العدد 3060 - الجمعة 21 يناير 2011م الموافق 16 صفر 1432هـ

هل تعسَّف المتهمون عندما رفضوا المحامين المنتدبين للدفاع عنهم؟

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

نُشر مؤخراً تصريح لأحد المحامين المنتدبين للدفاع عن المتهمين في القضية المسماة بـ «المخطط الإرهابي» قوله: «إنْ رفض المتهمين للمحامين المنتدبين للدفاع عنهم في هذه القضية كان تعسفياً من قبل هؤلاء المتهمين».

هذا القول لا يعدو أن يكون وجهة نظر شخصية أو رأياً يفترض احترامه، وإنْ نراه قولاً لا يجوز أن يصدر من رجل قانون، ونتمنى أن يكون هذا القول قد صدر عن زلة لسان من هذا الزميل، إنْ صحَّ ما قيل عنه.

بيد أن الواقع الحالي يفرض علينا الوقوف على مدى صحة هذا الرأي من عدمه، حتى وإنْ كان صادراً عن زلة لسان، لنوضح الآتي:

أولاً: يجب أن يعلم القارئ أن «التعسفَ» وصفٌ يُطلق على الفعل أو التصرف الصادر من شخص طبيعي أو اعتباري، وأن هذا الوصف لا يُطلق إلاّ في حالة «التعسف في استعمال الحق»، وفي غير استعمال الحق لا يوصف الفعل أو التصرف أياً يكن نوعه إيجاباً أو سلباً «بالتعسف». بمعنى أن «التعسف» لا يرد إلاّ على استعمال الحقوق وحدها.

والزميل كونه أحد الحقوقيين يعرف هذا المفهوم دون شك، وهو يقصد إذاً أن المتهمين تعسفوا في استعمال حقهم.

فإذا كان الأمر كذلك، فهل حقاً تعسف المتهمون في استعمال حقهم حين رفضوا المحامين المنتدبين للدفاع عنهم؟.

للإجابة على هذا السؤال يجب علينا بداية أن نعرف ماهية التعسف في استعمال الحق، ومتى نكون أمام تعسف.

فالتعسف في استعمال الحق يقصد به الانحراف في السلوك من قبل شخص يقع منه وهو يستعمل حقه، أو بمعنى أدق تجاوز الحدود المرسومة لاستعمال الحق حتى ولو لم يخرج صاحب الحق عن حدود الحق نفسه. كمن يتعسف في إنهاء عقد جعل له هذا العقد الحق في إنهائه، كإنهاء عقد العمل غير محدد المدة أو عقد الوكالة مثلاً.

وعليه فإن مدى صحة استعمال الحق مرهون بعدم تجاوز حدود هذا الاستعمال، فإن تجاوزها صاحب الحق كان ذلك تعسفاً منه يترتب عليه المسئولية، حاله كحال الخطأ التقصيري، لأن التعسف في استعمال الحق ليس إلاّ صورة من صور الخطأ التقصيري، أما إذا التزم صاحب الحق تلك الحدود فلا تتحقق مسئوليته.

وهنا يثور السؤال الجدي التالي: كيف نعرف مدى صحة أو مشروعية استعمال الحق؟ وما هو المعيار الذي يحدد مشروعية استعمال الحق من عدمه؟

هذا السؤال تجيب عليه المادة رقم (28) من القانون المدني البحريني الصادر بالمرسوم بقانون رقم (19) لسنة 2001 التي وضعت الأساس القانوني لنظرية التعسف في استعمال الحق، ورسمت لنا المعيار الذي يحدد مشروعية استعمال الحق من عدمه؟... فبينت أن الانحراف أو التعسف في استعمال الحق لا يتحقق إلاّ إذا توافرت إحدى الصور التالية.

وهذه الصور سنقف عليها في إطار القضية المشار إليها، لنرى هل أن هناك صورة من هذه الصور قد توافرت أم لا.

الصورة الأولى والثانية: إذا لم يقصد المتهمون من رفضهم سوى الإضرار بالغير، أو كان من شأن هذا الرفض أن يلحق بالغير ضرراً بليغاً غير مألوف.

هاتان الصورتان (أو المعياران) اللذان متى تحقق أحدهما كان هناك تعسف، ذلك لأن نية الإضرار بالغير هي المقابل للخطأ العمدي الموجب للمسئولية:

وهنا نسأل: هل علم زميلنا المحترم أن رفض المتهمين للمحامين المنتدبين لم يكن إلاّ لقصد الإضرار بالغير كي نعدهم متعسفين؟ ومن هو هذا الغير؟.ثم ما هو مقدار هذا الضرر إن وجد؟ وهل هناك دليل يثبت وقوعه؟

فإن لم نجد جواباً على ما تقدم فهذا يعني أنه لا وجود للضرر على أرض الواقع، وبانتفاء الضرر نخرج هاتين الصورتين (أو هذين المعيارين) من دائرة التعسف المنسوب للمتهمين.

