العدد 3068 - السبت 29 يناير 2011م الموافق 24 صفر 1432هـ

إنه جيل الإنترنت

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الأحداث الكبرى في التاريخ لا تأتي فجأةً ودون مقدمات، وإنّما نتيجة تراكمات وإرهاصات لا يشعر بها من يعيشون في بحبوحةٍ وغيبوبةٍ وغياب.

في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2010، حضرت إحدى حلقات «مناظرات الدوحة» التلفزيونية، التي يشارك فيها أكثر من 300 شخص، أغلبهم من الجيل الجديد. وصوّت 63 في المئة مع الديمقراطية والانتخابات النزيهة، مقابل الخبز والرفاه الاقتصادي، ولخّصتها في عنوان يقول: «لا يمكن تخيير الناس بين الحرية والعيش الرغيد تحت الأنظمة الديكتاتورية».

الحلقة ضمّت أربعة أشخاص (وزيرٌ هندي وآخر تقني، ورجل أعمال غربي)، وجمعنا لقاء تعارف مسبق معهم، وكان رابعهم مدوّن مصري شاب (بلوغرز)، فتح نظري لأول مرةٍ على هذا العالم الافتراضي الغريب.

الشاب (35 عاماً) سُجن عدّة مرات، ولاحقته قوات الأمن لكتاباته في الإنترنت، وظلّ مرةً مختفياً لعدة أشهر؛ هرباً من قبضة أجهزة المخابرات القمعية. وكان يتكلّم بمرارةٍ شديدةٍ مما بلغته الأوضاع في مصر، وظللت أستمع له في ذهول، فأنت أمام جيلٍ جديدٍ، يتكلّم دون تلعثمٍ أو ترددٍ. جيلٌ له آراء واضحة ومطالب محددة، يقرأ عن أوضاع الشعوب والبلدان الأخرى في الشمال، ويقارنها بحياته الخالية من الخبز والكرامة معاً.

هذا الجيل تربّى في أحضان الكمبيوتر، حيث تسقط قوانين الرقابة وسلطة الأنظمة الأبوية، التي تؤمِن بنظرية فرعون «ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد». جيلٌ تشعر أنه كفر بكلّ ما هو موجود، حتى حين تسأله عن الصحافة المستقلة والأسماء الوطنية ذات السمعة الحسنة في الخارج، يردّ عليك: «كلهم بتاع مصالح وأتباع للنظام»!

الأنظمة العربية اختتمت العقد الأول من القرن الجديد، بتسجيل ما اعتبرته انتصارات على قوى المعارضة التاريخية في عددٍ من الدول العربية، استطاعت خلاله إفراغ الساحة تماماً من المعارضين. وهكذا تحوّلت البرلمانات إلى مجالس حزبية مغلقة كالدكاكين الفارغة من البضائع، وجلست تقهقه على أطلال الخرائب ملوّحةً بعلامة النصر! لم يخطر ببال أحدٍ من هذه الأنظمة أن جيلاً جديداً سيخرج من كلّ هذه الفوضى والعدمية والخراب السياسي.

جيلٌ مسيّسٌ متابِعٌ ناقدٌ ومهتمٌ بالشأن العام، لم يتلقَ توجيهه المباشر من أروقة المساجد أو تنظيمات اليسار، وإنما من خلال عالم افتراضي، حيث تجري الحوارات في مختلف الاتجاهات ويناقش الهمّ الجماعي العام. أحدهم يكتب لأمّه أنه سينهي حياته احتجاجاً على نظامٍ فاسدٍ حرمه من العمل الشريف، وحاربه في كسب لقمة عيشه من بيع الخضار في الشارع، وعندما ذهب ليتظلم لطمته شرطيةٌ متعجرفةٌ على وجهه، فحياةٌ مثل هذه لا تستحق أن تُعاش. لم يكن يدري أن رسالته التي بثها في أسلاك الانترنت سيقرأها الملايين، وأن إقدامه على حرق نفسه، سيشعل ثورةً في بلاده ستُطيح بالجنرال خلال شهرٍ واحد، وتخلّف تعاطفاً واسعاً وموجاتٍ من الاحتجاج في بلدانٍ أخرى.

جيلٌ مسيّسٌ غير منتمٍ حزبياً، يرسل أحدهم اقتراحاً عبر موقع افتراضي، بالتجمع في ميدان عام بمناسبة يوم الشرطة، يعارضه بعضهم ويوافقه آخرون، وخلال 24 ساعة يعلن 80 ألفاً التحاقهم بحملته، ومنها تشتعل الأحداث.

لم يكن بين الجموع من يلبس أسمالاً بالية. توقّعها النظام ثورة جياع، ففاجأته انتفاضة طبقةٍ وسطى، طالما أهينت وسُحقت وزُوّرت إرادتها وفرض عليها نوابٌ مرتشون وهياكل تمثيلية زائفة، وخياراتٌ سياسيةٌ مذلة وقراراتٌ اقتصادية تنفذها نخبةٌ متغرّبة تقوم فلسفتها على احتقار الشعوب

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3068 - السبت 29 يناير 2011م الموافق 24 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 21 | 4:36 م

      مقال قوي لدرجة ان بعض الدول وضعت عليه بروكسي

      مقال قوي جدا استاذ قاسم

    • زائر 20 | 10:15 ص

      الخروج على الظالم حرام!!!!!

      هكذا قال احدهم ..لايزال البعض يعيش على كلمات رجال الدين المسيسين ..هؤلاء مخدوعين ومغرر بهم تحسبهم سذج والاغرب انهم متعلمون وفاهمون لكنهم يرددون كالببغاوات حرام الخروج على الحاكم الظالم!!!!

