العدد 3047 - السبت 08 يناير 2011م الموافق 03 صفر 1432هـ

أقباط مصر يوجّهون غضبهم من خلال المشاركة المدنية

لينا عطا الله-وينشر بالتعاون مع كومند جراوند 

08 يناير 2011

تجمّع مئات من مسيحيي مصر من الإسكندرية في أبريل/ نيسان العام 2006 لرثاء نوشي جرجس البالغ من العمر 78 عاماً، وهو مسيحي طُعِن حتى الموت في كنيسة القديسين مرقص وبطرس، في واحدة من سلسلة من الهجمات على الكنائس في الإسكندرية في تلك السنة. وبينما توجّهت المظاهرة عبر الشارع وهي تنشد أناشيد دينية، بدأ الناس بإلقاء الحجارة عليهم من الشرفات. تحوّل الوضع فوراً إلى العنف والمواجهة بين المسيحيين والمسلمين.

مازال التوتر يلوح في الأفق بعد أربع سنوات على تلك الحادثة، رغم أنه غير ظاهر إلى درجة كبيرة. وشهدنا العودة إلى العنف الأسبوع الماضي بتفجير كنيسة القديسين نفسها، ومقتل 22 شخصاً وجرح كثيرين آخرين.

يعاني أقباط مصر المسيحيون من الخوف على حياتهم في وطن أصبح عُرضَة للخلاف. ويمكن لموجة العنف الحالية أن تشكّل مفترق طرق لهذه الجالية فيما يتعلق بشعورها بالانخراط السياسي، الذي بقي ساكناً منذ فترة طويلة.

تحاول الحكومة حالياً إنهاء التوتر المتنامي من خلال نشر خطاب من الوحدة الوطنية ووصف العدوان ضد الأقلية المسيحية على أن مصدره خارجي. وقد أعطت تهديدات تنظيم القاعدة الأخيرة ضد مسيحيي مصر بعض الصدى لهذا الادعاء.

إلا أن هذا الخطاب الذي نظّمته الدولة لا يجد صدى في أوساط الجالية المسيحية، التي أصبحت مشاعر المرارة لديها مسيّسة أكثر فأكثر وبسرعة. ففي خلال اليومين السابقين، خرج المتظاهرون الذين يشجبون الهجمات إلى الشارع، يتحدّثون بسخط ضد نظام مبارك وجهاز أمنه بسبب فشلهم المتواصل في حماية الجالية المسيحية في مصر. كذلك ينبع غضبهم المتنامي من شعور بأن النظام مسئول في الواقع عن إذكاء نيران الطائفية. ففي الإسكندرية على سبيل المثال، كانت هناك مؤشرات عديدة على أن الدولة تدعم جماعات سلفية متطرفة معينة تحدثت بشكل عدائي ضد الأقباط على برامج التلفزة الخاصة بها وفي خطبها يوم الجمعة. وقد سمحت لهم الدولة بأن يشكّلوا تنظيمات غير رسمية في بعض مساجد المدينة، ربما كأسلوب لمجابهة العلمانية المتزايدة المعارضة للنظام في هذه المدينة الساحلية.

في الوقت الذي يجب فيه عدم إساءة فهم الغضب القبطي على أنه مؤشّر على عصيان سياسي كامل، فإن عملية الخروج إلى الشارع تؤطر هذا التوتر ضمن عوامل سياسية واضحة. وهذا أمر مثير للاهتمام بشكل خاص إذا أخذنا بعين الاعتبار العملية التي نظمتها الدولة عبر عقود طويلة لتسفيه السياسة في أوساط المواطنين من خلال استمالة مؤسسات دينية، مثل الكنيسة، وإعطائها سلطة كاملة على النواحي الدينية والاجتماعية لحياة المسيحيين المصريين مقابل الدعوة إلى الابتعاد عن السياسة. وقد أدى ذلك بالنتيجة إلى أن تلعب الكنيسة دوراً واسعاً في أوساط الجالية القبطية، مشجّعة أفرادها على التجمّع والانعزال وتوجيه مصادر قلقها نحو السلطات الدينية بدلاً من الزعامة المدنية، الأمر الذي أدّى إلى تراجع الاهتمام بالسياسة عبر الزمن.

يملك الغضب الذي ولّدته الأحداث الأخيرة احتمالات عكس اتجاه عدم الاهتمام السياسي هذا في أوساط أقباط مصر، وقد يؤدي بشكل إيجابي إلى مشاركة مدنية جديدة. وتعتبر حقيقة أن غضبهم موجّه نحو النظام، مقارنة بمواطنيهم، ظاهرة صحية وقد تؤدي إلى تضافر وتضامن أوسع بين المواطنين المصريين من كافة الديانات والعقائد.

لقد حركت هذه الضحايا والأحداث المأساوية آلاف المصريين، بغض النظر عن ديانتهم، لتغيير صور شعارات مواقعهم على الفيسبوك إلى صورة هلال يحتضن الصليب، كرمز للأخوة بين الديانتين. وتناشد مبادرات مختلفة المسلمين إلى مرافقة المسيحيين في احتفالات قداس عيد الميلاد يوم 6 يناير/ كانون الثاني لحمايتهم من أي عدوان محتمل.

إلا أن الأسلوب الأكثر حَسماً، الذي يمكن للمسلمين من خلاله إظهار تضامنهم مع المسيحيين هو اتخاذ موقف سياسي ضد تكتيكات النظام المتمثلة بأسلوب «فرِّق تَسُد». ورغم أنه من الصعوبة بمكان تصور أن التوترات الحالية - التي تقع الآن عبر خطوط دينية - سوف تصبح علمانية في أي وقت قريب، إلا أن الأحداث الأخيرة تستطيع أن تعرض على الأقل كيف أن خنق الدولة المتواصل للحريات لا يولّد سوى العصيان.

يتوجب على الدولة أن تتخلى عن التكتيكات القديمة حتى يتسنى ترك مساحة للتنازلات. هذه هي لحظة يجب أن يستغلها المسيحيون والمسلمون على حد سواء

العدد 3047 - السبت 08 يناير 2011م الموافق 03 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً