العدد 3065 - الأربعاء 26 يناير 2011م الموافق 21 صفر 1432هـ

الهاشمي والمحادين وخليفة يقرأون إشكالات الرواية العربية

ملتقى القاهرة الدولي الخامس ناقش العلاقة بين الأدب والحرية

نظم المجلس الأعلى للثقافة في مصر «ملتقى القاهرة الدولي الخامس للإبداع الروائي العربي: الرواية العربية إلى أين» حيث شارك في الملتقى مجموعة من الأدباء والمبدعين والمثقفين والنقاد، من 17 دولة عربية ومن البحرين شارك في الملتقى ثلاثة من النقاد حيث قدم الناقد علوي الهاشمي ورقة حول الرواية بوصفها حرية بديلة، فيما قدم الناقد عبدالحميد المحادين ورقة بعنوان «الرواية ومشكلات التلقي والنشر»، وأما الروائي عبدالله خليفة فقدم ورقة عنوانها «الشكل الروائي المفتوح، وتجربة غازي عبدالرحمن القصيبي»


الكوني يتبرع بجائزته لأطفال الطوارق

وخلال المؤتمر أعلن عن منح الروائي الليبي الكبير إبراهيم الكوني جائزة ملتقى القاهرة الدولي للإبداع الروائي في دورته الخامسة، وقد تسلم الكوني الجائزة من وزير الثقافة المصري في حفل كبير حضره أكثر من 200 كاتب وناقد عربي. وقد تبرع الكوني بالقيمة المادية للجائزة إلى أطفال الطوارق في مالي والنيجر.

يذكر أن إبراهيم الكوني ولد في غدامس في 1948 نال جائزة الدولة الاستثنائية الكبرى التي تمنحها الحكومة السويسرية، وتعد أرفع جوائزها، عن مجمل أعماله الروائية المترجمة إلى الألمانية. اختارته مجلة «لير» الفرنسية بين خمسين روائياً من العالم اعتبرتهم يمثلون اليوم «أدب القرن الحادي والعشرين»، وسمتهم «خمسون كاتباً للغد». فاز بجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الآداب في دورتها الثانية.

من إصداراته «ثورات الصحراء الكبرى 1970، نقد ندوة الفكر الثوري 1970، الصلاة خارج نطاق الأوقات الخمسة (قصص ليبية) 1974، ملاحظات على جبين الغربة (مقالات) 1974، رباعية الخسوف (رواية) 1989، التبر (رواية) 1990، نزيف الحجر (رواية) 1990.

علوي الهاشمي: الرواية بوصفها حرية بديلة

وفي ورقته «الرواية بوصفها حرية بديلة» والتي قدمها بقاعة المؤتمرات يوم الثلثاء 14 ديسمبر/ كانون الأول 2010 أشار علوي الهاشمي إلى أن العلاقة البنيوية بين الرواية والحرية هي ذاتها العلاقة بين الفنون دون استثناء، لأن الحرية هي حاضنة الإبداع وهي تتجلى في الإبداع من خلال واقعين:

الواقع الأول: الحرية بمفهومها المطلق كحالة حياتية يمارس فيها الناس حضورهم الإنساني بكافة أبعاده الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، والحديث في هذا البعد لا ينطلق من الإبداع بالضرورة، فالمناخ مؤثر في جميع الأحياء التي تنضوي تحت وجوده وحياتها، وهنا تنكشف أبعاد الجدلية بين الإنسان وحريته.

والواقع الثاني: هو مدى حرية الإنسان في تكييف إبداعه شكلاً ومضموناً، فهل هو رهين قولبة من ماضي الإبداع أم هو طليق وحر، في تعامله مع أدواته الإبداعية؟ وهنا تكون الحرية منطلقة من داخله على هيئة ممارسة لا تتقيد إلا بمتطلبات اللحظة من التعبير عن الذات المبدعة. والحرية في صميم الإبداع لا ترتبط بالحرية في المناخ، بل هي مرتبطة بالشكل التعبيري بأكثر من ارتباطها بالمضمون الذي يذهب إلى الحرية بصفتها مناخاً وحالة معاشية.

وأضاف الهاشمي الرواية بحسب جوهرها هي فعل تخييلي، والتخييل لعبة تتعلق بالخلق – والخلق نهاية شكلية تختزل آليات الخلق من حيث المثال المسبق، كهيئة استقرت، وتحددت سماتها بذاتها لتصير هي المخزون الموجود مسبقاً ليتم دمجه في التجربة الطارئة المستجدة، والتخييل نقض حاد للواقع، واذا كان تسجيلا له فهو تاريخ. والمسافة بعيدة بين التاريخ والتخييل.. فالتاريخ لا حرية فيه وليس واقعاً حراً، بل هو مرتبط بمرجع فعلي متحقق، أي ما كان يسميه أرسطو في كتابة (فن الشعر) «الحدث الذي كان» والتخيل هو كل الحرية المتمردة على صفاقة الواقع، ولا أقول سماجته، أي حسب أرسطو «الواقع كما ينبغي أن يكون» والرواية كمجموعة أفعال متخيلة تنقض المتحقق وتعلو عليه وتنفي مجرد حقه في الوجود، لأنها بالتخييل تستبدل به حرية من نوع آخر، هو النقض الذاهب إلى الأفق الذي لا حدود له. والشيء في الحياة لا يكون بديلاً لنفسه، إنما يكون بديلاً لما هو نقيضه أو ضديده، أو مغايره دون علاقة ما على سلم التشابه، وهذا الذي يرفض نقيضه وضديده، ومغايره، لا يكون إلا شيئاً آخر ينتمي إلى حرية أخرى. سيما إذا كان الرفض بالتجاوز غير المقصود.. لأن القصدية علاقة ما تسيء إلى مفهوم الحرية حتى لو كانت بغرض النفي والابتعاد.

عبدالحميد المحادين «الرواية ومشكلات التلقي والنشر»

وخلال الملتقى قدم الناقد عبدالحميد المحادين ورقته التي تعنونت بـ «الرواية ومشكلات التلقي والنشر» حيث أكد « أن مشكلات التلقي والنشر لا تتعلق حصرياً بالرواية فحسب، إذ إن كل النصوص بمفهومها النقدي الحديث تواجه ذات المشكلات في التلقي والنشر، وتابع أكاد اذهب إلى القول إن مشكلات التلقي والنشر ترتبط بمواضعات خارج الرواية كرواية، وخارج النصوص كنصوص، وليس ذلك جزءاً من النص أو لنقل الرواية في مسائل تلقيها، أو مشاكل نشرها وانتشارها، بل إن هذه القضايا توالدت بعد أن اشبع الدرس النقدي البحث في النصوص كنصوص، من خلال آليات واجتهادات ومقاربات متعددة ومتطورة من بعضها البعض، تدور جميعها حول النصوص، بدءاً من كتابها ووصولاً إلى هياكلها المختلفة وتجاوزاً إلى قرائها والمجتمعات التي تنشأ فيها وتزدهر، تنتج، ويتم انضاجها ثم تستهلك، كأي «سلعة» لها أسرارها ولها دورها وأهدافها، ولها مصائرها. لها بناها ولها ما قبلها وما بعدها».

وبعد تحدث المحادين عن إشكاليات المؤلف ودوره في إنتاج النص والمعنى أضاف وإذا تواضع الدارسون يقولون: هل الانشغال بالتلقي قضية جادة؟! هل المبدع هو المرجع في المعنى أم ينازعه المتلقي؟!

وأكد المحادين أن النص بوصفه مجموعة من الإشارات والشفرات تحتاج إلى تحليل وفهم، فهل يطلب إلى المؤلف أن يقوم بذلك، إن كان الأمر كذلك فالمؤلف يؤلف مرتين وتبقى المشكلة قائمة. ولذا فالقارئ هو الذي يعيد للشفرات أسرارها، وليس القراء متساوين. إن المتلقي يعتمد على كفاءته الثقافية والفنية وتمرسه بالفنون وقدراته المعرفية على انشاء المعنى من خلال مشاركته في ملء فراغات النص.

