العدد 3048 - الأحد 09 يناير 2011م الموافق 04 صفر 1432هـ

هُمومٌ مع الزوّار البحرينيين إلى بلاد الرافدين

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أربطُ مقال اليوم بشواغل السياحة الدينية في العراق التي بدَت ضائعة بين تقتير سابق (خلال حكم البعث) وتبذير حالي (خلال الحكم ما بعد الاحتلال الأميركي) وكلاهما يصبّان في خانة عدم الاستفادة الصحيحة من تلك السياحة. وربما نُثَبِّت استهلالاً أن مفهوم عدم الاستفادة ليس بالضرورة يعني إهمالها أصلاً؛ فقد يكون إساءة توظيف تلك الاستفادة مصداقاً لموضوع تلك «العَدَمِيَّة». بمعنى أن التعريفات مُتعدّدة لعنوان واحد، وهو غاية الأمر ومنتهاه وقصده. وربما شاءت أقدار التاريخ أن يتماثل الزَّمَنان في تلك العدمية بشَكْلَيْن مُتَّحِديْن في مركزهما مع اختلاف في مواضع القصور أو التقصير بينهما ليس إلاّ.

في البداية يجب الإشارة إلى أن العراق من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه يضمّ ثلاثة وتسعين مَعْلَمَاً سياحياً دينياً. ولكن وبسبب ظروف العراق العصيبة خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988)، ثم حرب الخليج الثانية (1991)، ثم الحصار الظالِم (1991 - 2003)، وعملية ثعلب الصحراء (1998)، ثم الحرب التي أطاحت ببغداد في أيدي قوات الاحتلال الأميركية (2003)، كلّ ذلك حَالَ دون أن تتحوّل تلك المعالِم الدينية إلى إطار سياحي ناهض رغم المُقوّمات الذاتية لتلك المعالِم ووهجها المعنوي وكاريزميتها الفَوَّارَة للمريدين.

بعد سقوط نظام البعث في أبريل/ نيسان من العام 2003 أصبحت تلك المعالِم تشهد حُجَّاجاً وزائرين بشكل جنوني غير مسبوق. وأصبح القِطر الجغرافي الذي كان يتحمّل في أقصى حمولته 1000 شخص، يستقبل 20000 ألف شخص. وكان ذلك بمثابة الفَتْح التجاري والمالي الذي لم يعُد يختص بالحكومة العراقية فقط، وإنما حتى بآحاد العراقيين ممن يملكون جزءاً من السوق الاستهلاكي، أو حتى القدرة على الضيافة الأجريّة كما هو الحال في سامراء (غرب).

لك أن تتخيّل بأنه ومنذ 13 فبراير/ شباط من العام 2005 عَقَد الإيرانيون اتفاقاً مع حكومة إياد علاوي المؤقتة يقضي بدخول 5000 زائر إيراني يومياً. بمعنى أن مليون و825 ألف إيراني يدخلون العراق سنوياً، يُنفقون 91 مليون و250 ألف دولار يومياً. وإذا ما عُرِفَ أن في كربلاء المقدسة (مثلاً) حتى العام 2009 أربعمئة فندق مُسجّل لدى هيئة السياحة تضم خمسة وعشرين ألف سرير، فإن دخول مثل العدد من الزّوار الإيرانيين (والذي كان يتغيّر طبقاً للظروف الأمنية والسياسية في داخل العراق) لمدة خمسة أيام سيستحوذ على كلّ تلك الفنادق بأسِرَّتها الخمسة وعشرين ألفاً.

هنا أصِل إلى ما أرُوم الحديث عنه، وهو يتعلّق بالواقع «الفنِّي» للسِّياح البحرينيين (أو بناقِلِيْهِم) إلى تلك المعالِم الدينية في العراق. المُشكلة الفنية الأولى هي في التأشيرة السياحة التي بدأت بالتضخّم من 80 دولاراً إلى 92 دولاراً ثم إلى 112 دولاراً عند استخراجها في المنافذ البرية أو الجوية أو البحرية. بمعنى أن كُلفة استخراج تأشيرات لأربعين ألف زائر بحريني هي أربعة ملايين و480 ألف دولار، مع إضافة 400 ألف دولار رسوم الدخول إلى مدينة النجف الأشرف لذات العدد. هذا يُعتبر استنزاف غير طبيعي لهؤلاء الزوّار.

المشكلة الثانية التي يُعاني منها هؤلاء هو ارتخاء قبضة الرقابة السياحية على أصحاب الفنادق هناك. لك أن تتخيّل أن سياسة التأجير تقوم على السَّرِير كوحدة أجريَّة. الفندق المهترأ وعديم الخدمات والبعيد عن مكان التوافد يمنح الزائر ما بين 45 و70 دولاراً كأجْرٍ ليلي على السرير الواحد. بمعنى أن غرفة تضمّ عشرة أسِرَّة ودورة مياه واحدة (عامّة) سيكون أجرها اليومي 700 دولار دون احتساب وجبات الطعام الثلاث. أما إذا احتُسِبَت تلك الوجبات فإن السعر يقفز إلى ما بين 90 و120

دولار في اليوم. بمعنى 1200 دولار للغرفة الواحدة يومياً!

وإذا ما كان في الفندق الواحد 200 غرفة على سبيل المثال فهذا يعني أن دخله اليومي سيصل إلى 240 ألف دولار (ربع مليون دولار تقريباً). بالتأكيد فإن ذلك الحال لا ينطبق على الفنادق الأعلى درجة رغم أن الوضع الفندقي في العراق غير خاضع للمعايير المُتّبعة والمعروفة في الدرجات الفندقيّة. ولكن حين يتمايز فندق عن آخر مُقِلٌ في خدماته فإننا نتحدث في المجمل عن 400 ألف دولار في الليلة الواحدة طبقاً للصّيغة الأجريَّة السابقة، وهو مستوى غير مقبول من الغلاء وعدم الرقابة في حدّها الأدنى الذي يُمكن أن يُقبل به بتقدير أوضاع العراق الحالية، والتي يتحكّم فيها الهَوَس الأمني، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

ما يزيد الأمر سوءاً هو شياع التأجير المُركَّب. بمعنى أن تاجراً غير عراقي يقوم باستئجار الفندق طوال العام، ثم يقوم بتأجيره بسعر مُرتفع على السّياح عندما لا يكون لديه سُياح دينيين من بلده. بمعنى سياسة التأجير على التأجير، وهو في حدّ ذاته مدخل نحو فتح السوق أمام جنون الأسعار، والتنافس على قصم ظهور هؤلاء الزائرين. لذا فإن المشهد يتحوّل تدريجياً إلى سوق سوداء مُغلقة، يلعب فيها الكبار، أو من ينتحلون صفتهم إلى حدّ لا يُمكن تخيّله والضحية في نهاية المطاف هي الزائر الفقير الذي لا يملك سوى ما جاء به في ترحاله.

للجميع أن يتخيّل أن رحلة دينية للعراق في العام 2006 لمدة 26 يوماً تحتاج إلى 317 دينار بحريني بالنسبة الفرد الواحد الغير مُلتَحق بناقِل سياحي، بمعنى أنها بمُعدّل إنفاق يومي لا يتجاوز الـ 12 دينار بحريني. أما اليوم فإن رحلة مماثلة بأيام أقل (10 يوماً فقط) تحتاج إلى 550 ديناراً. بمعنى أن مُعدّل الإنفاق اليومي هو 55 ديناراً بحرينياً، أي بزيادة يومية تصل إلى 43 ديناراً. هذه أشبه بالكارثة. صحيح أن هناك غلاء عالمي، لكن ذلك الغلاء غير مرتبط بسوء التصرّف السياحي من قِبَل المسئولين العراقيين.

