العدد 3051 - الأربعاء 12 يناير 2011م الموافق 07 صفر 1432هـ

الرباعي في تراث الصحراء

في حضور لافت ومميز تستعيد كل فترة جيلا جديدا يميزه عمله ويمتاز بفترته وحضوره في ميدان انطلاقه المجد والمثابر، في كل يوم تشرق شمس من مضجعها القدسي لتبتسم مختالة كعروس تتبختر في شيء من التواضع، لايزال الوطن العربي يرسم خطواته المترددة حول تجاربه المتنوعه وإذا وقفنا بتأمل حول التشكيل على سبيل المثال لا الحصر بالمملكة العربية السعودية فسنلاحظ بوضوح وجود طفرة نوعية في الجيل الحالي أو القادم يستعيد تثبيت وتقوية دعائم الفن التشكيلي بالمنطقة ليظهر جماعات مختلفة تعمل بجد واجتهاد لمواكبة الحدث العالمي في الساحة الفنية، ومن بين تلك المجموعات الشبابية تتردد بوضوح «جاسم الضامن وسيما آل عبدالحي وزهرة المتروك وفاطمة النمر» الذين أقاموا معرضهم الرباعي المشترك في مدينة الخبر بقاعة قصر الصحراء بواقع ما يقارب الـ 79 عملا بعد بروز واضح لهذه الأسماء في حصولهم على العديد من الجوائز في أهم المحافل التشكيلية في الآونة الأخيرة مما يشير إلى أنهم سيكونون من أهم الوجوه التي ستكون لها بصمة في ايجاد جيل جديد على الساحة الفنية بعد ترسيم الملامح الكاملة لهذا الجيل قريبا.

قال الناقد الانجليزي هربت ريد: «الفن تعلق دائما... وإذا لم يعد تعلقا فليس فنا»... ويبدو من خلال نشاطهم المتواصل بروحية الشباب وحماسهم أن لديهم ارتباطاً وثيقاً بالفن وأن القدر قد صاغ لهم مكانا فيه لا سبيل آخر للرجوع عنه غير الغرق في محيطاته التي كلما أبحروا فيها ليس هناك شاطئ يؤويهم أو سفينة تنجيهم من الغرق في هذا العالم الواسع والجميل الذي خصص لأناس معينين فقط في هذا الكون، وهنا يجرنا إلى مقولة الامام علي (ع) «كل وعاء يضيق بما جعل فيه إلا وعاء العلم فإنه يتسع» وان مرحلة الشباب هي الأسمى في التعمق في الذات الحماسية ومصدر الانتاج المستديم وهي المرحلة الأجمل بما فيها من مشقة ترتكز عليها دعائم البناء المستقبلي وتحديد مراحل الهوية الفنية، يجرنا هذا الحديث إلى المراحل الأخيرة أو السنتين الأخيرتين التي عاشها الفنان كاظم حيدر وانشغاله بالمرض إذ عدّ أن مرحلته الأخيرة هي مرحلة الحكمة والعقل أي الأعمق إلا أن مرحلة الشباب هي عنفوان العطاء والأجمل.

المعرض الذي جمع الرباعي حمل أساليب متقاربة شيئا ما لتقارب فترات عملهم المشترك والجماعي ولكن يتميز كل واحد منهم بأسلوب حسي خاص به وما يميز بعضهم أكثر هو الولوج في فلسفات مختلفة في عمل كل منهم من حيث الموضوعية في العمل أو التأثر اللوني الأقرب إلى أنفسهم المختلفة في هذه الثيمة.

تتميز أعمال الضامن بالألوان الحارة والصارخة التي تتقاطع معها الخطوط الشفافة العرضية التي تتوزع بين مجموعة أعماله الطولية والتي يمكن له أن يجعلها لوحة واحدة مقسمة لستتة أجزاء أو ست لوحات منفردة عدا اللوحات ذات الحجوم الصغيرة التي تمتاز بنفس الروحية إلا انها ذات طابع منفرد عن مثيلاتها الطولية وإن كانت لا تحوي مضمواً مباشراً إلا أنها مجموعة رائعة تعبر عن انفعالات في مكنونات الفنان يستبيحها على سطح تلك الأعمال أو كبت جامح استطاع من خلال اللوح أن يجعل له متنفسا من خلاله.

أما أعمال سيما فهي نتاج تجارب مستمرة مستمدة من وحي التراث المحلي وروحيته إلا أنها تبحث عن ذاتها في شفرات متواصلة ومختارة من خلال الخامة المستخدمة في معظم أعمالها وايصالها بتواريخ وعادات من مختلف الحضارات القديمة كالساسانية أو حتى إذا شئنا قلناها فيها شيء من الحضارات اللاحقة كالعثمانية والصفوية وخصوصا منها الصغيرة الحجم التي عمدت إلى توظيف القماش المألوف في البيئة المحلية المستخدمة عند الجدات من خلال الألوان الشعبية والألون الباهتة المحيطة بكتل يظهر منها الزهاء من بؤرة ضيقة.

وإذا رجعنا إلى الفنانة زهرة المتروك فيظهر من خلال أعمالها أنها تتجه إلى معالجة قضايا شعبية ليس للإنسان بد عنها إذا إن العديد من الفنانين حاولوا أن يلجوا في أسرارها إلا أن المتروك تناولته لثرائه المستمر في مشاهداتنا اليومية وبالأخص في المحيط المغلق داخل البيوت وخلف الجدران إذ تتناول مساحات تراثية مباشرة ويبدو من خلال أعمالها أنها ذات حس مرهف وانساني يتقرب إلى مجالسة الانسان الشعبي والعفوي وإن كان من خلال اللوحة المرسومة والجدة سيدة الموقف في أعمالها.

أما فاطمة النمر فليس يخفى على المتتبعين لنشاطها الأخير استمرارية النضوج في فلسفات أعمالها المعتمدة على رموز واشارات من خلال توظيف ثيمة الانسان في أعمالها وإن غاب الانسان بتجسيده في العمل ككل إلا أنها تركت آثاره وكتاباته ومخربشاته العفوية والمألوفة في كل مكان نلمسها في البيت على الحائط أو في المدرسة والخ... ويبدو أنها تميل إلى تناول موضوح الحب عند الانسان والعنصر الذي أهمله الانسان منذ نزول سيدنا آدم (ع) الى الأرض وغياب الحب عند ولديه وبروز جريمة القتل بغياب عنصر الحب الذي تستند عليه كل أخلاقيات وتآلف العالم من خلال هذه الزاوية.

في موعد قريب ليس مستبعدا ننتظر اشراقات ضياء تنبثق من شبه الجزيرة العربية من خلال شباب يعول عليهم تسجيل كل ما يتعلق بتاريخ ثقافاتهم وحفظها لجيل يرتئي أن يقف على أسس النضوج الفكري والفني لمثل هذه الفئات الناضجة.

العدد 3051 - الأربعاء 12 يناير 2011م الموافق 07 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً