العدد 3074 - الجمعة 04 فبراير 2011م الموافق 01 ربيع الاول 1432هـ

الغرب والديمقراطية «المضمونة» في مصر

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أيام تحدّث بعض الباحثين الغربيين في شئون السياسة بكلام فيه من الغرابة الكثير. أهمية الكلام تنبع من كونهم ينتمون إلى مراكز دراسات تستعين بها عادة وزارات الخارجية في الولايات المتحدة وأوروبا (الغربية)، وأيضاً يستند إلى معطياتها وتسريباتها العديد من الصحف العالمية والمنظمات الأمميّة. على أية حال فإن أولئك الباحثين قالوا التالي: إن الأنظمة السياسية الحاكِمة في عُموم العالَم العربي بدأت تَشِيْخ. شيخوختها ليست في عُمرها الزمني فقط وإنما في قدرتها على حماية مصالح الغرب وأمنه القومي المتوالي.

ثم أضاف أولئك الباحثون بأن هذه الأنظمة لا تقبل بالتغيير البيروقراطي والحقوقي في بُلدانها لا عبر الضغوط الخارجية ولا الداخلية، لِذا، فإنه ومن أجل المواءمة ما بين الشعارات التاريخية والأخلاقية للديمقراطية الليبرالية الغربية وبين المصالح الإستراتيجية والقومية لعُموم أوروبا والولايات المتحدة فإنه يتوجّب أن تُتْرَك هذه الأنظمة لتواجه قدرها مع شعوبها وقوى التدافع البشري التي بداخلها وتُرفَع عنها اليد الضامنة، على أن يركب الغرب أي موجة للتغير فيها.

هنا يبدأ الجِد في غربلة ما قِيْل. هل هو كلامٌ مُرسَل أم أنه مُسند بحقائق. في أحيانٍ كثيرة تُمسِي مثل تلك المشاريع أكثر حضوراً ونشاطاً إذا ما وُجِدَت تَترى على قراطيس «صُحف الضغط» العالمية المشهورة، فضلاً عن كونها تتفاعل على أثير السياسات الخارجية للبُلدان الغربية، التي عادة ما تشتبك في ذلك مع عدة قيم سياسية واقتصادية ومجموعة تحالفات.

فيما خصّ القائم الأول، فقد كتبت صحيفة التليغراف البريطانية خلال الأزمة السياسية المصرية وحِراكها الشعبي أن واشنطن تُموّل «جماعات معارضة للحكم في مصر، بشكل سري، وأن الدعم الأميركي هو مَنْ يقِف خَلْف الثورة التي تشهدها مصر سعياً لتغيير النظام». بل إن الصحيفة قالت «إنها اطلعت على وثيقة سرية، تتحدث عن دعم السفارة الأميركية في القاهرة لمنشق شاب».

صحيفة «الإندبندنت» قالت أيضاً «تشكل الاضطرابات العميقة في مصر وفي أماكن أخرى في الشرق الأوسط مثلاً ثاقباً لمعضلة قديمة تواجهها الولايات المتحدة: كيف نعزز التغييرات الاجتماعية والسياسية التي تحتاجها المنطقة بشكل يائس، من دون فتح أبواب السلطة من دون قصد لأنظمة عدائية (إسلامية) في منطقة حيوية من الناحية الاستراتيجية».

صحيفة «نيويورك تايمز» قالت «لقد واجه (النظام المصري) المظاهرات المتصاعدة بكبت متصاعد. وفي دليل ضعف أغلقت الحكومة الإنترنت وخدمات الهواتف الجوالة. ولكن ذلك لم يثن ِالمتظاهرين، وعلى أوباما أن يكون مستعداً لقطع المساعدات إذا حوَّل مبارك المظاهرات إلى حمام دم وفشل في فتح النظام السياسي في مصر، فنشر دبابات للجيش على الطرقات هو دليل على اليأس، وأن الأمور قد تتدهور في حال بدأ الجيش يطلق النار على المتظاهرين».

صحيفة «واشنطن بوست» ذهبت أبعد من ذلك عندما أسدت للإدارة الأميركية نُصحاً بضرورة التواصل مع الدكتور محمد البرادعي، باعتباره معارضاً بارزاً بدل حَثّ الرئيس مبارك على إدخال إصلاحات. مضيفةً «أنه أمر بعيد المنال، أن نفترض بأن رجلاً كبيراً في السن ينظر إليه معظم المصريين على أنه ديكتاتور سيوافق على أن يبدأ حواراً جدياً مع معارضيه، أو تبنِّي إصلاحات رفضها لسنوات. ومن الخطير أن نفترض أن الشعب المصري المليء بالحيوية والغاضب، سيتم إغراؤه بالتوقف إثر أي وعود يتقدم بها مبارك». انتهى النقل الصحافي.

فيما خصّ القائم الثاني وعلى مستوى السياسات الخارجية للدول الأوروبية وأيضاً بالنسبة لواشنطن فإن الخطاب الغربي لايزال يُراوِح ما بين صياغة سياسة تقوم على «حملة علاقات عامة» وبين محاكات الدفوع الليبرالية للمجتمعات الغربية، وأيضاً عدم الوقوع فيما وقَع فيه ذلك الخطاب بالنسبة للأحداث في تونس. ومَنْ يُراقِب الخطاب الأوروبي على سبيل المثال سيراه خطاباً عاماً وقابلاً للتمدّد والمواءمة مع طرفي النزاع في مصر. وهو باعتقادي خطاب يُرادُ له أن يمشي على هَوْن، فلا يُفرِّط في الحليف الرئيسي له في المنطقة (نظام الرئيس حسني مبارك) ولا يخسر المعارضة المصرية التي قد تنال الحُكم أو جزءاً رئيسياً فيه على أقل تقدير.

المفوضية الأوروبية في بروكسل قالت يوم الأربعاء «إن الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي يحثّ على الإصلاحات الضرورية، بما في ذلك إجراء انتخابات حرة نزيهة وحاسمة، وأن سيادة القانون، واحترام الحقوق الأساسية، وإجراء انتخابات حرة، وتحقيق ديمقراطية تعددية في مجتمع مدني نشط، يمثل أفضل السبل لتحقيق الازدهار والاستقرار، وهي المبادئ الأساسية، التي قام عليها الاتحاد الأوروبي، وهي أيضاً القيم الأساسية التي يرتكز عليها التعاون مع الدول الشريكة، وخاصة التي تشكل جزءاً من سياسة الجوار الأوروبية مع دول جنوب المتوسط». وهو ذات الخطاب الذي أشرنا إلى طبيعته فيما سبق من حيث السَّبك والإشارة.

ما يظهر من كلّ ذلك هو أن الغرب يُريد أن تتحقق في مصر «ديمقراطية مضمونة». بمعنى أن يتمّ التغيير ولكن داخل القالب الغربي. فهم لا يُريدون أن تتكرّر معهم مشكلة الأراضي الفلسطينية حين شجّعوا الرئيس الفلسطيني محمود عباس وضغطوا عليه لإجراء انتخابات ثم فازت حركة حماس بـ 60.6 في المئة من مقاعد المجلس التشريعي، بينما حصلت حركة فتح على 32.6 في المئة من المقاعد، وهو ما سبَّب حالة إرباك في العلاقات الفلسطينية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية. وبالتالي فإن الغرب لا يُريد أن تُجرَى انتخابات في مصر ويحوز الإخوان المسلمون على 88 مقعد (عشرين في المئة من المقاعد) والقوميون على حصّة مماثلة وغيرهم من التيارات وهي كلها أطياف غير مضمونة وغير مُجرَّبة في السياسة.

بين حقيقة وفساد ذلك الرأي الذي أفشاه باحثون غربيون يبقى الرِّهان على الولايات المتحدة وأوروبا أمرٌ في غاية الخطورة، على اعتبار أن خطابها «استخدامي واستنزافي» لأنه في الأصل (حتى ولو قام على رفع اليد عن الأنظمة العربية) مُسند على آليات تدخّليّة واستخباراتية تركب موجة التغيير عادة. كما أن جميع التجارب التي أدخَلَ الغرب أنفه فيها لاقت مشاكل جَمَّة، وأحرجت الأنظمة والمعارضة معاً، قبل أن تفقد هي مصداقيتها في شعار التغيير. وهو جميعه ما ينطبق على الحالة المصرية والتونسيّة بالسواء. وعلى المصريين أن يُدركوا ذلك جيداً.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3074 - الجمعة 04 فبراير 2011م الموافق 01 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:13 ص

      غصن زيتون السلام/ سبحان مغير الاحوال

      لماذا هذا الاحباط يا استاذ لماذا دائما لايوجد تفاءل في كتابات الكثير من الكتاب العرب وتضعون دائما الحصان اما العربة وتجعلون الاستراتيجية الامريكية الى الابد هي هذا الحصان الا تومنو بتطور الحياة وان الله سبحانه وتعالى جعل هذا الكون فطريا في حالة تطور وتغيرلصالح البشرية فامريكا ليس ذلك البعبع الذي لايتاثر بطبيعة تطور الكون افيقوا اشوية يا كتابنا وجعلوا كتاباتكم اكثر تفاءل بدل هذا الكلام دائما ما نسمع منكم هذه الامريكا اليس امريكا جزء من هذا الكون المتغير لماذا دائما تجعلوا هذا البعبع استراتيجية

    • زائر 1 | 1:47 ص

      أوباما: قلت لمبارك إن الطرق القديمة لن تنفع

      صحيفة السرق الأوسط عدد اليوم

اقرأ ايضاً