هذه مُجرّد إشارات أتمنى أن تصِل إلى أسماع المسئولين العراقيين. وربما يعرف هؤلاء أكثر من غيرهم، أن الحالة الدينية المعنوية فيها من الاستغراق الروحي ما يجعل الفرد يبذل الكثير من أجل أن يصِل إلى مُبتغاه، لذا فمن غير الصحيح أن يتمّ استغلال تلك الحالة المعنوية في استنزاف هؤلاء لحدّ السّرقة المُبطّنة، فهذا مما لا يلِيق بأي أحد فضلاً عن مَنْ هو في موقع القرار.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3048 - الأحد 09 يناير 2011م الموافق 04 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 2:19 م

      غصن زيتون السلام

      الي اراه ان الزوار لايوجد احد ينصحهم او يثقفهم على منابر اهل البيت فبدلا من وضع النقاط على الحروف لفهم اللغة لم نرى احد من الخطباء يوجه النصيحة لاحد مثلا يقال على المنبر الحسيني لايستحب او لايجوز من اخد قروض والذهاب للزيارة وانت في فاقة ، ليس من الصحيح السفر الى سوريا للزيارة سنويا وفي اماكن لاتناسب صحيا ولا ماديا ، بل ا لي نلاحظه على المنابر عكس ذلك وهذا دليل على عدم فهم فكر الامام الحسين ، فزيارة الامام الحسين مقبول على بعد الاف الاميال اذا كانت بحسن نيه

    • زائر 7 | 11:40 ص

      لو قطعوا الأرجل واليدين .. جئناك زحفا سيدس يا حسين

      في زمن المتوكل فرضوا على كل من يريد أن يزور مرقد الإمام الحسين (ع) أن تقطع يده .. ومع هناك من يذهب في العام الثاني لتقطع يده الأخرى .. فما بالك في الوقت الحالي وهو مسموح به .. ولكن يجب على الحكومة العراقية أن تضع الرقابة والتشديد على المتلاعبين .. والمحتكرين من الطماعين والجشعين ..

    • زائر 6 | 5:58 ص

      أبن المصلي

      من هذا الحيز على صحيفتنا المفضلة الوسط نناشد الحكومة العراقية التدخل السريع للحد من جشع اصحاب ما تسمى فنادق في الأماكن المقدسه فلقد بلغ السيل الزبا السرير المتواضع المتهالك في مبنى قديم ومتواضع يبلغ في هذه الأيام اكثر من 80 دولار ماهذا الأستغلال السيىء لزوار العتبات المقدسة هل هذا يرضى الله ورسوله ويرضى الأمام الحسين ع افيدونا يرحمكم الله

    • زائر 5 | 12:38 ص

      مشكورين

      اشكر الاخ محمد لتحسسه زوار ابي عبد الله الحسين ع
      نعم انا معك الظرف بات جدا غير طبيعي لمن يريد الذهاب للعراق هل تعلم نحن متوجهون للعراق بعد 4 ايام لحد الآن لم تصدر لنا فيزا علما مقديمها من قبل 12 يوم كلما راجعنا السفارة قالوا لنا غير متوفر استكرات للفيزه هل هذا معقول سفارة تفتقد استكرات لهذه المدة
      اما الاسعار حدث ولا حرج معدل صرف يوم واحد في العراق يعادل 3ايام في سويسرة في افضل فنادقها ليش هذا الاسغلال لزوار ابي عبد الله الحسين

    • زائر 4 | 12:27 ص

      أصبت عين الواقع

      أبدعت وتجليت فيما كتبت
      أما بالنسبة للمسئولين العراقيين فليس لهم في الامر ناقة ولا جمل والامر بيد التجار وسياسنهن دينكم ديناركم ..وهل إمتلئتي فتقول هل من مزيد ؟

    • زائر 3 | 11:38 م

      فساد

      الفساد مستشري في كل مكان من المسئولين الى التجار

    • زائر 2 | 10:50 م

      هذه هي الخلاصة

      فمن غير الصحيح أن يتمّ استغلال تلك الحالة المعنوية في استنزاف هؤلاء لحدّ السّرقة المُبطّنة، فهذا مما لا يلِيق بأي أحد فضلاً عن مَنْ هو في موقع القرار

    • زائر 1 | 10:34 م

      اسوأ من السئ

      زوجتي راحت العراق تقول ان الخدمات اقل من القليل واسوأ من السيء ومع دلك الاسعار لا ترحم احد . شكرا على هدا الموضوع الضروري

اقرأ ايضاً