علماً أن افتراض وجود ضرر (أو وجوده احتمالاً) لا يعوَّل عليه وفقاً لنظرية التعسف في استعمال الحق.

الصورة الثالثة والرابعة: إذا كانت المصالح التي يبتغيها المتهمون من وراء رفضهم غير مشروعة، أو كانت هذه المصالح قليلة الأهمية:

فمن المعروف أن «المصلحة غير المشروعة» هي المصلحة التي تخالف حكماً من أحكام القانون أو تتعارض مع النظام العام أو الآداب. وهنا نسأل مرة أخرى زميلنا المحترم؛: ما هي هذه المصلحة التي يسعى المتهمون إلى تحقيقها؟ وهل أن هذه المصلحة تخالف القانون أم تخالف النظام العام والآداب؟ أم أنها مصالح قليلة الأهمية في نظره؟ وهل إنه تعرف على نية المتهمين وتأكد له أنهم يسعون لمصلحة غير مشروعة، أم أنه افترضها افتراضاً؟.

في حين إن الافتراض ممنوع التعويل عليه على غرار الضرر المفترض على نحو ما بينا سلفاً.

وإلى حين إن تردنا الإجابة ونتأكد أن هناك مصلحة غير مشروعة يبتغيها المتهمون يظل المتهمون أبرياء مما نسب إليهم من تهمة التعسف.

ثانياً: عندما يقول زميلنا إن المتهمين قد تعسفوا في استعمال حقهم، ولذلك قَبِل الدفاع عنهم رغماً عن إرادتهم. فأي حق تعسفوا فيه يا ترى؟ وهل يقصد بهذا الحق عدم قبولهم توكيله وبقية المحامين المنتدبين للدفاع عنهم؟

فإن كان هو هذا المقصود، حيث لا يوجد غيره، فإن هذا الحق قد كفله الدستور والقانون، وإنَّ سلب هذا الحق من المتهمين بالإكراه هو أعظم من التعسف، لأننا هنا نكون أمام سلب حق لا أمام تعسف في استعمال حق. وسلب الحق لا يستقيم لا مع الأخلاق ولا مع المنطق ولا مع القانون.

بل والأهم من ذلك إن ما صرح به الزميل لم يكن مجرد وجهة نظر كما اعتقدنا في الوهلة الأولى إنما كان ذلك بمثابة إدعاء أدلى به أمام المحكمة الجنائية التي تنظر القضية وكأني أخاله قد نصب نفسه وكيلاً عن سلطة الإدعاء (النيابة العامة)، وعليه ماذا سيقول المتهمون عن محامٍ يدافع عنهم وهو يتهمهم جزافاً بالتعسف، وقد وضع نفسه في مركز المعين لسلطة الإدعاء؟.

بيد أننا نعود ونكرر القول: إننا نأمل أن ما سمعناه وقرأناه على النحو السابق ذكره كان غير صحيح، أو أنه كان عن زلة لسان.

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 3060 - الجمعة 21 يناير 2011م الموافق 16 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 8:31 ص

      انسان بسيط

      بس من يوم الاول صدر الحكم على لسان المسؤلين

    • زائر 2 | 10:40 م

      شكرا لك على هذا التوضيح القانوني

      بصراحة انت وأمثالك من المحامين وقفتم وقفة مشرفة وفعلتم قسمكم وأبررتم به وما مناطحتكم لوزارة العدل إلا من أجل احقاق الحق الذي هو بين لدى جميع الناس ومحاولة الوزارة الإلتفاف والمراوغة معهودة مسبقا وهذا من الأمور التي تفقد الوزارة مصداقيتها كوزارة للعدل وهي المفروض القائمة على تطبيق القوانين وإذا بها هي التي تخرقها وتحاول جرّ ضعاف المحامين للتعاون معها في خرق هذه القوانين والتي هي بالأساس قواعد واضحة وبينة

    • زائر 1 | 10:32 م

      المتهم بريء والبريء له الحق في انتداب من يترافع عنه

      مسألة توكيل المحامين حق مطلق للمتهم لا ينازعه فيه أحد هذا حسب القوانين المعمول بها في كل دول العالم أما هنا لدينا فعلى ما يبدوا أن سنخرم التعريفة والعرف حتى في هذ الحق وفي هذه النقطة بالذات ولا يكفي ما يشوب وزارة العدل من خروج على المألوف عالميا حتى في هذه المسألة تحاول فرض محامين من قبلها لأنه في هذه القضية بالذات قد صدر الحكم مسبقا والكل يعرف أن ما حصل من إدانة قبل المحاكمة مخالف للقانون تماما والوزارة تحاول إيجاد مخرج لها

اقرأ ايضاً