العدد 2441 - الثلثاء 12 مايو 2009م الموافق 17 جمادى الأولى 1430هـ

انفلونزا الطأفنة والاصطفاف

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

الديمقراطية التي كان الشعب يحلم بها لم تكن مصابة بهذه الأمراض بالتأكيد!

أضحت الطائفية والقبلية هي سيدة الموقف في التجربة البرلمانية، وكلما مرت السنين على التجربة وتوقع الناس أن تبلغ الرشد سرعان ما تنتكس الطموحات مرة أخرى، لأن الواقع هو بخلاف المأمول من حصيلة هذا المجلس.

الإفرازات التي أنجبتها التوليفة البرلمانية بالغة الخطورة على منحى بحرين المستقبل، لأن التجربة السياسية انحرف مسارها إلى الطأفنة بدلا من البحرنة، إذ أصبح المجتمع يعاني من وباء «انفلونزا الاصطفاف».

مشاهد كثيرة في التجربة البرلمانية أفقدت الأمل لدى الناس بما سيحمله هذا المجلس، ومن مقدار التغيير المتوقع في دفع عجلة الديمقراطية نحو الأفضل، فما إن يجرب النواب حقهم في استخدام الأدوات الرقابية - اتفقنا معهم أو اختلفنا - سرعان ما يفقد البعض البوصلة ليجيّر حق المساءلة الطبيعية والمنصوص عليها دستوريا إلى لعبة قذرة قائمة بعيدة عن الجنبة السياسية للموضوع.

«انفلونزا الاصطفاف» هي أكبر وباء يهدد البحرين ليس على المدى المنظور فقط بل على المدى البعيد أيضا، فلم يعد أحد يلتفت إلى مقدار الخطأ أو الصواب في السلوك اليومي لأي مسئول بقدر التفاته إلى لونه المذهبي أولا ولونه السياسي ثانيا، ويصبح اللون البحريني بعيدا عن الاهتمام.

ما أقبح منظر الاصطفاف وخصوصا إذا كان في المؤسسة البرلمانية التي يفترض أن تؤسس لتشريعات وقوانين مناهضة للتمييز والاصطفاف والعنصرية فإذا بها تقع في شراك الطائفية والعنصرية والاصطفاف، وهي تثبت يوما بعد آخر أنها ليست مؤهلة لتمثيل آمال الناس وأحلام البسطاء في رؤية بحرين خالية من العنصرية... البحرين الواحدة الجميلة.

من يمارس هذا الاصطفاف أبعد ما يكون عن الوطنية، ومن باب التجني على البحرين حاضرا ومستقبلا أن يكون أمثال هؤلاء في صدارة المؤسسة التشريعية، ولكن الأخطر من ذاك ان هم نقلوا العدى لناخبيهم أيضا.

كيف نتوقع من الشاب وهو يصغي لخطيب الجمعة وهو يلقي دروسا في الطائفية والاصطفاف؟ وماذا نتوقع من الشاب وهو يرى قدوته في مقدمة أي سلوك طائفي واصطفافي؟

هل من يمارس الاصطفاف جهارا نهارا جدير بالتقدير والاحترام... ما نشاهده من أخطاء فادحة وسلوكيات طائفية مرعبة في مجلس النواب تثبت أن كثيرا من الناس أخطأوا الاختيار، وهذا سيعزز قاعدة غير المقتنعين من جدوى المشاركة تحت لواء المجلس النيابي الحالي.

مؤسف جدا أن يكون في المجلس أنصاف متعلمين، غير أن الأدهى أن يكون بينهم من لا عهد له بالموضوعية وتراه في مقدمة ركب قافلة الاصطفاف في كل موقف من مواقف التجربة.

ماذا يعني أن يهرول النواب لأي وزير؟ كم هو قبيح منظر أن يحيطوا بأي وزير كان إحاطة الطابور الأول وليس الطابور الخامس فقط، بعض هؤلاء النواب أمنيته أن يقبّل أنف وزير - أي وزير - وأن يحمل بشته وأن يقف معه «موقف البودي غارد» حتى وصوله سالما إلى باب سيارته، وهذا المشهد يفقد الأمل في أي بوادر تغيير؟ فماذا عساه أن ينجب مجلس كهذا؟ وماذا عساه أن يقدم للناس وللبحرين؟

على أن «انفلوزا التمييز والاصطفاف» وبفضل هؤلاء النواب الذين يمارسون ضغوطا على الحكومة أصبحت لديهم الهيمنة على الكثير من مواقع النفوذ في الوزارات والمؤسسات الرسمية، فنرى بعض المسئولين في السلطة التنفيذية يتلقون أوامرهم من هؤلاء؟ ورأيهم المعتمد في التوظيف والترقية وفي التقريب والإقصاء، ولهم الكلمة الفصل في إدارة المشهد الوظيفي في المؤسسة الرسمية.

بصراحة، البحرين من دون هذا المجلس كانت أجمل بكثير، وليس الخلل في المجلس ذاته كقبة للحوار وإنما فيمن وصلوا إليه صدفة في خلسة من الغفلة! لأن التحدي الذي خلقه هذا المجلس هو تجيير الشباب نحو الطأفنة والأدلجة الفجة، وليس المقصود هنا هو حرية اعتناق أي لون فكري من الآراء والمعتقدات شرقية كانت أم غربية، ولكن المحزن هو أن حفنة من أنصاف المتعلمين، ممن لم يكونوا ذوي شأن أصبحوا يشرّعون ويقررون ويتحدثون باسمنا جميعا... هذه هي المأساة.

ثمة حاجة حقيقية لكي يعي الناس أن بعض هؤلاء (النواب) ليسوا جديرين في الوصول لهذا المجلس! هناك الآلاف من البحرينيين من كل المذاهب والأعراق أولى بتمثيلنا من بعض هؤلاء، هذا إذا أردنا وطنا خاليا من هذه الأمراض الفتاكة. وطن يزهو بجمال أبنائه كما كان بجناحيه الجميلين... وطنٌ خالٍ من المصابين بانفلونزا الطأفنة والاصطفاف!

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 2441 - الثلثاء 12 مايو 2009م الموافق 17 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً