودر خارج ألمانيا وكتب ماليبارد خارج هولندا وكتب دونالد بوستروم خارج السويد وكتب شوفوخالوف عن خارج روسيا فهل كل هؤلاء مخطئون ويتدخلون في شئون الدول وليس في بدانهم مشاكل؟؟؟؟؟؟

    • زائر 13 | 4:24 ص

      إلى مازن البحراني

      كل الدول فيها من المشاكل الكثير لكن لا يعني وجود المشاكل أن نغلق على أنفسنا الباب ولا نعلم ما يجري حولنا من أمور وأحداث وقضايا . محمد حسنين هيكل كتب عن إيران وأمريكا واليابان والخليج وسوريا في الوقت الذي يوجد في مصر مشاكل وكذلك فعل الصحفي إبراهيم عيسى وعلي أمين ومصطفى أمين وعماد فوزي الشعيبي وجورج جبور في سوريا

    • زائر 12 | 3:10 ص

      مازن البحراني|ابدأ بجارك قبل دارك 2

      تربوا على صحائف موسى بل وزبور داوود وانجيل عيسى وقرآننا مجتمعين . ما هو سبب هروب كتابنا عن مشكلاتنا الى مشكلات جيراننا ، ثم نطلب من جيراننا عدم التدخل في شؤونا ، ومالكم ان فضحكم صديقكم في وثائقه ، فتراكم تصمتون وكأنكم غير معنيين ، اعني وثائق ويكليكس التي لم يراها احدا كتابنا الاعزاء الا واحد والاخرين كأن على رؤوسهم الطير
      فوجب يا ساداتنا ان تبدوأ بنا نحن ذو البيت الخرب قبل بيت الجار ، اليس العقل يقول كذلك والدين أيضا ام ماذا يا معلقين ويا كتاب؟
      اعتقد ان الامر برمته لا يعنينا اصلا وكفي

    • زائر 11 | 3:06 ص

      مازن البحراني|ابدأ بجارك قبل داركة1

      ان كانت اقالة او استقالة او غيرها من التفسيرات التي يتحفنا بها كتابنا الاعزاء الذين ومن منطلق ابدأ بجارك قبل دارك، فمن الغريب لدينا طبعاً ان نسمع عن اقالة وزير لأن ذلك يعني معجزة في عرفنا العربي، فترانا نتراكض تراكض الديكة من أجل جلجة الاجواء بالصياح حتى ينتبه النائمون لينهشوا عشاءهم الاخير المسمى ايران،فمال هذا الموضوع أخذ اكبر من حجمه ، مع وجود ما تتزكم الانوف من روائح بلدانكم الخربة التي ينعب بها غراب البوم ولكم قادرين انتم على تسطير صحائف
      اعتقد ان الامر برمته لا يعنينا اصلا

    • زائر 10 | 2:42 ص

      شكرا لمتقي

      شكرا على المقال
      مع احترامي وحبي لشخص الرئيس نجاد ولسياسته الحكيمة،إلا اني لا اوافقه في إقالة متقي وهو في مهمة رسمية،خصوصا ان متقي كان من الداعمين الرئيسسين لنجاد في الانتخابات وفي المحافل الدولية،فالاجدر بالرئيس ان يحترم هذا الشخص المحترم الذي خدم البلاد من كل قلبه خدمة لبلاده.

    • زائر 9 | 2:34 ص

      albeem

      What about forgin minister of MOZABIQ

    • زائر 8 | 2:33 ص

      زائر

      شكلك الحقد مالي قلبك على ايران

    • زائر 7 | 2:04 ص

      اضافة ثانية

      لدلك فإن الموضوع من أساسه تم ترتيبه مع الرئيس لكن الغريب في الامر هو كيف ينظر الغرب لمثل هده التغييرات في ايران حيث الجميع انتبه وراقب وتابع هدا الخبر وهو دليل على مكانة الجمهورية الاسلامية واهميتها في المنطقة والعالم

    • زائر 6 | 2:02 ص

      الوزير المقال

      الاخ محمد ابو عبدالله الشكر لك ما تكتبه من مقالات غزيرة ومفيدة وفيها من اللغة الراقية الكثير والتي احرص على قراءتها باستمرار انا وغيري من الاصدقاء بل اننا نجعلها مادة للنقاش في الديوانية .
      مقال اليوم مهم لكن لدي عليه ملاحظة وهي ان إقالة الوزير منوشهر متقي كانت مقررة قبل مدة ايست بالقصيرة بل وحسب الانباء فانه يعلم بها كدلك

    • زائر 5 | 1:34 ص

      صاكيييييييييييييين

      شكرا استاذ محمد على هالمقال . بس الظاهر فيه ناس تنزهق لما يموت قطوا في إيران أو يصرح واحد بتصريح معين !!! يا جماعة الايرانيين غالبينكم غالبينكم وما أقدر أقول إلا صاكيييييييييييييين

    • زائر 4 | 1:25 ص

      مساكين العربان

      حتى لو اقالوا فراش فرحوا وقالوا مشاكل في الجمهوريه ليش ما تقولون انها قوه في الحكومة وتستطيع التغيير لأي وزير مهما كبر حجمه دون ان تهتز أو تتزعزع وهذا هو النظام القوي الامين الذي لا يرى الا المصلحة العامة بعيدا عن الاهتمام بالاشخاص

    • زائر 3 | 11:09 م

      حامض على بوزك يارقم 1

      أثاريك ماغسلت وجهك للحين!! شدخل الحرس الثوري في إقالة نجاد لمتكي؟!! ثم إن الحرس الثوري رهن إشارة الولي الفقيه ولم يثبت أن تمرد يوماً ما على أوامره ، فمن أين أتيت بهذه التخرصات يافهيييييم؟

    • زائر 1 | 10:47 م

      يبدو أن زمام الأمور قد أفلتت من يد الولي الفقيه

      و ها هو (الحرس الثوري) الذي صنعته مؤسسات الولي الفقيه قد نمت له أنياب و مخالب تكفيه لأن يحجم الولي الفقيه و ينزع من الولاية ليسميها بولاية الحرس الثوري بدلا من ولاية الفقيه ..

اقرأ ايضاً