    • زائر 19 | 8:16 ص

      دعوة للحكمة واستيقاظ الضمائر

      الثورة الشعبية بدأت بتونس فسمعنا المقولة الشهيرة(مصر مش زي تونس) وتبين لنا حقيقة أن مصر توأم تونس وليست(زيها)فقط,وأن كل الدول العربية مرشحة للاشتعال,وإن على أنظمتها أن تحسن اغتنام الفرصة الذهبية التي منحها لها الزمن رحمة من الرحمان الرحيم بالشعوب المظلومة وكرامة لها,وأن لا تأخذ العزة بالإثم قيادات هذه الأنظمة ويفسروا هذه الفرصة على أنها وقتاً لرص صفوف جلاوزتهم,وأن يتحلوا بالحكمة قبل فوات الوقت,وأن يعتبروا بتجربتي تونس ومصر وخصوصاً سرعة سقوط نظاميهما وتبرؤ دول الاستكبار منهما فالحكمة الحكمة

    • زائر 17 | 4:51 ص

      عاشقة القدس

      "لم يكن بين الجموع من يلبس أسمالاً بالية"
      صدقت يا سيد كانوا المتظاهرين كأنهم رايحين مقابلة شغل كلهم كاشخين!!
      الله ينصرهم ويجعل خاتمة ثورتهم خير الامة الاسلامية والعربية ودحر للأمريكان والصهاينة في المنطقة

    • زائر 15 | 3:05 ص

      عاشقة القدس

      "لم يكن بين الجموع من يلبس أسمالاً بالية"
      صدقت يا سيد كانوا المتظاهرين كأنهم رايحين مقابلة شغل كلهم كاشخين!!
      الله ينصرهم ويجعل خاتمة ثورتهم خير الامة الاسلامية والعربية ودحر للأمريكان والصهاينة في المنطقة

    • يا علي يا إمامي | 2:46 ص

      لك كل الاحترام سيد

      من بين سطورك اقرأ تاريخ المستقبل الآتي
      دم بخير حتى نعيش في رحب المستقبل
      وإن غدا لناظره لقريب :)

    • زائر 11 | 2:43 ص

      مواطن عربى مسلم

      هذة هى الحريه وحرية الكلمه عند الحكام المتجبرين والذين ينظرون الى شعوبهم نظرة دونيه ولا يرون للشعوب الحق فى العيش فى هناء وسعادة ورفاء وعليهم ان ياكلوا الفتات والفضلة التى ترمى اليهم .

    • زائر 8 | 1:33 ص

      ولي راي اخر ياسيد

      ياسيد و لكن هل تعتقد ان بإمكان هذا العالم الافتراضي ان يوصل هذه الثوره الى ساحل الامان بعيدا عن من مؤمرات الاعداء ومن اخترع هذا العالم الافتراضي.الخوف كل الخوف من انعدام المركزيه في مثل هذه التحركات لتقاد في النهايه و بعد التضحيات الكبيره تقاد من قبل اعداء هذه الشعوب و هذا ما يحصل الان في تونس الخضراء فالحذر الحذر الحذر من مؤمرات الامريكان و الصهاينه و الاوربيين

    • زائر 7 | 1:08 ص

      ما أكثر العبر وما أقل.....

      ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار كما يقول أمير المومنين(ع) - يتساقطون كسقوط الاناء - وبكره إنشوف ما قيل قبل أربعة عشر قرن والله المعين على ما تصفون!!.

    • زائر 6 | 12:49 ص

      بالضبط

      وهكذا تحوّلت البرلمانات إلى مجالس حزبية مغلقة كالدكاكين الفارغة من البضائع، وجلست تقهقه على أطلال الخرائب ملوّحةً بعلامة النصر!

      عجبتني هذه العبارة حيث أنها تنطبق على الوفاق

    • زائر 5 | 12:17 ص

      لابد من ثورات وسقوط الشهداء

      يخال لنا ان الامر لا بد من ثورات وسقوط الشهداء حتى تستوعب هذه الانظمة البالية ان لا مكان لها

    • زائر 4 | 11:41 م

      إنه جيل الوعي وانتشار المعلومة

      لم يعد ما ينفع في الماضي يصلح الآن
      على الحكومات أن تلحق على نفسها وأن تتغير بحق قبل أن تغيرها شعوبها

    • زائر 3 | 11:32 م

      الله يهديهم

      لا خبز ولا كرامة، الشعوب العربية ونحن منهم نعيش الاذلال، وما يحصل هناك يحصل مثله تماما هنا، الاوضاع واحدة وتزوير ارادة الناس نفسها وفرض نواب مزيفين وبرلمانات صورية فارغة. الله يصلح الوضع ويهدي اللي كان السبب.

    • زائر 2 | 11:11 م

      هل من معتبر؟

      فعلاً... الكل توقعها ثورة جياع، ففاجأته انتفاضة طبقةٍ وسطى، طالما أهينت وسُحقت وزُوّرت إرادتها وفرض عليها نوابٌ مرتشون وبرلمانات صورية زيفة جلبت كجزء من الديكور. عمرهم لم يؤمنوا بالديمقراطية، فقط ارضاء للخارج. اللعبة انتهت الآن فهل من معتبر؟؟؟؟؟؟

    • زائر 1 | 11:05 م

      الحال زي بعضه

      عندنا وعندهم خير يا سيد، وهل نسيت اغلاق المواقع واعتقال المدونين وتلفيق التهم لهم؟

اقرأ ايضاً