إنه لا يسأل ماذا يريد ان يقول المؤلف؟! بل السؤال ماذا فهم هو مما قيل؟! ومن هنا ينبغي تقرير حقيقة أدبية نقدية هي أن النص يكتسب وجوده من خلال قراءته ومتلقيه وبلا تلقٍ هو شيء لا وجود له. لكن السؤال هل التلقي موحد.. الأمر الطبيعي أن كل قارئ هو متلق مختلف، ولذا فالنص يقدم من المعاني بعدد قراءاته

وأضاف المحادين يبقى السؤال من هو صاحب النصيب الأوفر في المسئولية عن فهم النص أهو الكاتب ام هو القارئ، وهل النص ضحية لهذا التجاذب وهذه الافتراضات وهذا النزاع غير المعلن بين جهات كثيرة، وهل القارئ في النهاية هو الذي يقرر معطيات النص، ويملأ فراغاته، ويستشرف آفاق توقعه، ويفترض ما يفترض، ويبني على افتراضاته رؤاه واستنتاجاته.

وخلص المحادين إلى أن تسلسل القراء، وتعدد القراءات بقدر عدد هؤلاء القراء هو الذي يمنح النصوص خلودها وازدهارها ولو أننا طرحنا نصاًً أمام قراء مخولين لقراءته، واستعرضنا المواقف التي يخرج بها كل قارئ، فإننا قطعاً نجد قراءات على عددهم، بل لعل بعض القراء يقدم أكثر من قراءة للنص الواحد، وهذه مسألة تدخل في التوليدية.

وتساءل المحادين ما الذي يجعل «ألف ليلة وليلة» نصاً متجدداً خالداً، يفرض نفسه في كل المواقع والأزمنة، ما الذي جعل موسم الهجرة إلى الشمال، أو ثلاثية نجيب محفوظ أو غيرها تعلن عن نفسها كل مرة مع كل قراءة بشكل مختلف؟!

ولكي تكون المسألة سليمة فإن الدراسات لا تنظر إلى القراء بنفس المعيار، ولا تقيم أوزاناً متشابهه أو متساوية لكل القراءات، حيث لا يتشابه ولا يتساوى القراء في عمق القراءة والقدرة على الوصول إلى المعنى المفترض قرائياً، وليس تأليفياً، ومن هنا تحدثت الدراسات عن القارئ العادي، والقارئ الضمني، والقارئ النموذجي، وغير ذلك من مستويات القراء. هناك قارئ رديء وهناك قارئ ممتاز وهناك قارئ يستطيع أن ينتج النص مباشرة، أو على الأقل يعيد إنتاجه.


عبدالله خليفة: الشكل الروائي المفتوح

وفي ورقته التي تعنونت بـ «الشكل الروائي المفتوح، وتجربة غازي القصيبي» أشار الروائي عبدالله خليفة إلى أن «الرواية كجنس قصصي لا نهائية التعبير والدلالات، فهي بتجسيدها الوجود البشري الدائب الحركة والجريان لا تعبر عن انعكاس بل عن تملك نسبي مطلق للواقع وبشري معين، وعن لحظة اكتشافية باقية على مر الزمن.

وأضاف خليفة تبقى اللحظات المجسدة بشخوصها ومواقفها وبلغتها التعبيرية قابلة لقراءات لا تنفد، والقراءات هي لحظات رؤية معينة ذات أدوات في زمن ما، فيما النص مفتوح أبدا لقراءات الأزمنة المستمرة، لأدوات ورؤى استكشافية متتابعة مثالية عبر العصور، لتراكم الخبرة بالنص، ولاكتشاف علائق جديدة بالواقع المتغير أبداً، ولظهور سمات جديدة في النص عبر قراءات مختلفة.

وذهب خليفة إلى أن إنتاج نصوص غازي عبدالرحمن القصيبي السردية في ظرفي وجوده في كل من البحرين والسعودية مختلفة، وهي ذات بنى سردية متنوعة، كما أنها ذات دلالات واسعة تعكس مستوى تطور كل من البلدين والمؤلف في إنتاج النوع القصصي، المغاير لتطور بلدان عربية أخرى، حيث تتسم المنطقة العربية الخليجية بالمحافظة الاجتماعية والسياسية الكبيرة فتغدو تنوعات المؤلف مستجيبة لهذه الظروف فتقوم بتغيير أساليب السرد وجعلها أكثر تنوعا وتأويلا، لكنها لا تخرج عن أفق النص المفتوح بدلالاته المعروضة سابقا.

وأكد خليفة أن البناء الموضوعي العادي لبناء الرواية في تجربة غازي القصيبي لم يستطع أن يتشكل بعد «شقة الحرية»، فظهر نسفا للبناء الروائي المتراكم الوحدات، المتنامي الشخصيات، المتوجه إلى تحليلات عميقة نقدية كاشفة للأبنية الاجتماعية، وبخاصة لبلد ومنطقة الروائي، وقد لاحظنا ازدواجية نقد مصر وعدم نقد الخليج في «شقة الحرية» ومن هنا قامت العناصر السردية المبثوثة في تجربة غازي القصيبي في احتلال مكان تلك العناصر الكلاسيكية الروائية.

فمن أشعار الإخوانيات والمشاغبات والمطارحات الشعرية الهزلية والجادة وطرق الحكايات العربية كـ «ألف ليلة وليلة» تشكلت روايات ما بعد «شقة الحرية» التي تقوم على الهذيان والسخرية الاجتماعية السياسية واللامعقول والمعقول والمونولوجات الكاسحة والتقارير والخطب والأشعار الفصحية والبدوية، حيث تنشر خطاباً نقديا لمجتمعات متخلفة حولت الثروات إلى خرافات وبنايات آيلة للسقوط، والدين إلى شعوذة وجمود، وهذا كله في أشكال فكاهية هازئة ناقدة وفي خيوط من العبث والغموض والوضوح.

كما تواجه الخليج والعالم العربي بعامة بالتعميمات والترميز، ولهذا تنتشر تسميات مثل «أبو شلاخ البرمائي» و»عربستان» وسبع شخصيات تعيش في لندن لا في البحرين أو الرياض أو القاهرة.

ولهذا فإن الشكل التحليلي الكلاسيكي لا يتقارب وتجربة شاعر رومانسي أرستقراطي، ناقد، نهوضي، لا يتلوث بفساد، بل يسعى للبناء الاقتصادي الاجتماعي التحديثي، فتبدو خطاباته النثرية والروائية رجراجة، متعددة الأبعاد، تنقد بخفة وتلوذ بالأستار.

وأضاف خليفة يقوم هذا البناء الروائي المتردد بين المقالة التحليلية والسرد، على اعتماد ضمير المتكلم بصفة كبيرة، فينبثق الراوي السارد المتحدث، وهو الشخصية الرئيسية المعبرة عن إشكالية البدوي التحديثي وتناقضاته، التي تعتمد على البوح والتداعيات الحرة وبعض المشهديات الرابطة بين الكلام التقريري والكلام السردي، وتنأى بعامة عن الأمكنة الواضحة المحددة وعن المواجهة التحليلية السردية، وتدخل أمكنة مبهمة، وتتناول قضايا اجتماعية عامة يعيشها العالم العربي، وتبتعد عن مواصفات الرواية العادية باعتماد الوصف والعرض وتنمية الشخصيات في تضاريس الأرض الاجتماعية والحفر النقدي التحليلي فيها.

العدد 3065 - الأربعاء 26 يناير 2011م الموافق 21 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً