العدد 3032 - الجمعة 24 ديسمبر 2010م الموافق 18 محرم 1432هـ

رحيل شيخ مجاهد

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم تكن قرية «الدَيْه» تعلم الجمعة قبل الماضية وهي تستقبل عشرات الآلاف من مواكب المعزين، أنها ستستقبل حشوداً أخرى الجمعة التالية لوداع ابنها الشيخ محمد علي العكري.

رحل الشيخ فجراً، وبدأ الخبر بالشياع مع مطلع الصباح، وأُعلِن عن بدء التشييع عند الواحدة والنصف ظهراً. واختار المشيعون أن يطوفوا بالقرية من الشمال حتى استقرت الجنازة في المقبرة في الجنوب عند الساعة الثالثة والنصف، قطعت فيها مسافة كيلومتر واحد في ساعتين. فقد كانت الحشود كبيرة، والموكب يسير بطيئاً، يتقدّمه زملاؤه من علماء دين وخطباء منبر حسيني وطلاب العلم الديني... وآلاف من المحبين جاءوا من مختلف المناطق ليشهدوا لحظات الوداع الأخيرة. فالرجل كانت له صولاتٌ وجولاتٌ ستبقى طويلاً في الذاكرة، وخصوصاً لجيل السبعينيات.

ستظل صورة الشيخ العكري في الذاكرة العامة، ذلك الرجل قصير القامة، ضئيل الجسم، كبير العمامة، وسيظل الناس يذكرونه دائماً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهي من الفرائض الدينية الثقيلة، التي لا يمارسها إلا قلةٌ من الغيارى في كل جيل، ممن لا يكترثون كثيراً بما يُقال عنهم، أو يقيمون وزناً لتقييمات ونظرات الآخرين، ويواجهون بصدورٍ عاريةٍ أنواع اللمز والطعنات.

في بداية السبعينيات، حيث كانت مظاهر الالتزام الديني قليلة، كانت غيرته الدينية تدفعه للطواف بالأسواق وتوجيه نصائحه الأخلاقية المباشرة للشباب والشابات. وأذكره كما يذكره كثيرون من أبناء جيلي، وهو قائمٌ يدعو المارة في سوق المنامة للتمسك بتعاليم الدين والأخلاق والالتزام بالحشمة، في مشهدٍ غير مألوف من قبل ومن بعد.

في نهاية السبعينيات، ومع المد الإسلامي الكبير، أصبحت مظاهر الالتزام الديني مألوفةً وشائعةً، فوفّرت عليه جزءًا من الهم والمعاناة. في تلك الفترة، أخذ يتصدّى لبعض المطالب الشعبية، واصطدم ببعض الجهات على طريقة زميله الراحل عبدالله فخرو رحمهما الله، فانتهى به المطاف مثله إلى الاعتقال عدة مرات، ولبث في آخرها بالسجن بضع سنين، قضى أغلبها في جزيرة جدا الشهيرة.

كانت الثمانينيات مرحلة ازدهار قانون أمن الدولة، حيث خشعت الأصوات وأحصِيَت الأنفاس، فوجّه بعض جهوده لجانب التعليم الديني، من تعليم الناشئة والشباب الصلاة والقرآن والفقه. ومع زيادة انتشار المخدرات في تلك المرحلة الحالكة، بادر إلى العمل على مشروع تزويج الشباب الفقراء؛ لتحصينهم من الضياع. لقد كان الهم الأخلاقي حاضراً عنده على الدوام كرجل دين، وربّما كان ذلك هو البذرة الأولى لمشاريع الزواج الجماعي التي ستنتشر في العقدين التاليين.

أغلب اللافتات التي حملها المشيعون أمس، كانت تصفه بالشيخ المجاهد، وتنعته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد غاب عن الساحة في الأعوام الثلاثة الأخيرة، فقد أقعده المرض حتى أسلم الروح إلى بارئه فجر أمس الجمعة.

سيبقى الشيخ العكري الناصح المتواضع في الذاكرة العامة طويلاً. وأثناء موكب التشييع المهيب، همس لي أحد الشباب أنه قرأ بعض ما ترك من كتبٍ في سجن جو. تلك بذرةٌ صغيرةٌ من صنائع المعروف التي عُرف بها:

ومن يفعل الخيرَ لا يُعدم جوازيه.... لا يذهب العرفُ بين اللهِ والناسِ

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3032 - الجمعة 24 ديسمبر 2010م الموافق 18 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 2:46 م

      إلى جنات النعيم

      رحمك الله يا سماحة الشيخ محمد علي العكري فلقد أمرت بمعروف ونهيت عن منكر ولم تخف في الله لومة لائم فجزاك الله عن المؤمنين والمؤمنات ألف خير.
      لقد رأيت سماحته يجهر بالأمر بالمعروف في وفاة سماحة الشيخ إبراهيم آل مبارك قدس الله سره في قرية عالى عند امر طفلة بأن تلبس العباية وكانت لدية عباية فأعطاه.

    • زائر 15 | 12:28 م

      قصتي مع الشيخ (3)

      مرت أيام و أنا اصارع نفسي بعدما وضعني الشيخ أمام هذا الإمتحان الصعب. ساءت حالتي من جراء تركي للكحول دفعة واحدة، ولكنني عاندتُ نفسي و أصررتُ على الإنتصار عليها، وكنتُ كلما أوشكتُ على الإستسلام أتذكّر إصرار الشيخ و دخوله أقذر الأماكن وتقبله ألذع كلمات الإستهزاء إبتغاء مرضاة الله تعالى، وكان والدي رحمه الله يشد من أزري ، وكان هذا ايضاً يعطيني دافعاً قوياً للإستمرار. وفعلاً بفضل الله و فضل الشيخ العكري رحمه الله إنتصرتُ على نفسي بعد فترة. رحمك الله أيها العالم الجليل وجعل توبتي في ميزان حسناتك.

    • زائر 14 | 12:26 م

      قصتي مع الشيخ (2)

      كنتُ أعيد الكرّة في مرافقة أصدقاء السوء ، ولكن صورة الشيخ كانت دائماً أمامي وصوته يرن في أذني في كل مكان. وفي أحد المرات وبأحد الفنادق جاء رحمه الله و جلس معنا كعادته، وبعد أن تبادل معنا الأحاديث أخذ ينصحنا ثانيةً، وابتدأ من معي في الإستهزاء به، وكعادته تقبل ذلك بكل سماحة و صبر. خجلتُ من نفسي، وأعجبت بإصرار الشيخ على المضي في نصحنا إبتغاء مرضاة الله. ذهبتُ إلى البيت وأنا نادم، لاحظ والدي حيرتي فسألني، فأجبته بكل صراحة، قال أنت الآن أمام الحق والباطل معاً، فاختر ما يجب عليك إختياره يا ولدي.

    • زائر 13 | 12:23 م

      قصتي مع الشيخ (1)

      أذكر هذه الحادثة اللصيقة بذاكرتي و وجداني منذ عام 1972، أذكرها للعِبرة و ليعرف الناس مدى إصرار الشيخ العكري رحمه الله على المضي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهما كلفه الأمر وأينما وُجد الباطل،لدرجة أنه كان يدخل البارات والخمارات إبتغاء مرضاة الله لعل و عسى أن يوفقه الله في هداية شباب في ذاك المكان المشين. كان يجلس معنا بوجهٍ بشوش وسماحةٍ ما بعدها سماحة، وينصحنا بتقوى الله، ويذكر لنا مضار و آثام الخمر والعياذ بالله. كان بعض الشباب يستهزؤون به ولكنه كان يرد عليهم ببشاشة و يدعو لهم بالهداية

    • زائر 12 | 12:05 م

      أبن المصلي

      ما عساني قائل في رجل داب حباً في الأسلام وعشقه حتى الهيام فأحبته الجماهير نم قرير شيخنا المبجل فقد أديت الأمانه والتي كلفها الباري لك ولأمثالك وهي أمانة فريضة من أكبر الفرائض الأسلامية وهي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكنت فارسها الشجاع المغوار لاتأخدك في الله لومة لائم فجزاك الله عن الأسلام خير الجزاء وحشرك الله مع من تتولاهم محمد المصفى وآله الأطهار النجباء وداعاً شيخنا ونرجوا منك براءة دممنا أنا لله وأنا اليه راجعون ورحم الله من يقرأ لروحه وارواح المؤمنين سورة الفاتحة المباركة

    • زائر 11 | 6:35 ص

      ونعم الشيخ

      ونعم الشيخ الله يرحمه أتذكر عندما يزور بعض الموقوفين كان يطلب من الشرطة النسائية الالتزام بالحجاب وكانوا يقولون له انه ممنوع في ذاك الفترة وكان يقول انه سوف يصل مطلبهم لمن يعنيهم الأمر وفعلا تحققة امنيتهن بفضل الله وبفضل الشيخ الجليل والله يجعل هذا العمل في ميزان حسناته.

    • زائر 10 | 5:15 ص

      رحمة الله تنزل على الشيخ المجاهد

      أتذكر هذا الشيخ جزاه الله خير الجزاء في كل عام يوم الحادي عشر من المحرم في عزى الديه فقد قال في أخر مرة ذهبت الى العزاء ( غطي ايدش ) ومنذ تلك السنة لم أذهب الى العزاء وقد جعلني افكر في ما فائدة اني اذهب الى عزاء الرجال رحمه الله رحمة الابرار

    • زائر 9 | 3:23 ص

      ترجمة حياته

      يستحق الشيخ الجليل رحمة الله عليه أن يتصدى أحد المؤرخين لكتابة سرته ويصدر ترجمة لحياته ، ويتناول عائلة العكري وأصولها حيث تنحدر اصولهم من قرية العكر وكان أغلب عائلة العكري في فترة الستينات يتواجدون ويتزاورن أقاربهم في العكر والآن عاد بعض أفراد هذه العائلة للسكن في قرية العكر، أتمنى تسليط الضوء أكثر على هذه الشخصية العظيمة.
      عكراوي

    • زائر 8 | 1:53 ص

      ابو ذر هذا الزمن

      رحم الله هذا الشيخ فأنا عندما أراه تذكرني رؤيته بالصحابي الجليل أبي ذر الغفاري رضي الله عنه الذي لم تأخذه لومة لائم في قول كلمة الحق مهما كانت مرة ومكلفة
      رحمك الله يا شيخنا الجليل الذي تمسك بقيم الدين وقت الذي عز فيه تلك الشجاعة الفذة وعدم الخوف من الناس ومن السلطة في قول الحق
      رجل قل نظيره فهنيئا له الجنة فلقد نذر نفسه لخدمة الدين بكل طريقة
      الكلمات تقصر عن ذكر محاسن الشيخ رحمه

    • زائر 6 | 1:05 ص

      افضل تخليد لذكرى الشيخ انشاء جمعية لتزويج العزاب

      على ان تكون هذه الجمعية مثل يحتذا به في الشفافية عبر عرض كامل انشطتها و كشوف لحسباتها المالية للجمهور و التواصل معهم من خلال موقعها على الشبكة بطريقة تكسبها ثقة الجميع في الداخل والخارج ,,,,,,,,,,,
      و من وجهة نظري : المساعدة في تزويج العزاب هو افضل رد عملي على التجنيس بل افضل من الف مسيرة ضدد التجنيس,,,,,,

    • زائر 5 | 10:43 م

      • بهلول • - تكملة -

      اغضب إذا ارتعدت عيونك والدماء السود تجرى في مآقي الجائعين إذا لاحت أمامك أمة مقهورة خرجت من التاريخ

    • زائر 4 | 10:39 م

      • بهلول •

      كان غيوراً و تقياً وورعاً ، لا تأخذه في الحق لومة لائم.
      لا زلت أتذكر طاولته في شارع المهزع و عليها جهاز تشغيل الأشرطة يقف خلفها بشموخ و حنان في آن واحد ما يكاد ينتهي شريط حتى يسمع الناس شريطاً آخر من العظات و المحاضرات الأخلاقية.
      كان بشوشاً و متواضعاً في مواضع الخير و مكفهراً غاضباً عندما يرى الشر و كأني به يردد قصيدة فاروق جويدة :
      اغضب فإن الله لم يخلق شعوباً تستكين
      ارفض زمان العهر
      والمجد المدنس تحت أقدام الطغاة المعتدين
      اغضب
      فإنك إن ركعت اليوم لهم
      سوف تظل تركع بعد آلاف السنين

    • زائر 3 | 10:36 م

      احسنت

      احسنت أ.قاسم حسين
      كان يوم حزين بفقد سماحة الشيخ العكري
      رحمه الله
      واسكنه الله مع اهل بيته الطيبين الطاهرين
      نعم الأب
      والله يستاهل ان ينكتب فيه اكثر من جذي يا أستاذ

    • زائر 2 | 9:58 م

      من سترة

      كان شيخ فعال في المجتمع .. نرى حضوره على جميع الصعد .. نتمنى لو ان جميع مشايخ البحرين يتفاعلون كما كان الشيخ محمد علي العكري .. اكثر مشايخ البحرين لا نراهم الا فوق المنبر الحسيني في محرم .. وبعدها لا نراهم ! .. نتمنى ان يقتدوا بهذا الشيخ الراحل .. وشكرا

    • زائر 1 | 9:52 م

      الى الجنان يا شيخ الامرين بالمعروف

      عندما تسمع شي عن الامر بالمعروف والنهى عن منكر تتذكر هالانسان
      عندما تسمع توجيه نحو العباءة والحشمة -
      عندما تسمع تشجيع نحو الزواج والتحصن
      عندما
      عندما
      ولكن الشيخ لم يرحل وانما هو باقي فينا
      وعلى ابنه المجاهد حمل الراية
      تعزينا الى
      - السادة العلماء الافاضل
      - ابنة مهدي العكري
      - الى عائلة العكري واهله
      - الى اهالي قرية الدية

اقرأ ايضاً